كشفت دراسة جديدة أعدها مركز جوتمان للدراسات الاستقصائية فى المعهد الاسرائيلى للديمقراطية أن الالتزام باليهودية يتزايد بشكل نشط فى إسرائيل. فاليهود، الذين يشكلون نحو 80 فى المائة من سكان البلاد، صاروا اليوم يؤمنون بالله أكثر من عام 2009، وقال 80 فى المائة منهم أنهم مؤمنون، مقارنة مع 74 فى المائة عام 1999. ويتزايد عدد من يقدسون يوم السبت. و«الغالبية العظمى» أكثر من ذى قبل تعتقد فى أهمية ممارسة الطقوس الحياتية اليهودية الرئيسية، مثل ختان الأطفال حديثى الولادة، وإقامة الحداد سبعة ايام على المتوفى، وعقد القراءة الأولى للتوراة (ميتزفه) للاحتفال بدخول الصبى مرحلة الرجولة.. ويخشى البعض أن يؤدى ذلك إلى تقويض الديمقراطية فى إسرائيل. وفى الأسبوع الماضى أوضحت لى تامار هيرمان، وهى عالمة سياسة والمدير الأكاديمى لمركز جوتمان الأمر قائلا: «كلما تزايد تديّن المواطن الإسرائيلى، كلما قل اهتمامه بالقيم الديمقراطية». والمفارقة الطريفة هنا، أن هيرمان وهى تطلق التحذير من هذه الأمور، تلتزم بأكثر التقاليد اليهودية شيوعا: القلق من المستقبل. ولاشك، أن التغيير مزعج وإسرائيل تتغير، ولكن ليس كل تغيير سيئا. وفى الواقع، أجد وآخرين معى، مبررات للتفاؤل فى دراستها.
وقالت لى هيرمان إن تزايد التدين فى إسرائيل يمكن إرجاعه إلى ثلاثة اتجاهات. فالجماعات الأرثوذكسية تتميز بمعدلات ولادة أعلى من غيرها. وينتقل اليهود «التقليديون» الذين يلتزمون بالعديد من التقاليد اليهودية من دون الالتزام التام بالتعاليم الأرثوذكسية (فربما يأكلون اللحم الحلال لكنهم يشاهدون التليفزيون يوم السبت) إلى معسكر «المتدينين». كما أن المهاجرين من الاتحاد السوفييتى السابق فى التسعينيات ويبلغ عددهم مليون شخص، قد اصطبغوا بالصبغة الإسرائيلية. وكان القادمون الجدد علمانيين للغاية فى البداية، ولكنهم بمرور الوقت صاروا مثل غيرهم من الإسرائيليين.
•••
وليست هيرمان وحدها القلقة من هذه التوجهات. وقال أحد المعلقين عن تزايد إيمان الإسرائيليين بالله «أمر مزعج» وقال آخر «نتائج مخيفة». وحذر ثالث من أن إسرائيل تتحول إلى «دولة دينية». ووفقا لدراسة هيرمان، لم يقل سوى 44 فى المائة من المشاركين فى استطلاع الرأى أن «الديمقراطية ينبغى أن يكون لها الأولوية» إذا تعارضت الشريعة اليهودية مع المبادئ الديمقراطية (وقال عشرون فى المائة انهم سيلتزمون دائما بالشريعة، بينما أوضح 36 فى المائة أنهم سيقررون كل حالة على حدة».
ولا شك أن هناك تعارضا بين هذه القيم. ويطالب بعض الحاخامات من بينهم حاخامات معلمون مهمون الجنود بعدم احترام الأوامر العسكرية، ورفض حضور أى احتفال تغنى فيه مجندة (ففى هذا خرق للحياء). وهناك إسرائيليون، يعتقدون أنه لا ينبغى رفع دعوى ضد حاخام بسبب التمييز ضد العرب، مهما كان ما يتبناه، على أساس أن التعاليم الدينية ينبغى أن تكون محصنة ضد رقابة الدولة.
غير ان كلا من أكثر الراضين بزيادة معدلات التدين فى إسرائيل، أو أكثر المنزعجين من ذلك، يميلون لاعتبار أن التوترات بين القيم اليهودية والقيم الديمقراطية لا مفر منها. ويعتقد الحاخامات غير الليبراليين أن المتدين الحقيقى لا يمكنه الالتزام دائما بالقيم الديمقراطية، ويؤمن العلمانيون أنه لا يمكن الوثوق بأن المتدينين سوف يحمونهم.
ويمكن أن تكون اليهودية فى الواقع شاملة، وديمقراطية وليبرالية، بقدر ما يمكن أن تكون تحريمية، وغير ليبرالية وغير ديمقراطية. ويلاحظ يائير شيليج، وهو زميل فى معهد الديمقراطية (ولكنه لم يكن ضمن فريق البحث الخاص بالدراسة التى أعدها معهد جوتمان)، ان «فى اليهودية، كما هو الحال فى الديانات الأخرى، هناك قوة كاملة لكلا الخيارين».
ويبدو أن دراسة جوتمان تشير إلى خيار مثير للقلق. ولكن قراءتها على هذا النحو ربما تكون متسرعة. فالحقائق تتغير، وكذلك المواقف. ولا تأخذ هذه الدراسة فى الحسبان عناصر مهمة فى الحالة النفسية الدينية الإسرائيليين: حاجتهم إلى أن يتمتعوا بالقبول وشعورهم الدائم أنه قد تم تهميشهم من جانب مؤسسة علمانية يفترض أنها تدير إسرائيل من سنوات عديدة.
ووفقا لنتائج دراسة جوتمان، ربما يكون لدى المتدينين الإسرائيليين مبرر للتغلب على هذا النفور. وينبغى أن يكون هذا سببا لارتياح الجميع. ويقول هاجاى سيجال، وهو من أكثر المعلقين اليمينيين المتدينين تشددا «الشىء الوحيد الذى سيتغير فى أعقاب الانتخابات، هو الإحساس بالملكية لدى المعسكر غير المتدين». وهو يعنى أن زيادة هيمنة المتدينين يمكن أن تغير نزعتهم إلى الاتجاه الأفضل. ويبدو أن عالم الاجتماع شلومو فيشر يتفق مع هذا الرأى فى مقال بمجلة الدراسة الإسرائيلية الأسبوع الماضى بينما يتزايد: «مدى وكثافة انخراط المتدينين فى المجتمع الإسرائيلى الأوسع نطاقا» يتزايد كذلك «إدراكهم للطبيعة التعددية للمجتمع الإسرائيلى وأهمية التسامح والاستيعاب».
•••
ومن ثم، تكمن المفارقة الكبرى بين سطور دراسة جوتمان: «إن القوة التى تكتسبها الجماعات الدينية اليهودية ربما تجعلها تدرك أن مجتمع إسرائيل الديمقراطى هو مجتمعها ايضا وعليها المحافظة عليه. ويأمل المرء أن يساعدهم ذلك فى تفهم أن القيم اليهودية واليمقراطية ليست متنافسة وإنما متكاملة».