لقد بدأ عصر الإخوان أو حقبتهم، وعلى من لا يريد تصديق ذلك، فعليه الاستيقاظ من نومه ليتأكد أن هذا الحلم أو الكابوس حقيقة واقعة. الإخوان وخلفهم التيار الدينى بكل مكوناته، حازوا على ثقة الشعب فى انتخابات برلمانية نزيهة بأغلبية كاسحة قبل اكثر من ثمانية شهور، وحازوا على ثقة نفس الشعب قبل أسابيع فى الانتخابات الرئاسية بأغلبية بسيطة جدا لكنها تظل أغلبية بلغة الديمقراطية.
ما سبق ليس جديدا، لكن التعامل معه بصورة عملية يستلزم من القوى والأحزاب غير الإسلامية تغيير نمط تفكيرها وبالتالى آلية عملها.
بعض الواهمين فى التيار الليبرالى يعتقدون أن حكم المحكمة الدستورية ببطلان مجلس الشعب وربما مجلس الشورى مستقبلا، قد ألغى النتائج السياسية للانتخابات البرلمانية. وأن صعود الإخوان الفجائى مجرد خطأ عابر ارتكبه الشعب بحسن نية، وأن المجلس العسكرى سيلغى كل ذلك فى غمضة عين، ويعود الإخوان والسلفيون إلى أقبيتهم السرية ويعود النظام القديم او نسخة محدثة منه بصحبة هؤلاء الحالمين إلى سدة الحكم.
الصدمة المحزنة لهؤلاء أنه حتى لو اجريت الانتخابات غدا أو بعد أسابيع أو حتى بعد سنة فسوف يفوز التيار الإسلامى بالأغلبية.
أسباب الفوز ليست بسبب ان هذا التيار الإسلامى أوتى من الحكمة الكثير أو أن معه مفاتيح السماوات والأرض، بل لأنه ببساطة لا يوجد لاعب فاعل غيره فى الساحة.
يعتقد هؤلاء الواهمون أيضا أن جبال المشاكل التى تحيط بمحمد مرسى وقصره، وستحيط بحكومة هشام قنديل قريبا ستجعل الشعب ينقم على مرسى وبالتالى تهيئة المناخ لتغييره بأى وسيلة حتى لو كانت غير ديمقراطية.
أن تتصيد لخصمك فى السياسة فهذا أمر جائز، لكنه لا يكفى وحده لتحل محله.
مشكلة القوى الليبرالية أنها موجودة فى المجال الافتراضى فقط، اى فى وسائل الإعلام.
هذه القوى بديل قوى ومنافس شديد بل ومتمكن للإسلام السياسى فى تويتر والفيس بوك والفضائيات وغالبية الصحف لكنها غير موجودة إلا بصورة رمزية فى صناديق الانتخابات.
هل معنى الكلمات السابقة أن الصورة سوداوية ولا أمل فيها وأن عصر الإخوان يعنى أن نجارى الموجة او حتى نركبها أو ننتظر حتى يقضى الله أمرا كلان مفعولا؟!.
بالطبع لا هذا ولا ذاك، هى محاولة لاستنهاض همم القوى الوطنية وإقناعهم بأن السبيل الوحيد للتغيير هو النزول إلى الناس فى مختلف مواقعهم، فى قراهم ونجوعهم، فى مزارعهم ومصانعهم وكل أماكن تواجدهم.
إذا حدث ذلك فربما يكون لدينا تغيير فى هذه الصورة المتشائمة خلال أربع سنوات.
الدكتور محمد البرادعى لديه رؤية ثاقبة واعترف قبل أيام بأن القضية الجوهرية هى ضرورة وجود حزب سياسى قوى وسط الناس، ويشاركه فى نفس الرؤية حمدين صباحى الذى خاض معركة أكثر من جيدة فى انتخابات الرئاسة. صباحى يستعد لإطلاق «التيار الشعبى» خلال أيام، وقبلهما أطلق عبدالمنعم أبوالفتوح «مصر القوية».. نجاح البرادعى وصباحى وأبوالفتوح كفيل بإحداث فارق مهم فى الساحة السياسية، إما أن نكتفى بالعويل والولولة والتربص بمرسى وقنديل، فلن يغير ذلك شيئا.
من مصلحة مصر على المدى الطويل أن يجرب الشعب حكم الإخوان والتيار الإسلامى على أرض الواقع.. إذا نجحوا «خير وبركة»، وإذا فشلوا لا قدر الله يمكننا وقتها أن نغيرهم ونأتى بقوم جديد.
لكن ولكى نغيرهم، فلابد أن يكون لدينا أحزاب حقيقية تخوض الانتخابات وتكسب المقاعد، فتصدر قوانين، تغير وجه الحياة. معادلة تبدو سهلة، لكنها شبه مستحيلة.
استمرارها يعنى أن عصر الإخوان مستمر حتى إشعار آخر.