من يعرف الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع الجديد فإن آخر انطباع يمكن أن يتكون لديه أنه إخوانى أو حتى متعاطف معهم. لا أزعم أننى أعرف الرجل جيدا، لكننى جلست معه مرتين لمدة عشر ساعات عندما كان قائدا لسلاح المخابرات الحربية.
المرة الأولى كانت بعد خمسة أشهر من نجاح الثورة وبدعوة كريمة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة وكنا أربعة: مذيعة شهيرة وداعية إسلامى معروف وطبيب يرأس ائتلاف قريب من «العسكرى». ولن أذكر الأسماء لأننى لم استأذن اصحابها. المرة الثانية كانت بعد مرور عام على الثورة وكانت بصحبة ثلاثة من كبار الصحفيين المحترمين والمرموقين.
فى المرتين لم يكن اللقاء مع السيسى بمفرده بل مع مجموعة صغيرة من أعضاء المجلس والهدف إطلاعنا على التطورات والاستماع إلى بعضنا إذا كان يملك ما يقوله. هذه اللقاءات أجراها المجلس العسكرى مع عدد كبير من الكتاب والصحفيين والناشطين والحزبيين.
فى المرتين حرصت على تسجيل معظم النقاط كتابة خوفا من آفة النسيان.
الجلسة الأولى بدأت فى السابعة والنصف مساء وانتهت فى الواحدة والنصف ليلا. والثانية بدأت فى العاشرة ليلا واستمرت حتى الثانية صباحا.
اللقاءان لم يكونا للنشر، بل للمعرفة والاطلاع، وبالتالى لن أذكر معلومات محددة لكن ما يدفعنى للحديت اليوم هو اللغط الدائر بعد تقاعد طنطاوى وعنان، ثم البله الذى يقول إن السيسى إخوانى، وعته بعض الإعلاميين بتعاملهم مع ما يقوله توفيق عكاشة باعتباره حقائق دون إخضاعه حتى للتقاليد المهنية العادية وضرورة تدقيقه.
فى الجلسة الأولى كان هناك ثلاثة لواءات آخرين من المجلس العسكرى إضافة إلى السيسى وجميعهم شخصيات وطنية محترمة، انطباعى عنهم كان قد تكون قبل اللقاءات لأن معظمهم شخصيات معروفة إعلاميا.
وبالتالى فإن المفاجأة كانت مع هذا الرجل الغامض الذى لا أعرفه ولا يعرفه غالبية المصريين. تحدث السيسى مطولا عما حدث قبل الثورة وبعدها. وحديثه كان محددا وواضحا. يعرف موضوعه جيدا، ملم بما يحدث فى الخارج والصراعات الاستراتيجية الكبرى فى العالم، سافر ودرس كثيرا فى اكاديميات عسكرية كبرى، وله أوراق بحثية يعرفها أولئك المهتمون بالقضايا الاستراتيجية.
الانطباع الرئيسى الذى خرجت منه فى اللقاء الأول هو أن هذا السيسى كان يكن مقتا شديدا بل واحتقارا لنظام مبارك الفاسد.
فى اللقاء الثانى، تعزز الانطباع الأول، لكن وقتها كانت هناك هواجس وشكوك حول مسار الثورة والصدام بين الثوار والمجلس الأعلى. فى هذه الأيام من الشتاء الماضى كان الجميع يتحدث عن شهر عسل بين الإخوان والمجلس ولم نشعر بهذا العسل ليلتها. كانت المخاوف كلها منصبة على كيفية المحافظة على القوات المسلحة وجنودها بعيدة عن الانقسام السياسى فى البلاد.
لم تبدر من السيسى أو غيره من اللواءات أى كلمة أو لمحة أو حتى ذلة لسان تشير إلى أنه إخوانى أو متعاطف مع الإخوان، أو مع أى حزب أو تيار سياسى آخر غير الإخوان. كلام الرجل كان يدل على أنه ينتمى إلى التيار الواسع للوطنية المصرية.
لسنا فى إنجلترا أو أمريكا أو الدول ذات التجارب الديمقراطية الراسخة لنسمح بدخول الكوادر السياسية للجيش.
فى هذه المرحلة من بداية تجربتنا الديمقراطية الوليدة من مصلحتنا ان نبعد مؤسستنا العسكرية عن العبث السياسى.
هى تحتاج جدا للتدريب المستمر وتجديد شبابها كى تكون مستعدة لمواجهة تحديات المستقبل. علينا أن نؤكد منع التحرب أو «اللعب السياسى» فى القوات المسلحة لأنه أمر خطير.
تلك هى مهمة السيسى الصعبة التى نسأل الله أن يوفقه فيها.