أخبار مصر اليوم: تحذير عاجل من التعليم لطلاب الثانوية العامة.. موعد أول رحلة لمصر للطيران لنقل الحجاج إلى أرض الوطن.. مواعيد عمل المجمعات الاستهلاكية خلال الإجازة    أجواء رائعة على الممشى السياحى بكورنيش بنى سويف فى أول أيام العيد.. فيديو    إعلام إسرائيلي: الجيش قد ينهي عمليته في رفح الفلسطينية دون القضاء على حماس    صائد النازيين كلارسفيلد يثير ضجة بتعليقاته عن حزب التجمع الوطني بقيادة لوبان    يورو 2024| إنجلترا تتقدم على صربيا بهدف في الشوط الأول    مراكز الشباب تحتضن عروضا فنية مبهجة احتفالا بعيد الأضحى في القليوبية    تعرف على حالة الطقس المتوقعة خلال ثاني أيام عيد الأَضحى المبارك    وفاة حاج رابع من بورسعيد أثناء رمي الجمرات بمكة المكرمة    تامر حسني يضع اللمسات الأخيرة على فيديو كليب جديد (صور)    الرئيس الأمريكى: حل الدوليتين السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم للفلسطينيين    متى آخر يوم للذبح في عيد الأضحى؟    الحج السعودية: وصول ما يقارب 800 ألف حاج وحاجة إلى مشعر منى قبل الفجر    موعد مباراة البرتغال والتشيك في يورو 2024.. والقنوات الناقلة والمعلق    إريكسن أفضل لاعب في مباراة سلوفينيا ضد الدنمارك ب"يورو 2024"    نغم صالح تتعاون مع الرابر شاهين في أغنية «شلق»    بوفون: إسبانيا منتخب صلب.. وسيصل القمة بعد عامين    "Inside Out 2" يزيح "Bad Boys 4" من صدارة شباك التذاكر الأمريكي    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج جورجيا بتجارة القاهرة    ماذا يحدث في أيام التشريق ثاني أيام العيد وما هو التكبير المقيّد؟    وكيل «صحة كفر الشيخ» يتابع انتظام العمل بالمستشفيات في أول أيام عيد الأضحى    «أتوبيس الفرحة».. أمانة شبرا بمستقبل وطن توزع 3000 هدية بمناسبة عيد الأضحى| صور    الدراما النسائية تسيطر على موسم الصيف    ريهام سعيد تبكي على الهواء (تعرف على السبب)    الغندور ينتقد صناع "أولاد رزق" بسبب "القاضية ممكن"    محد لطفي: "ولاد رزق 3" سينما جديدة.. وبتطمئن بالعمل مع طارق العريان| خاص    «العيدية بقت أونلاين».. 3 طرق لإرسالها بسهولة وأمان إلكترونيا في العيد    مرور مكثف على مكاتب الصحة ومراكز عقر الحيوان بالإسماعيلية    وزير الداخلية الباكستاني يؤكد ضمان أمن المواطنين الصينيين في بلاده    في أقل من 24 ساعة.. "مفيش كدة" لمحمد رمضان تتصدر التريند (فيديو)    التصعيد مستمر بين إسرائيل وحزب الله    فلسطينيون يحتفلون بعيد الأضحى في شمال سيناء    لتحسين جودتها.. طبيبة توضح نصائح لحفظ اللحوم بعد نحر الأضحية    قصور الثقافة بالإسكندرية تحتفل بعيد الأضحى مع أطفال بشاير الخير    موراي يمثل بريطانيا في أولمبياد باريس.. ورادوكانو ترفض    قرار عاجل في الأهلي يحسم صفقة زين الدين بلعيد.. «التوقيع بعد العيد»    وفاة ثانى سيدة من كفر الشيخ أثناء أداء مناسك الحج    ما الفرق بين طواف الوداع والإفاضة وهل يجوز الدمج بينهما أو التأخير؟    هالة السعيد: 3,6 مليار جنيه لتنفيذ 361 مشروعًا تنمويًا بالغربية    تقارير: اهتمام أهلاوي بمدافع الرجاء    ضبط 70 مخالفة تموينية متنوعة فى حملات على المخابز والأسواق بالدقهلية    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    روسيا: مقتل محتجزي الرهائن في أحد السجون بمقاطعة روستوف    القوات الروسية تحرر بلدة «زاجورنويه» في مقاطعة زابوروجيه    «سقط من مركب صيد».. انتشال جثة مهندس غرق في النيل بكفر الزيات    3 فئات ممنوعة من تناول الكبدة في عيد الأضحى.. تحذير خطير لمرضى القلب    رئيس دمياط الجديدة: 1500 رجل أعمال طلبوا الحصول على فرص استثمارية متنوعة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 16 يونيو 2024    عيد الأضحى 2024.. "شعيب" يتفقد شاطئ مطروح العام ويهنئ رواده    ما أفضل وقت لذبح الأضحية؟.. معلومات مهمة من دار الإفتاء    قائمة شاشات التليفزيون المحرومة من نتفليكس اعتبارا من 24 يوليو    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد بدر    حاج مبتور القدمين من قطاع غزة يوجه الشكر للملك سلمان: لولا جهوده لما أتيت إلى مكة    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد ناصر الكبير    المالية: 17 مليار دولار إجمالي قيمة البضائع المفرج عنها منذ شهر أبريل الماضى وحتى الآن    بالصور.. محافظ الغربية يوزع هدايا على المواطنين احتفالا بعيد الأضحى    محافظ كفرالشيخ يزور الأطفال في مركز الأورام الجديد    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد المسلمانى.. ما بعد إسرائيل «الأخيرة»..الانحسار.. من دولة إسرائيل إلى دولة تل أبيب.. امتدت «الفاشية الصهيونية» من الإعلام إلى العلم.. ومن الصحافة إلى الجامعة
التآكل البطىء لقيم الحرية جعل «الفاشية الصهيونية» تهدد روح الغرب
نشر في اليوم السابع يوم 12 - 01 - 2012

كانت المسيحية الصهيونية سبباً فى تلك التحولات التى طرأت على الحزب الجمهورى وجعلته أكثر تديناً ومن حزب الأغنياء إلى حزب الأخلاق المسيحية.
لكن إسرائيل التى تلعب بالعلاقات بين الدين والسياسة، لم تستطع منع المتلاعبين بالدين من استخدام نفس السلاح ضد إسرائيل ووصل الحصار الصهيونى للحرية الأكاديمية مدى أبعد حين أسس الأكاديمى «دانيال بايبس» موقع «كامبس ووتش» الذى أصبح «الرقيب الأمنى» على حرية الفكر فى الجامعات الأمريكية. يقول «بايبس» فى مقال نشره فى شهر سبتمبر عام 2007: «إن المشروع هدفه الدراسة النقدية لدراسات الشرق الأوسط فى أمريكا وكندا والعمل على تحسينها وتطويرها»، ولكن سرعان مايفصح «بايبس» عن أغراضه السياسية غير العلمية.. يقول «إن أقسام الشرق الأوسط فى الجامعات تضم أعداء أمريكا فقط، ولا وجود لليمين.. إن اليسار يسيطر على أقسام الشرق الأوسط منذ عشرين عاماً، لذلك ينبغى أن يكون لنا- نحن اليمين- وجوداً قوياً فى الجامعات. إن بايبس وثيق الصلة بإسرائيل ويضع على جدران مكتبه شهادات من جامعات إسرائيلية.. إنه ليس موضوعيا ولا علمياً.. إنه غير معنى بالعلم الأكاديمى ولا حرية الفكر فى الجامعات، ولكنه يريد أن يصبغ تطرفه اليمينى بادعاء الرأى ووجهة النظر.
لقد أصبح موقع «كامبس ووتش» الذى يديره «بايبس» عدواً قويا لحرية البحث العلمى.. يقول البروفيسور «زاكارى لاكمن» من جامعة كولومبيا: إن «بايبس» يدير مع آخرين حملة منظمة تشجّع طلاب الجامعة على كتابة تقارير الأساتذة.. إنه أسلوب شهدته الجامعات الأمريكية فى الأربعينيات والخمسينيات ضد الشيوعيين.
ومن جامعة كولومبيا- أيضاً- يقول البروفيسور «جوزيف مسعد» إنه إزاء هذا الضغط والحصار الأكاديمى قرر التوقف عن تدريس مادة الصراع الفلسطينى الإسرائيلى للطلاب.
لكن «بايبس» مضى فى طريقه.. وزاد من الأهداف إلى أن وصل للمطالبة بإصدار قوانين تضمن الولاء السياسى للجامعات تجاه الحكومة الفيدرالية، وقد انضم الباحث الأمريكى «مارتن كريمر» إلى «بايبس» فى المطالبة بصدور هذه القوانين وهو ما يعنى سيطرة الدولة سياسيا على الحرية الأكاديمية فى جامعات الولايات المتحدة. يعمل «كريمر» فى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأردنى وهو معهد قريب من إسرائيل.
لقد وصل جنوح «دانيال بايبس» الذى يصفه الكاتب جهاد الخازن بأنه داعية حرب ليكودى.. إلى التشكيك فى معايير اختيار ملكة جمال الولايات المتحدة بعد أن تم اختيار «ريما الفقيه» ملكة جمال أمريكا.
و«ريما الفقيه» هى أمريكية مسلمة من أصل لبنانى فازت باللقب عام 2010. وقد أطلق عليها اليمين المتطرف فى الولايات المتحدة لقب «ملكة جمال حزب الله»!
وهكذا امتدت «الفاشية الصهيونية» من الإعلام إلى العلم.. ومن الصحافة إلى الجامعة.. ومن الإنتاج الفكرى العربى إلى الإنتاج الفكرى اليهودى، وعبر التآكل البطىء لقيم الحرية.. باتت «الفاشية الصهيونية» تهدد روح الغرب.
الانحسار.. من دولة إسرائيل إلى دولة تل أبيب
يصل عدد اليهود فى العالم إلى «14» مليون يهودى، منهم «%42» داخل إسرائيل و«%48» خارج إسرائيل.
يزيد عدد اليهود فى العالم بنسبة تتراوح من «صفر» إلى «نصف فى المائة».. ونسبة الزيادة تكون فى العادة بين يهود إسرائيل، أما يهود العالم فهم فى حالة تراجع نتيجة اندماج اليهود فى الأديان الأخرى.
لكن المفزع بالنسبة للنخبة الإسرائيلية هو صعود أعداد اليهود المتدينين وتآكل أعداد اليهود العلمانيين.. ثمة أزمتان أخريان تواجهان اليهودية: تراجع أعداد اليهود فى العالم على وجه العموم، وتراجع أعداد اليهود العلمانيين على وجه الخصوص.
ويتوقع الباحث الديموغرافى الإسرائيلى «أرنون سوفير» فى بحث أصدره من جامعة حيفا عام 2010 أن المجتمع اليهودى سوف ينقلب انقلاباً تاماً.. فالعرب فى إسرائيل يزيدون وكذلك الأصوليون.
يطارد اليهود المتدينون اليهود العلمانيين.. إنهم يلاحقون المجتمع العلمانى باسم الدعوة والعودة إلى الدين، وكلما وجد يهودى متدين يهوديا علمانياً بدأ بالنصح والإرشاد ودعوته إلى إطلاق لحيته وارتداء الملابس الدينية اليهودية والعمل بما جاء فى التوراة.
إن بعض اليهود يلجأون إلى الدعوة باللسان.. ولكن بعضهم يلجأ إلى تغيير العلمانية باليد.. حيث يسيطر المتدينون بالقوة على شارع «بارايلان» الشهير فى القدس.. ويمنعون السيارات من المرور بها.. والسيارة التى تتورط وتدخل بالخطأ يتم رجمها بالحجارة!
ويذكر «شالوم بروشالمى» فى صحيفة معاريف أن المتدينين اليهود يقومون بتحدّى الدولة.. ويهاجمون الشرطة ويوجهون لها الشتائم ويبصقون على وجه أفرادها. وهناك متدينون يتمنون الاعتقال وجرّهم نحو سيارة الشرطة من أجل إظهار البطولة أمام المتظاهرين. ويجمل «شالوم بروشالمى» المشهد العام فيقول: «إن القدس تتجه من مدينة عصرية مفتوحة إلى مدينة مغلقة تتجه إلى الوراء».
لقد وصل تراجع «الشكل العصرى» لتل أبيب إلى التفكير فى استخدام العنف العلمانى ضد العنف الدينى. وحدث أن رئيس بلدية القدس الأسبق «تبدى كوليكى» تحدث عن استخدام سياسة اليد الفولاذية مع الأصوليين، وقال «سنقف لهم.. إننا نعرف كيف نرد أيضاً».
ويعلق «شالوم بروشالمى» على رؤية «كوليك» بأنها تدعو لمواجهة «البلطجة» ب«البلطجة المضادة» وهذا حلّ فوضوى.. لكنه يلقى قبولاً فى أوساط العلمانيين.
إذا كان حاضر إسرائيل غير جيد بسبب صعود التيار الدينى.. فإن المستقبل يحمل لإسرائيل ما هو أسوأ.. ذلك أن الأجيال القادمة تتجه إلى الدين على نحو مخيف. إن الأطفال والتلاميذ يتجهون إلى جانب الدين أكثر ممّا يذهبون إلى جانب الدنيا، ويذكر البروفيسور «دان بن ديفيد» المختص فى دراسة السياسات الاجتماعية، أن الطلاب الذين يلتحقون بالتعليم الدينى فى ازدياد شديد.. إن الزيادة تنذر بتحول إسرائيل إلى مجتمع دينى لا يعمل.. ولا يتعلم العلوم الحديثة، مما سيؤدى لانهيار الدولة خلال ثلاثة عقود. إنهم لا يتعلمون الإنجليزية ولا الرياضيات ولا علوم العصر الحديث.. إنهم يتعملون فقط التوارة والتلمود، ويعتمدون فى حياتهم على مخصصات التأمين الوطنى والضمانات الاجتماعية.
إن ثلثى المتدينين لا يعملون نهائياً، وكلهم لايؤدى الخدمة العسكرية فى الجيش. ويقول «دان ديفيد» فى حسرة: إن إسرائيل تحتل اليوم المكان الأخير فى قائمة الدول الغربية من ناحية نتائج الامتحانات التى يتقدم لها تلاميذ المرحلة الابتدائية فى العلوم والفيزياء والرياضيات واللغات.. وبعد ثلاثين عاما ومع الزيادة الكبيرة لأعداد التلاميذ المتدينين.. سوف تتردى إسرائيل أكثر وأكثر.
لقد دفعت هذه الاحتمالات المخيفة رئيس بلدية تل أبيب «رون خلدئى» لأن يصرخ فى مؤتمر «التعليم فى إسرائيل» محذراً من الخطر الدينى الداهم ومن انهيار جهاز التعليم الرسمى.. وقال «رون خلدئى»: إن فى إسرائيل مجتمعين، أولهما منتج، والثانى مستهلك.. ويزداد المجتمع المستهلك عدداً.. وعلى الدولة أن تتدخل فالمجتمع الأول لا يستطيع أن يحمل المجتمع الثانى على كتفيه.. إلى الأبد»!
ثمة معضلة معقدة فى هذا السياق وهى أن الأصولية اليهودية تتصاعد وتهدد بقاء إسرائيل.. ولكن العلمانية الإسرائيلية التى تواجه الأصوليين فى الداخل تستثمر الفكر الأصولى فى الخارج.
إن قادة إسرائيل العلمانيين لا يكترثون بالتوراة ولا يؤمنون بالإنجيل.. فبالنسبة لهم كل ماجاء فى الإنجيل خطأ وكذب.. ونبى المسيحية يسوع ابن مريم ليس نبياً ولا رسولاً.. ولا أمه عذراء ولا هى امرأة فاضلة.. وبالنسبة لليهودية فإن المسيحية برمتها ليست ديناً والإنجيل ليس كتاباً مقدساً, ومع ذلك نجح قادة إسرائيل فى عقد «صفقة كبرى» مع المسيحية.. قام اللوبى الصهيونى بدعم الإيمان البروتستانتى بضرورة قيام دولة إسرائيل وقوتها من أجل التعجيل بظهور السيد المسيح.. إن عودة المسيح بالنسبة للإيمان البروتستانتى ستكون بداية النهاية لليهود واليهودية.. ولكن المسيح لن يعود إلا إذا تجمع اليهود فى فلسطين وبعد إقامة إسرائيل.. هنا تنشأ معركة «هرمجدون» التى بموجبها ينتصر المسيح ومن معه وينهزم اليهود ومن معهم.
الصفقة إذن هكذا «تقف أمريكا المسيحية البروتستانتية مع اليهود من أجل إقامة إسرائيل- إن أمريكا تفعل ذلك لأنها تؤمن بأن إنشاء إسرائيل هو الطريق لمجىء المسيح- تعرف إسرائيل أن المسيح سيخوض المعركة ضد اليهود ويهزمهم- لا مانع فى ذلك.. فقط على أمريكا أن تقف مع إسرائيل الآن.. وتترك الباقى للسيد المسيح حين يجىء- النتيجة إذن.. يجب على أمريكا أن تقف مع إسرائيل تماماً وبلا تردد فى جميع الأزمات السابقة لظهور «يسوع المسيح» إنها صفقة مذهلة.. صفقة تأسيس «المسيحية الصهيونية».. ولقد تم العمل بموجب هذه الصفقة عقوداً طويلة.. منذ أكثر من قرن وربع القرن وهذه الصفقة تتوالى.
كان أول نموذج لتحالف اليمين المسيحى الذى يؤمن بقيام إسرائيل كشرط أساس لعودة المسيح فى نهايات القرن التاسع عشر، حيث قام المبشر المسيحى «ويليام بلاكستون» بش حملة على الرئيس الأمريكى «بنيامين هارسون» من أجل دعم إنشاء دولة يهودية فى فلسطين، كان ذلك فى عام 1891 وقد مثلت حملة «بلاكستون» الظهور الأول للصهيونية المسيحية فى السياسة الأمريكية. لقد امتد ذلك حتى تأسيس إسرائيل عام 1948 وامتد حتى توسع إسرائيل عام 1967 وتواصل حتى ظهور شخصيات شديدة الإيمان بتلك العقيدة مثل رونالد ريجان وجورج بوش الابن.. ولا يزال ذلك الإيمان هو الأساس الأيديولوجى للتحالف الأمريكى الإسرائيلى.
يذكر الباحثان الأمريكيان «ستيفن وولت» و«جون مير شايمر» فى دراستهما عن تحالف اليمين المسيحى مع اليهودية الصهيونية، أن ذلك التحالف زاد بقوة بعد حرب 1967، حيث رأى المجتمع البروتستانتى الأصولى أن حرب 1967 ونتائجها كانت تحقيقاً لنبوءة التوراة بانبثاق دولة يهودية فى فلسطين، وكتب أحدهم فى دورية «المسيحية اليوم» بعد حرب 1967 يقول: «للمرة الأولى منذ أكثر من 2000 سنة القدس الآن فى أيدى اليهود، وهو ما يعطى دارسى الكتاب المقدس إيماناً متجدداً فى دقته وصحة مضمونه».
ويكمل «ستيفن وولت» و«جون ميرشايمر»: لقد زادت صلابة التحالف بين اليمين المسيحى واليهودية الصهيونية فى نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، وسطع نجم المسيحية الصهيونية «جيرى فالويل»، فى عهدى كارتروريجان أسس «فالويل» حركة دينية باسم «الأغلبية الأخلاقية» وكان من أبرز مقولاتها: «الوقوف ضد إسرائيل يعادل الوقوف ضد الرب».. وعلى الفور كانت إسرائيل تدفع الثمن.. ففى عام 1981 قدم رئيس الوزراء الإسرائيلى «مناحم بيجن» إلى «فالويل» جائزة «جابوتنسكى» تقديراً لدعمه الكبير لدولة إسرائيل.
بمثل ما مثّل عام 1967 محطة أساسية فى تطور صفقة «المسيحية الصهيونية» كان عام 1977 هو الآخر محطة مهمة.. حيث وصل حزب الليكود إلى السلطة فى إسرائيل فى ذلك العام، وكان بيجن يعتبر ذلك التحالف أساس مشروعه.
توسع مناحم بيجن فى بناء المستوطنات بدعم وتأييد من اليمين المسيحى، وكان يتحدث عن «الضفة الغربية» بالاسم الذى جاء فى التوراة وهو «يهودا والسامرة» من أجل إحياء فكرة قيام الدولة اليهودية وارتباط ذلك بعودة المسيح.
استمر النفوذ المتصاعد للمسيحية الصهيونية بلا انقطاع.. وزاد النفوذ إلى حد القدرة على الضغط على البيت الأبيض، وعلى قرارات السياسة الخارجية الأمريكية الخاصة بالصراع العربى الإسرائيلى.
وعندما أعلن الرئيس جيمى كارتر ترحيبه بإقامة دولة فلسطينينة مستقلة، قامت المنظمات المسيحية الصهيونية بالاعتراض على كارتر، ونشرت إعلانات بارزة فى الصحف تدين التصريحات، واضطر كارتر إلى نسيان تصريحاتة بعد قليل!
كانت إسرائيل تزداد قوة فى أمريكا، ورأى قادتها أن اليمين المسيحى داعم كافٍ لإسرائيل ربما لا يتم الاحتياج معه كثيرا إلى البيت الأبيض ذاته! ففى حادث القصف الإسرائيلى للمفاعل النووى العراقى عام 1981، لم يقم مناحم بيجن بالاتصال بالرئيس، بل اتصل بأكبر زعماء اليمين المسيحى «جيرى فالويل» ليقوم «فالويل» بنشر ذلك إلى الرأى العالم الأمريكى.. إن واحداً فى وزن «جيس هيلمز» رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ كان ضد الضربة ولكن «فالويل» نجح فى إقناعه بتأييدها!
كان الرئيس رونالد ريجان مؤمناً فى الأصل بالصلة بين إنشاء إسرائيل وعودة المسيح.. ونقل رئيس منظمة الايباك عن الرئيس ريجان إيمانه التام بذلك دون الحاجة إلى إقناع.
جاء الرئيس كلينتون من خارج هذه العقيدة، ولم يكن على وفاق مع الايباك.. ولكن عهد الرئيس بوش جدّد تلك العقيدة ودفعها خطوات بعيدة للأمام، وحين طالب بوش الابن بالانسحاب من الضفة الغربية هاجمته المسيحية الصهيونية.. فعاد إلى إيمانه الراسخ بنظرية «إسرائيل ومجىء المسيح». وفى عهده ظهرت منظمات جديدة مؤيدة لإسرائيل من أبرزها منظمة «قف بجانب إسرائيل STAND FOR Israel» التى أسسها «بادى بوار» أحد رموز المسيحية الصهيونية.
لقد كانت المسيحية الصهيونية سبباً فى تلك التحولات التى طرأت على الحزب الجمهورى الذى صار أكثر تديناً وتحول تدريجيا من حزب الأغنياء إلى حزب الأخلاق المسيحية.
يرصد «ستيفن وولت» ذلك التحول قائلاً: «كان الحزب الجمهورى يستهدف الطبقات المتوسطة، لكن أدرك أن هذه الطبقات التى يسعى للحصول على تأييدها هى الطبقات المتضررة من سياساته الاقتصادية.. فالحزب متمسك بمبادئ الاقتصاد الحّر وتقليص البرامج الحكومية التى تدعم الطبقات المتوسطة، كان التحدى الكبير إذن أمام الحزب الجمهورى: كيف يمكن للحزب أن يكسب الطبقات التى يقوم برنامجه على الإضْرار بها؟
وكان الحل السحرى الذى توصل إليه هو «المبادئ المسيحية» و«قيم الأسرة».. وبدأ الحزب يروج فى دعايته أنه المحافظ الرئيسى على الأخلاق المسيحية الأصيلة التى تراجعت فى المجتمع نتيجة صعود التيارات الليبرالية».
الصافى إذن: أن إسرائيل نجحت فى تأسيس الإطار السياسى للعقيدة الصهيونية المسيحية.. وباتت تلك العقيدة منجم الذهب الذى لا ينفد فى دعم مشروع دولة إسرائيل.
لكن إسرائيل التى تلعب بالعلاقات بين الدين والسياسة، لم تستطع منع المتلاعبين بالدين من استخدام نفس السلاح ضد إسرائيل، إنهم المتدينون اليهود الذين يجدون رواجاً فى الخارج، ولكنهم سوف يحطمون الداخل، إنهم يؤمنون بالتوراة ولا يؤمنون بالدولة، يقرأون التلمود ولا يقرأون الفيزياء.. إنهم «مستقبل إسرائيل» أوبالأحرى إنهم «لا مستقبل إسرائيل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.