لفترات طويلة فى الثمانينيات والتسعينيات كانت الحكومة تقطع الكهرباء عن قرى كثيرة فى الصعيد بمعدل ثابت كل يومين وأحيانا يوما بعد يوم، وعندما اشتكى البعض تحدث وزير الكهرباء الأسبق ماهر أباظة بما يعنى أن على الصعايدة أن يحمدوا ربهم على هذا الحال، فهم لم يكونوا يحلمون بالكهرباء أصلا كما كاد لسان حاله يقول ذلك وقتها. هذه النظرة الدونية لم تتغير عمليا باستثناء الكلام المعسول عن التنمية وضخ الاستثمارات، لكن الجديد والمثير خصوصا فى مسألة الكهرباء أن الوزارة وبدلا من الاصلاح وتحسين أحوال الصعيد فعلا لا قولا فإنها قررت وفى حركة اشتراكية جبارة أن تساوى بين الجميع وتبدأ فى قطع الكهرباء عن معظم مناطق الجمهورية. يندر الآن أن يجتمع اثنان إلا وتكون الكهرباء ثالثهما.. ومتى انقطعت ومتى عادت، لم يعد كافيا أن تسكن فى مدينة نصر والقاهرة الجديدة أو مصر الجديدة أو فى وسط البلد لكى تنجو من الظلام. الفارق الوحيد أنه فى المناطق المصنفة راقية فإن انقطاع الكهرباء لا يستمر لأكثر من ساعة أو ساعتين، لكن فى المناطق الشعبية والريف والقرى فقد يتجاوز نصف اليوم أو يوما كاملا. لن نغرق أنفسنا فى تحليل ومعرفة سبب انقطاع التيار، لكن السؤال الذى يراود الجميع هو: أين هى البنية الأساسية التى كانت «اللبانة» التى لاكها كل المسئولين منذ عام 1981 وحتى هذه اللحظة. لسنوات طويلة كان المسئولون «يعايرون الشعب» باسطوانة البنية الأساسية، وكيف أن المواطن كان أسهل له أن يسافر إلى قبرص لمهاتفة جاره فى نفس الشارع. سمعنا أرقاما وبيانات، وتبريرات بأن كل ما تم إنفاقه ذهب إلى البنية التحتية.. أين هى هذه البنية الآن؟! كثيرون يتساءلون: هل حدث فساد أثناء تجديد البنية التحتية، ولو حدث فكيف ومن المسئول؟! قبل يومين استمعت إلى شاب يملك محلا للعصير فى المرج هذا الشاب ليس معارضا ولا يعرف البرادعى والإخوان، لكنه أصبح يائسا لأن حال محله أصبح «واقفا» فالكهرباء تقطع كل لحظة، هذا الأمر يتكرر مع معظم «الصنايعية» وبالطبع فإنه يؤدى إلى خسائر بالمليارات للاقتصاد القومى. لا أعرف هل فكر د.أحمد نظيف والمهندس حسن يونس أو أى مسئول آخر فى كيف تفكر ربة منزل تعرض كل ما تملكه من خزين فى الثلاجة للتلف، وكيف يفكر مواطن عادى يشعر أن من حقه كإنسان أن يعيش مثل «البنى آدمين». سنصدق الحكومة، بأن السكان يزيدون، والاستهلاك يزيد أكثر، والموارد ثابتة وأنها تبذل كل جهدها لتوفير الطاقة وحل المشكلة، وسنصدقها أن تصدير الغاز لإسرائيل بسعر رخيص لا صلة له بالنقص الذى تعانيه محطات الكهرباء. سنصدق كل ذلك، لكن السؤال الذى يسأله كثيرون هو: ألا نستحق كمواطنين أن تعاملنا الحكومة باحترام. لماذا لا تخرج وزارة الكهرباء ببيان واضح يقول للناس إن الأزمة سوف تستمر لمدة معينة.. وأن خطة تخفيف الأحمال سوف تتضمن قطع التيار عن مناطق محددة فى أوقات محددة. أين هى الشفافية واحترام آدمية المواطنين؟. الناس لا يملكون منع الحكومة من قطع التيار لأنها «متجبرة» وتفعل ما تشاء، لكن ألا يحق لهم أن يطالبوا بمعرفة متى سيتم قطع التيار. لا أعرف هل مراكز المعلومات واستطلاعات الرأى أخبرت الحكومة أن مشكلة الكهرباء قد أثرت على مكانة وصورة الحكومة «المتدهورة أصلا» أم لا. الناس تكلم نفسها ومعظمهم لا يملكون إلا قول «حسبنا الله ونعم الوكيل».