يعانى بعض القادة العسكريين الذين تحولوا إلى سياسيين من عارض اسمه الانسحاب الأحادى الجانب. صحيح أنه فى أوضاع معينة، ومن أجل تقليص الخسائر، يشكل الانسحاب الأحادى الجانب استراتيجيا صائبة، إلاّ إنه يشكل فى أحيان كثيرة استراتيجيا غير صحيحة. هناك اثنان من قادتنا العسكريين من مؤيدى هذا الخط: الأول هو أريئيل شارون الذى قرر الانسحاب الأحادى الجانب من غوش قطيف واقتلع بالقوة 8000 مواطن إسرائيلى من منازلهم، متوقعا أن يؤدى ذلك إلى التخفيف من مشكلات إسرائيل الأمنية ويدفع بالعملية السلمية قدما. أمّا الثانى فهو وزير الدفاع إيهود باراك، المعروف بتأييده الانسحاب الأحادى الجانب، معتقدا أن هذا هو السبيل لحل مشكلاتنا ولكبح التسونامى الذى كان يعتقد أنه يلوح فى الأفق.
كانت أول مناسبة لباراك لتطبيق هذه الفكرة فى سنة 2000 ، عندما قرر يومها، وكان رئيسا للحكومة ووزيرا للدفاع، الانسحاب الأحادى الجانب من الحزام الأمنى فى جنوب لبنان، والتخلى عن حليفنا جيش لبنان الجنوبى، الأمر الذى قرب مقاتلى حزب الله من مستوطناتنا الشمالية. لقد اعتقد باراك يومها أن خطوته ستحول حزب الله من تنظيم إرهابى إلى حزب سياسى لبنانى يتخلى عن سياسة الهجوم على إسرائيل، وأن صمودنا على الحدود الدولية سينجح فى ردع الحزب. لكن هذا لم ينجح.
ويبدو أن الأخطاء التى ارتكبها باراك لم تدفعه إلى تغيير مساره، فعندما انتقل إلى معادلة «الأرض مقابل السلام» عرض على السوريين الجولان فى مقابل كبحهم حزب الله. ومن حسن حظنا أن هذه الخطة لم تنجح. إذ من المعلوم أن تقديم أراض مقابل السلام يعدّ خطوة غير ناجحة، ولا تردع التنظيمات الإرهابية.
لقد احتفل حزب الله بانسحاب إسرائيل من الجنوب اللبنانى (سنة 2000) وعزز سيطرته على لبنان، وجمع مخزونا كبيرا من الصواريخ أطلقها على، السكان المدنيين فى إسرائيل خلال حرب لبنان الثانية يوليو 2006 والتى كانت نتيجة مباشرة للانسحاب الأحادى الجانب. أمّا اليوم، فإن عدد الصواريخ التى فى حيازة حزب الله هو أضعاف الأضعاف، وهى تشكل تهديدا لكل أراضى إسرائيل. وفى حال لم يتم القضاء على هذا المخزون من الصواريخ، فإنها ستُطلق ضد سكان إسرائيل متى أرادت إيران، أو أراد حزب الله ذلك.
وعلى ما يبدو، فإن باراك غير قادر على التخلص من فكرة الانسحاب الأحادى الجانب، لأنه يطرح اليوم انسحابا أحاديا من يهودا وشومرون (الضفة الغربية)، الأمر الذى سيجعل سكان وسط إسرائيل فى مرمى صواريخ القسام التى ستُطلق من هناك.
والراهن أنه طوال أعوام، وبالتدريج، ومن دون أن يشعر أحد، صار سكان إسرائيل على خط الجبهة فى أثناء الحرب. وجرى التخلى عن استراتيجيا بن غوريون، التى كانت تعطى أهمية قصوى لأمن المواطنين. وهذا ما حدث أولا على الحدود الشمالية، ثم فى مستوطنات غلاف غزة، وبعد ذلك فى جنوب البلد، بحيث بتنا اليوم أمام وضع سيكون فيه سكان إسرائيل أول الضحايا، فى حال وقوع هجوم صاروخى أو حدوث حرب شاملة.
لقد نجت إسرائيل فى حرب لبنان الأولى (1982)، وفى عملية الجدار الواقى (سنة 2002)، وفى الانتفاضة الثانية فى التغلب على الإرهاب. ومع أننا أثبتنا قدرتنا على القضاء على الإرهاب، فقد اخترنا استراتيجيا الردع والانسحاب الأحادى الجانب ومعادلة «الأراض مقابل السلام»، على الرغم من عيوبها.
ويتم تطبيق هذه الاستراتيجيات على حساب السكان المدنيين الذين تحولوا اليوم إلى شريك كامل للجيش الإسرائيلى فى الحرب ضد أعداء إسرائيل.