بالأسماء، "الصحفيين" تعتمد نتيجة لجنة القيد الأخيرة للانتقال لجدول المشتغلين    فضيحة اسمها الانتخابات    تطبيق خارطة الطريق في أسرع وقت.. رئيس الوزراء: ملف الإعلام أولوية قصوى    متى يزيد إنتاج الغاز المحلي ومصير حقل ظهر؟ رئيس الوزراء يرد    "تراجع المستعمل لا يتوقف".. بيجو 301 موديل 2020 ب570 ألف جنيه    ما الجدوى الاقتصادية من استيراد الغاز الإسرائيلي؟ رد حاسم لرئيس الوزراء    شوبير أم الشناوي، من يحرس مرمى الأهلي أمام فاركو؟    ضبط مدير مطبعة بتهمة نسخ الكتب الدراسية دون تصريح في بدر    مصرع مسن صدمته سيارة على طريق السويس بالإسماعيلية    إبراهيم نجم: الفتوى رسالة حضارية تواجه فوضى التطرف وتخدم السلام    مؤتمر الإفتاء يحذر: فتاوى الذكاء الاصطناعي تشوه الدين    "إيه الجمال ده".. ميرنا جميل تخطف الأنظار في أحدث ظهور لها    محافظ الإسماعيلية يوجه فرع الرعاية الصحية بتخصيص الفترة الصباحية لكبار السن (صور)    مجلس الوزراء يستهل اجتماعه بدقيقة حدادا على روح الدكتور علي المصيلحي    الاحتلال يستهدف منتظري المساعدات ويواصل قصف المناطق السكنية    رغم انخفاض الأمطار وسد النهضة.. خبير يزف بشرى بأن مياه السد العالي    وزارة الرياضة: نسعى لمنظومة خالية من المنشطات.. ونراقب عقوبات الجماهير وعقود اللاعبين    بعد صرف 800 مليون إسترليني.. هل نشهد أقوى سباق على الإطلاق للفوز بلقب الدوري الإنجليزي؟    عارضة أزياء عن أسطورة ريال مدريد السابق: «لا يستحم».. ونجم كرة القدم: انتهازية (تفاصيل)    «غربلة وتغييرات».. إعلامي يكشف قرار ريبيرو المفاجئ تجاه هؤلاء في الأهلي    نور وغزل تحرزان ذهبية تتابع ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 سنة بالإسكندرية    رئيس الوزراء ينعي الأديب المصري الكبير صنع الله إبراهيم    جامعة الجلالة توجه الشكر لأول مجلس أمناء بعد انتهاء بعد دورته    "المتحدة" تطلق حملة توعية بمخاطر حوادث الطرق للحفاظ على الأرواح    3 أيام من البحث.. انتشال جثة مندوب أدوية غرق بعد انقلاب سيارته في ترعة بسوهاج    فكك 6 شبكات تجسس.. قصة خداع «ثعلب المخابرات المصرية» سمير الإسكندراني للموساد الاسرائيلي    مجلس الوزراء يوافق على إعفاء سيارات ذوى الإعاقة من الضريبة الجمركية    القائمة بأعمال وزيرة البيئة تتابع آخر مستجدات العمل بمصرف المحيط بالمنيا    رئيس الوزراء يوجه الوزراء المعنيين بتكثيف الجهود لتنفيذ الوثائق التي تم توقيعها بين مصر والأردن وترجمتها إلى خطط وبرامج على الأرض سعياً لتوطيد أطر التعاون بين البلدين    "هيلعبوا بالفلوس لعب".. 4 أبراج على موعد مع الثراء وتحول مالي كبير    أكاديمية الفنون تكشف عن موعد انطلاق «مهرجان مسرح العرائس».. بالتفاصيل    حقق إجمالي 141 مليون جنيه.. تراجع إيرادات فيلم المشروع X بعد 84 يومًا    «مصر وطني الثاني».. راغب علامة ينهي أزمته مع نقابة الموسيقيين بعد لقاء مصطفى كامل    "خايف عليك من جهنم".. مسن يوجه رسالة مؤثرة لشقيقه من أمام الكعبة (فيديو)    كيف نخرج الدنيا من قلوبنا؟.. علي جمعة يضع روشتة ربانية للنجاة والثبات على الحق    بشروط صارمة.. «الإدارة الروحية الإسلامية» بروسيا يُجيز استخدام حقن «البوتوكس»    أوقاف سوهاج تختتم فعاليات الأسبوع الثقافى بمسجد الحق    ترامب وبوتين يلتقيان في ألاسكا التي اشترتها أمريكا من روسيا.. فما قصتها؟    تخفيف الزحام وتوفير الأدوية.. تفاصيل اجتماع رئيس "التأمين الصحي" مع مديري الفروع    محافظ المنوفية يفاجئ مكتب صحة الباجور ويحيل عاملا للتحقيق- صور    رئيس منطقة سوهاج الأزهرية يتفقد اختبارات الدارسين الخاتمين برواق القرآن    وزارة الزراعة: إجراء التلقيح الاصطناعي لأكثر من 47 ألف رأس ماشية    "قيد الإعداد".. الخارجية الأمريكية تقترب من تصنيف الاخوان منظمة إرهابية    وكالة الطاقة الدولية تخفض توقعاتها لنمو الطلب على النفط في 2025    إنهاء إجراءات فتح حساب بنكى لطفلة مريضة بضمور النخاع الشوكى بعد تدخل المحافظ    جهاز تنمية المشروعات وبنك القاهرة يوقعان عقدين جديدين بقيمة 500 مليون جنيه لتمويل المشروعات متناهية الصغر    اتصالان لوزير الخارجية مع نظيره الإيراني والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية    رئيس جهاز مدينة دمياط الجديدة يتفقد أحد مشروعات الشراكة مع القطاع الخاص    وزير الخارجية يبحث مع نظيره السعودي تطورات الأوضاع في غزة    وزير التربية والتعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    "الشناوي في حتة تانية".. تعليق ناري من الحضري على مشاركة شوبير أساسيا مع الأهلي    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    قافلة المساعدات المصرية ال 14 تنطلق إلى قطاع غزة    شجرة أَرز وموسيقى    البيضاء تواصل التراجع، أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 13-8-2028 بالفيوم    مواعيد مباريات اليوم.. قمة باريس سان جيرمان ضد توتنهام بالسوبر الأوروبي    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    إخماد حريق نشب في محول كهرباء تابع لترام الإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث الرايات السوداء
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 05 - 2012

تؤذن المشاهد المستجدة بمواجهات سياسية ونوازع عنف قد تأخذ مصر إلى مرحلة انتقالية جديدة أشد اضطرابا.. كأن ضريبة الانتقال من عصر إلى عصر تُدفع مرتين.

المرة الأولى، بخريطة طريق مضللة أخذت الثورة إلى مسار تاهت فيه الخطى وأهدرت التضحيات.. والمرة الثانية، بالدخول إلى فراغ دستورى يفضى بالضرورة إلى صراعات سلطة معلنة ومكتومة بين الرئاسة والبرلمان والجيش تتبدى مخاطرها فى مشاهد أولية على مسارح السياسة المصرية المضطربة.

هناك شكوك عميقة تستبد بأطراف رئيسية فى نزاهة الانتخابات الرئاسية واللجنة القضائية التى تشرف عليها والمادة (28) التى تحصن قراراتها من الطعن عليها.. وتمتد الشكوك إلى التزام المجلس العسكرى بنقل السلطة فى مواقيتها.

الشكوك تطعن مقدما فى سلامة الانتخابات ونزاهتها، وهو طعن فى شرعية نقل السلطة، وشرعية الرئيس نفسه قبل أن يعلن اسمه أو يتولى منصبه.

أزمة الشرعية تطل على المشهد الانتخابى وظلالها تمتد إلى المستقبل وسيناريوهاته المتوقعة فى اليوم التالى لانتخاب رئيس الجمهورية ونقل السلطة إليه. لا شرعية تؤسس لجمهورية جديدة ولا دستور ينظم العلاقات بين مؤسسات الدولة، ولا طبيعة الدولة نفسها محسومة. هذه مقدمات صدام تتوافر أسبابه لا مدخل إلى شرعية جديدة. وبعض ما يجرى الآن فيه استعداد لمواجهات سياسية اوسع تعقب الانتخابات الرئاسية. فى ميدانى «التحرير» و«العباسية» تبدت اختبارات قوة وبروفات صدام محتمل بطرق ووسائل مختلفة على السلطة وحساباتها وعلى الدولة وطبيعتها. فى التحرير دعت جماعة الإخوان المسلمين إلى «جمعة الزحف» ولكنها لم تزحف إلى العباسية، فحساباتها تختلف عن حسابات جماعات جهادية ذهبت إلى هناك برؤية للصراع تناقض رؤيتها.

فى «ميدان العباسية» تقاطعت الصور وتداخلت رسائلها.

فى العباسية نازعت الرايات السوداء أعلام الجمهورية. الأولى، ترمز لأحلام الخلافة والمبايعة عند جماعات جهادية مواريث «أسامة بن لادن» حاضرة فى هتافاتها.. والثانية، ترمز للدولة الحديثة والديمقراطية فى مقدمة تطلعاتها. تباينت الوجوه والشعارات والأهداف. وجوه من الثورة وأحلامها المهزومة ووجوه أخرى قريبة بفكرها وتاريخها من «القاعدة».

أثارت صور «محمد الظواهرى» شقيق الرجل الثانى فى تنظيم القاعدة مصحوبا بملثمين هواجس ومخاوف من دوامات عنف تهدد الاحتجاجات وسلميتها ومستقبلها.

السلمية صنعت أسطورة يناير.. إرادة الجموع قهرت أقوى جهاز أمنى فى المنطقة وقوة التضحية بالصدور العارية سحقت نظاما بوليسيا أمعن لسنوات طويلة فى قمع وإذلال المصريين.

فى الأيام الأولى للثورة تبدت مقاربات داخل التيار الإسلامى تعظم من الوسائل السلمية التى أدت إلى حضور غير مسبوق له فى قلب المعادلات السياسية عجزت عن تحقيقه تنظيمات مسلحة دفعته إلى كوارث ومحن. تلك المقاربات مهددة الآن فى منطقها ورسائلها. الرايات السوداء توحى بأن الثورة فى أزمة وهوية البلد فى أزمة والحركة إلى المستقبل فى أزمة.

هناك فارق جوهرى وحاسم بين دمج الأطياف المختلفة داخل التيار الإسلامى فى البنية السياسية الديمقراطية بلا قمع أو تنكيل أو تعذيب أو محاكمات عسكرية وبين فرض حمولات فكرية وسياسية على المجتمع كله بالاحتكام إلى العنف وسلاحه.

خيار الاندماج السلمى فى المجتمع يفسح المجال لاحتمالات المراجعات الفقهية والانتقال إلى أساليب جديدة لم تعتدها منظمات العنف من قبل. إنه الدمج السياسى فى بنية ديمقراطية صلبة تحت سقف دستورى يصون الدولة الديمقراطية الحديثة.. وخيار العنف فيه صدامات دامية وسفك دماء مصريين.. إنه الخروج على المجتمع بالسلاح بعد ثورة سلمية حديثة.

الكلام عن حرمة الدم المصرى لا يكفى وحده. الظاهرة مقلقة حقا، ولكنها ليست مزعجة فى حدودها الحالية .. والسيطرة على تفاعلاتها تشترط توافقا وطنيا على طبيعة الدولة ودستورها الذى يصون الحريات العامة، وأولها حرية الفكر والتعبير والإبداع وحق الاختلاف.

الحقائق تفرض نفسها على المستقبل واحتمالات العنف فيه.. فقد أدخلت إلى مصر عبر الحدود الليبية ترسانات سلاح من بينها قذائف «آر. بى . جى» التى استخدمت ضد كمين للقوات المسلحة فى منطقة الشيخ زويد بشمال سيناء.

اللافت فى سياق التخوفات أن الوضع الأمنى فى سيناء تجاوز العلامات الحمراء ووصلت الإشارات إلى انتخابات الرئاسة.. فقد مُنع اثنان من مرشحى الرئاسة من دخول مناطق تسيطر عليها جماعات جهادية، الأول، «حمدين صباحى» الذى اضطر إلى أن يغير وجهة مؤتمره. والثانى، مرشح إسلامى أجبر بالسلاح أن يغادر سيناء، فالمرشح المعتمد وقتها شخص آخر!

السلاح المتقدم بنوعيته والمتوافر فى الوقت نفسه مخزون عنف قد يستخدم من عصابات منظمة وقطاع طرق، وقد يستخدم أيضا فى تصفيات واغتيالات سياسية. الاستخدام الثانى يفضى إلى مواجهات واعتقالات وانقلابات، وإهدار سلمية الغضب المصرى ووسائله فى التظاهر والاعتصام. هذه الوسائل فى الاحتجاج السياسى انتزعها المصريون بتضحيات الأجيال الجديدة ولم تكن منحة من أحد.

القضية خطيرة بالفعل.. تستحق التوقف عندها وطرح التساؤلات الرئيسية فيها. قيادات فى جماعة الإخوان المسلمين، وهى جماعة وسطية بتكوينها الفكرى، تحدثت عن محاولات ل«جرها إلى العنف»، وكشفت عن معلومات لديها عن انفلات سلاح محتمل حذرت من أخطاره.. قيادات إسلامية أخرى أكدت المعلومات ذاتها من أن بعض الجماعات التى اتجهت إلى العباسية حملت سلاحا معها، والعسكريون بثوا صورا لسلاح فوق منابر. تواتر المعلومات يشير إلى خطورتها والتأكد من مدى دقتها مسألة ضرورية لسلامة النظر إلى المستقبل.

الظاهرة فى أولها والاحتقان السياسى يغذيها، المسألة سياسية قبل أن تكون أمنية، والمشهد فى بعض صوره يستدعى التأكيد مجددا على سلمية الاحتجاجات، فهذا أنبل ما فى الثورة المصرية. أخطاء العسكرى فادحة فى إدارة المرحلة الانتقالية ومواجهاته الدامية فى «ماسبيرو» وشارعى «محمد محمود» و«مجلس الشعب» وتقاعسه فى مجزرة «بورسعيد» أفضت إلى فجوات كراهية ، والذين عاينوا الانتهاكات الفادحة للأرواح عانوا من انتهاكات أخرى للعدالة، فقد حوكم بعض الثوار بظنون وشبهات وترك متورطون رئيسيون فى المواجهات الدامية من قوات التأمين دون حساب.

الجيش فض اعتصام العباسية بالقوة ونجح فى فرض حظر تجوال حول محيط وزارة الدفاع، وهذا النجاح بالذات يدعو للتساؤل حول الأسباب الحقيقية التى دعته إلى عدم التدخل لمنع مجزرة الفجر فى اليوم السابق مباشرة. القضية هنا لا تتعلق بالاعتصام أمام وزارة الدفاع ولا الأخطاء الفادحة التى ارتكبت بالاعتصام فى هذا المكان بالذات. إنها حرمة الدم التى يجمع المصريون اليوم على أنها خط أحمر. لعنة الدم تمتد إلى المستقبل وقد تفتح بوابات العنف.

انطوت المواجهات فى محيط وزارة الدفاع على خلط فادح بين المجلس العسكرى ومسئوليته السياسية عن فشل المرحلة الانتقالية والمؤسسة العسكرية المنوط بها حماية الحدود والقتال عندها. انزعجت غالبية ساحقة من المصريين من الكلام عن حصار وزارة الدفاع واقتحامها، فهى رمز العسكرية المصرية العتيدة.. مقرها فيه غرفة العمليات التى تدار منهاالحروب وبها خرائط ووثائق وخطط تتعلق بالأمن القومى والقدرة على المواجهات العسكرية المحتملة. فكرة الاقتحام نفسها تتجاوز الجائز والمشروع إلى الممنوع والمحرم.

لا أحد فى الديمقراطيات يفكر على هذا النحو الفوضوى فى اقتحام المؤسسات العسكرية. فى ذروة الاحتجاجات الأمريكية على التورط العسكرى فى فيتنام أو العراق لم تطرأ على المحتجين فكرة اقتحام البنتاجون، واليسار الأوروبى فى إيطاليا وألمانيا دأب لسنوات طويلة على التظاهر أمام القواعد العسكرية لحلف «الناتو» دون أن يتورط فى اقتحامات.

التجربة تعلم أصحابها والتنكيل يعمق فجوات الكراهية. العودة إلى التحقيقات العسكرية يزكى المخاوف واعتقال الصحفيين أثناء تأدية مهامهم كارثة أخرى.

عند انتقال السلطة تجد مصر نفسها امام وضع مزعج : الألغام تتكاثر على الطريق الوعر ورائحة الدم فى المكان.. الرئيس بلا دستور يحدد صلاحياته، والبرلمان مشكوك فى دستورية القانون الذى أُجريت الانتخابات على أساسه، وقد يفضى ذلك كله إلى انقلاب دستورى يقوم به الرئيس الجديد أو انقلاب عسكرى تستدعيه الاضطرابات . هذه سيناريوهات تشبه فى نذيرها الرايات السوداء عند الشواطئ قبل أمواج عاتية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.