من أكثر ما كشفت عنه ثورة يناير هو «الهوى الإسلامى» للشعب المصرى، و كيف أن اغلبية المصريين تميل إلى تطبيق الشريعة حتى وإن لم يعرفوا تفاصيل أو آثار هذا التطبيق فى مختلف المجالات.بدون الخوض فى أسباب هذا النهم الإسلامى ومناقشته أو الوقوف على جدواه. ولا التشكيك فى العملية الانتخابية أو تزييف الرأى أو شراء أصوات الناخبين فكل افراز انتخابى أوضح لنا هذا النهم وهذه الرغبة ويجب علينا أن نحترمها ونعمل من خلالها إلى أن تفرز البيئة المجتمعية والساحة السياسية اتجاها جديدا يعبر عن رغبة حقيقية جديدة. ●●●
لعل من ضمن أهم المجالات التى سيتم المناقشة حولها هى تطبيق الشريعة الإسلامية فى الاقتصاد أو بمعنى أدق البنوك الإسلامية غير المبنية على الربا والتى تتبنى عقائد دينية ومجتمعية وأيضا تكافلية.
البنوك الإسلامية هى بنوك لا تعمل معتمدة على الفائدة أو كما تسمى فى الإسلام «الربا». وتتبنى التكافل الاجتماعى والمشاركة المجتمعية كمبدأ عام مع عدم الدخول فى اى نشاط محرم طبقا للقرآن والشريعة والسنه كالغرار (المقامرة)، الخمر وتجارة لحم الخنزير بالإضافة كل ما يعتبر حراما مع الحفاظ على مبادئ الاسلام الأساسية كالعدل والمساواة وتكافؤ الفرص.
البنوك الاسلامية هى مصرية المنشأ فى الأساس بل والأدق انها بدأت فى مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية فى عام 1963 على يد أستاذ الأقتصاد أحمد النجار والذى استطاع من خلال دراسته الاقتصاد الاجتماعى أن يقدم تجربة ناجحة جدا على المستوى المحلى وتبنت بالفعل الأسس النظرية والمنهجية للتمويل الإسلامى إلى أن واجهته بعد العقبات أدت إلى إجهاض التجربة.
تعتبر البنوك الإسلامية من أهم وأقوى الأدوات المالية الموجودة الان فبالإضافة لكونها أداة مالية شبيهة بالأدوات المالية للبنوك التجارية بدون أساس ربوى فهى أيضا تتبنى صيغة تشاركيه تكافلية بين المقترض (طالب القرض) والمقرض (مانح القرض). ونجحت أيضا فى إدارة المخاطر المالية المعتادة وغير المعتادة وأثبتت جدواها فى الأزمة المالية الأخيرة فى 2008 2009 والتى يعيش العالم فى أصدائها إلى الآن.
●●●
قدمت البنوك الإسلامية وتعاملاتها نموذجا فى الأداء المالى المستقر والثابت معطية قدرا لا بأس به من هامش الأمان والربح عكس القاعدة المتعارف عليها بأن ربح أكثر = مخاطرة أكبر. فالبنوك الاسلامية تبتعد بشكل كبير عن المخاطر الائتمانية المعروفة التى عانت منها البنوك التجارية والتى تسببت فى الانهيارات المالية على مستوى اقطاب اقتصادية بل واقتصاديات دول بأكملها. أسباب أخرى أيضا يمكن الاعتداد بها هى التى أدت إلى نمو مضطرد فى حجم الاقتصاد الاسلامى فى الدول غير الاسلامية أكثر من الإسلامية والعربية نفسها.
لا يرى عميل البنوك الاسلامية من غير المسلمين الصبغة الدينية فيها ولكن يراها بالزاوية المالية والنجاح المبهر الذى تقدمه فى ادارة المخاطر وتقديم الأرباح المناسبة فى ظروف اقتصادية يصعب فيها المحافظة على ربح جيد للحد الذى وضع المملكة المتحدة من أكثر الدول توسعا فى البنوك الاسلامية فى العقد الماضى.
تصل تعاملات البنوك الاسلامية فى ماليزيا،البحرين، السعودية وأكثر من 75 دولة أخرى إلى 750 مليار دولار ومن المتوقع أن يصل إلى 2 تريليون دولار فى 2015 بنسب نمو تتجاوز 25% سنويا بالمقارنة بالبنوك التجارية التى تنمو بمعدل 1520% سنويا.
●●●
فى ظل هذا الهوى الإسلامى، الاستقطاب والأغلبية البرلمانية الإسلامية سنواجه قريبا (إذا ابتعدنا عن قضايا هامشية تضخمت فى الأيام الأخيرة) على الساحة الاقتصادية المصرية مطالبات بتوجيه الاقتصاد نحو الاقتصاد الإسلامى أو على الأقل بدعم التوسع فى البنوك الاسلامية فقد كان قلة التوسع فى البنوك الاسلامية ومنتجاتها جزءا من القمع السياسى الذى مارسه النظام القديم ضد كل ما يمكن أن يقدم بديلا ناجحا عما تقدمه الدولة من حلول اقتصادية ومالية فى مصلحة المواطن ورفع مستواه المادى والمعيشى.
فى المقال القادم نستكمل حديثنا عن القمع السياسى للبنوك الاسلامية ومستقبلها فى جمهورية 25 يناير.