ما التقى مصريان هذه الأيام إلا وكان سؤال الكهرباء ثالثهما. لم يعد السؤال هل انقطع التيار عندكم أم لا، بل كم من الوقت استمر الانقطاع.
فى اللقاءات والاتصالات الهاتفية وعلى الفيس بوك وتويتر الجميع يرصد انقطاع التيار فى هذا الشارع أو ذاك، وكم مدته، ثم تطور الأمر للحديث عن كيفية التعامل مع الانقطاع.
صديقة عزيزة تعمل مذيعة فى قناة إقليمية كبيرة وتعيش فى الزمالك تعاملت مع الأمر فى المرة الأولى باعتباره شيئا جديدا ومسليا، وفى المرة الثانية تعودت على استعمال الشمعة، وفى المرة الثالثة قالت إنها اشترت شمعا يكفيها عاما، وفى المرة الرابعة لم تستطع التحمل وكتبت عبارة طريفة تقول: «النور قطع تانى.. أحب أعيش عيشة المواطنين الشرفاء، لكن مش للدرجة دى»...ولا أعلم كيف تطورت حالتها وهل تكيفت مع الانقطاع ام لا؟!!.
هل نستطيع أن نستغنى عن الكهرباء؟!، سؤال عبثى، ولذلك يسأل المرء نفسه كيف عشنا قبل ذلك من دون كهرباء؟!.
الكهرباء لم تدخل قريتى فى أسيوط ومعظم القرى المجاورة والمؤكد قرى كثيرة فى الجمهورية إلا عندما كنت فى الصف السادس الابتدائى، أى كان عندى 12 عاما.
قبل دخولها كنا نعيش على اللمبة الجاز نمرة خمسة، أو نمرة عشرة، وعندما يسعدنا الحظ كنا نشعل «الكلوب أبو رتينة»، ولم يكن يحدث ذلك إلا فى المناسبات الكبرى مثل الأفراح.
عندما دخلت الكهرباء فى منتصف السبعينيات بدأنا ندرك رويدا رويدا قيمة اختراعات حديثة بالنسبة لنا مثل التليفزيون ولم يكن به إلا القناة الأولى وبعدها بسنوات القناة الثانية وكان الإرسال لساعات محددة، ثم عرفنا الثلاجة واختراعات أخرى.
عندما بدأنا نتعود فى القرى على وجود الكهرباء بدأت سياسة قطع الكهرباء الممنهجة.. لم تكن تنقطع ساعة أو ساعتين، بل يوما كاملا، وظل هناك نظام لسنوات أن تأتى الكهرباء يوما وتنقطع فى اليوم التالى وعودنا أنفسنا على هذا النظام، لأن وزير الكهرباء وقتها المهندس ماهر أباظة كان يؤمن أن تخفيف الأحمال يجب أن يتحمله الصعايدة فقط باعتبار أن مجرد وجودهم فى الحياة نعمة ينبغى ن يحمدوا الله والحكومة عليها.
وللحقيقة فقط تحسنت الأحوال نسبيا بعد ذلك بسنوات، ولم يكن التيار ينقطع إلا قليلا وفى فترات الذروة مثل الصيف شديد الحرارة بالطبع.
الآن صار الجميع سواسية ولا فرق بين قرية التمساحية فى أسيوط وشارع حسن صبرى فى الزمالك «الجميع فى الظلام سواء» ولا فرق بين صعيدى وساكنى الزمالك الا ربما فى مدة الانقطاع، ثم بدأنا نسمع من رئاسة الجمهورية اقتراحات بقطع التيار لمدة ساعتين عن الجميع، وهى بداية غير مبشرة للدكتور مرسى.
تحسن الحكومة الجديدة صنعا إذا خرجت على الناس ببيان واضح يخبرنا بالحقيقة فعلا وأسباب وتفاصيل المشكلة وكيفية حلها، وإلى متى سوف تستمر.
والأهم من كل ذلك أن يكون هناك وضوح وشفافية بالنسبة لأوقات قطع التيار، وهل يمكن إبلاغ المواطنين بالأمر مسبقا ام لا حتى يكون هناك استعداد، وحتى لا يفسد الأكل فى الثلاجات، والأهم من هذا وذاك كيف نضمن استمرار عمل المؤسسات الحيوية خصوصا المستشفيات؟!.
لو كنت مكان الدكتور مرسى وحكومة الدكتور هشام قنديل لبذلت كل جهد فى حل هذه المشكلة لأن تأثيرها المعنوى خطير جدا.
عدم حل مشكلة الكهرباء سينسف كل جهود إيجابية يبذلها مرسى وقنديل، وستتحول المشكلة إلى أفضل دعاية ممكنة للنظام القديم.
وأخيرا أحمد الله أن الانقطاع لم يصل إلى منزلى حتى هذه اللحظة.