قبل أسبوعين، داهمت القوات البحرية الأمريكية والبريطانية سفينة الشحن الإيطالية مونتكريستكو على مسافة 600 ميل قبالة سواحل الصومال وأطلقت سراح عشرين رهينة. وهذا الأسبوع أنقذت القوات البحرية البريطانية، مع صخب أقل، عشرين آخرين، هم أعضاء الطاقم الباكستانى لمركب شراعية متهالكة كان القراصنة قد سيطروا عليها، واستخدموها فى الهجوم على مونتكريستو. والمؤسف، أن القرصنة فى المحيط الهندى صارت جانبا عاديا من حركة الشحن. وخلال هذا العام حتى الآن، سجل المكتب البحرى الدولى 350 هجوما، بلغ متوسط قيمة الفدية فى كل حادث فيها أربعة ملايين دولار. لكن الأمر المفرح أن السلطات بدأت تفهم الكثير عن القرصنة. وتقع القرصنة فى ثغرة معتمة بين القانون الجنائى وقانون الحرب. ففى بريطانيا، كانت الحروب ضد القرصنة فى أغلب الأحيان حروبا ضد الرق، كما كان الحال خلال قصف الجزائر 1816. ويأتى ذكر مكافحة القرصنة عند «شواطئ طرابلس» فى مطلع نشيد البحرية الأمريكية. وغالبا ما يصعب معرفة من هو القرصان. ونظرا لأن معظم الأسلحة تغرق فى المياه، تمكن القراصنة الصوماليون من تدمير الأدلة على نواياهم بمجرد الاستيلاء على السفينة.
●●●
وفى فرنسا، نشر أخيرا كتاب بعنوان «تنظيم القرصنة» من تأليف رودولف فيرنى وجان فيليب، وهما عالمان فى الاجتماع فى معهد الدراسات التجارية العليا. ويصف الكتاب القرصنة باعتبارها من السمات المتكررة للرأسمالية. وفى حين يدرك الكاتبان أن الدخول فى مجادلات بشأن الرأسمالية يمكن أن يكون له نتائج عكسية، حيث لا يوجد شخصان يتفقان على تعريفها، فإنهما يربطان القرصنة بحاجة الرأسمالية لنظام قانونى موحد فى جميع أنحاء العالم. فعند تغيير القوانين أو التقنيات، تظهر القرصنة التى تعتبر على نطاق واسع رفضا لرغبة السلطات ضبط الملكية الخاصة فى كل المجالات. وكان هذا صحيحا فى عصر الملاحة عندما خاض البحارة المياه، ولم يكن هناك حاكم، كما ينطبق هذا على حدود عصر المعلومات اليوم.
وكثيرا ما يكون للقرصنة، فى الواقع، فائدة اقتصادية. فلا شك أن تقليل التحميل غير القانونى للملفات، قد سهل الانتقال إلى عالم بلا كتب ولا سينما. ولا يعنى ذلك أن القرصنة تجعل العالم مكانا أفضل. وأخيرا، وصفت مجلة الإيكونوميست الوضع فى إسبانيا، حيث يقر 92 فى المائة من المراهقين الصغار بتحميلهم محتويات الملفات، كما فى لو كانوا فى أحد أسواق الخمسينيات. وتلك هى الطريقة الوحيدة لكسب المال عبر تحطيم شباك السينما. ونتيجة لذلك أصيبت السينما والموسيقى والثقافة المحلية الإسبانية بالشلل، مقارنة بالبلدان الأخرى مثل ألمانيا أو كوريا الجنوبية، التى لديها قوانين أقوى لمكافحة القرصنة.
ولكن، هناك كثيرين يستفيدون من القرصنة، بجميع أشكالها، وليس القراصنة أنفسهم فحسب. فقد كان من مصلحة الانجليز فى القرن السابع عشر، أن تتحول جاميكا إلى بؤرة للقرصنة. وهناك سمة مشتركة بين انتهاك القوانين المحلية عبر الإنترنت، وبين القرصنة. كما أن القراصنة، فى الواقع ليسوا متمردين ضد كل النظم، فهم يعتمدون غالبا على رعاية بعض الفصائل القوية فى الحكومة أو قطاع الأعمال. على سبيل المثال، تقع غارات القراصنة الصوماليين، على مسافة تصل إلى ألف ميل بحرى من الشاطئ، بحيث صارت أقرب إلى الهند من أفريقيا. وسوف يتعين على طرف ما، دفع ثمن البنزين والمؤن التى تكفى لأسابيع، ناهيك عن برنامج الملاحة الإليكترونى GPS.
والغريب، أننا نريد أن نرى القراصنة فى صورة رومانسية أو نبيلة. ويلاحظ الصحفى والكاتب الكندى جاى بهادور فى كتابه الإنسانى عن عالم القرصنة فى المحيط الهندى «المياه الفتاكة»، أن كلمة القرصان لدى الصوماليين تعنى سارق المحيط. ولكن عندما يتحدث القراصنة أنفسهم إلى الصحافة العالمية، فإنهم يتحدثون بلغة المنظمات غير الحكومية. حيث يتحدثون عن إفراط سفن الصيد الصينية فى العمل فى المياه المحيطة بمنطقة القرن الأفريقى مما دمر سبل العيش فى الصومال، ويعرضون ما يقومون به من نهب على أنه شكل مشروع من أشكال الضرائب.
●●●
ويشكك السيدان، دوراند وفيرنى فى الادعاء بأن السطو قبالة سواحل الصومال يشكل قرصنة حقيقية من الأساس. فهم يرون أن الهاكرز فى القرن الحادى والعشرين يشبهون منظمة بلاكبيرد وغيرها من قراصنة القرن 17 أكثر من الصوماليين. وبهذا، يتفق العالمان الناقدان للرأسمالية، مع جون بولتون منظر السياسة الخارجية فى الحزب الجمهورى، الذى يرى أن السرقة هدف أساسى للقراصنة بينما تأتى السياسة فى المكانة الثانوية. ويلاحظ بولتون علاقة القراصنة بالإسلاميين من حركة الشباب ويتحدث عن «اندماج القرصنة مع الإرهاب». وعلى نحو مشابه، اعتاد المتمردون الكولومبيون تمويل عملياتهم الفدائية من عائدات الاختطاف.
وقبل أسابيع، قال لينى اسبيرسن وزير خارجية الدنمارك أن القرصنة «تنتهك أهم المبادئ الأساسية للحضارة الحديثة». وربما كان ذلك صحيحا. لكن ما يجعل القرصنة غير مستفزة، أنها تقع فى أماكن لم تعد فيها شرعية الملكية الخاصة أمرا مفروغا منه. كما أنها توضح أن مبادئ الحضارة الحديثة أساسية، وليست واهية كما كان يعتقد.