نخبة الإعلام والعلاقات العامة يجتمعون لمستقبل ذكي للمهنة    موسكو: الاتحاد الأوروبي سيضطر لمراجعة نهجه في العقوبات ضد روسيا    وزارة الشباب والرياضة تحقق أهداف رؤية مصر 2030 بالقوافل التعليمية المجانية    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 31 ديسمبر    وخلق الله بريجيت باردو    محكمة تونسية تؤيد حكم سجن النائبة عبير موسى عامين    وزارة الرياضة تواصل نجاح تجربة التصويت الإلكتروني في الأندية الرياضية    بداية تحول حقيقي، تقرير صادم عن سعر الذهب والفضة عام 2026    ولفرهامبتون يحصد النقطة الثالثة من أرض مانشستر يونايتد    مصرع طفل دهسه قطار الفيوم الواسطي أثناء عبوره مزلقان قرية العامرية    طقس رأس السنة.. «الأرصاد» تحذر من هذه الظواهر    ذخيرة حية وإنزال برمائي.. الصين توسع مناوراتها حول تايوان    توتر متصاعد في البحر الأسود بعد هجوم مسيّرات على ميناء توابسه    زيلينسكي يناقش مع ترامب تواجد قوات أمريكية في أوكرانيا    الخارجية القطرية: أمن السعودية ودول الخليج جزء لا يتجزأ من أمن قطر    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    رئيس جامعة قنا يوضح أسباب حصر استقبال الحالات العادية في 3 أيام بالمستشفى الجامعي    د.حماد عبدالله يكتب: نافذة على الضمير !!    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    «قاطعوهم يرحمكم الله».. رئيس تحرير اليوم السابع يدعو لتوسيع مقاطعة «شياطين السوشيال ميديا»    خالد الصاوي: لا يمكن أن أحكم على فيلم الست ولكن ثقتي كبيرة فيهم    نتائج الجولة 19 من الدوري الإنجليزي الممتاز.. تعادلات مثيرة وسقوط مفاجئ    تموين القاهرة: نتبنى مبادرات لتوفير منتجات عالية الجودة بأسعار مخفضة    استشهاد فلسطيني إثر إطلاق الاحتلال الإسرائيلي الرصاص على مركبة جنوب نابلس    الأمم المتحدة تحذر من أن أفغانستان ستظل من أكبر الأزمات الإنسانية خلال 2026    قيس سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس حتى نهاية يناير 2026    التنمية المحلية: تقليص إجراءات طلبات التصالح من 15 إلى 8 خطوات    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    من موقع الحادث.. هنا عند ترعة المريوطية بدأت الحكاية وانتهت ببطولة    دعم صحفي واسع لمبادرة المتحدة بوقف تغطية مشاهير السوشيال ميديا والتيك توك    المحامى محمد رشوان: هناك بصيص أمل فى قضية رمضان صبحى    مصدر بالزمالك: سداد مستحقات اللاعبين أولوية وليس فتح القيد    شادي محمد: توروب رفض التعاقد مع حامد حمدان    رضوى الشربيني عن قرار المتحدة بمقاطعة مشاهير اللايفات: انتصار للمجتهدين ضد صناع الضجيج    طرح البرومو الأول للدراما الكورية "In Our Radiant Season" (فيديو)    الخميس.. صالون فضاءات أم الدنيا يناقش «دوائر التيه» للشاعر محمد سلامة زهر    لهذا السبب... إلهام الفضالة تتصدر تريند جوجل    ظهور نادر يحسم الشائعات... دي كابريو وفيتوريا في مشهد حب علني بلوس أنجلوس    بسبب الفكة، هل يتم زيادة أسعار تذاكر المترو؟ رئيس الهيئة يجيب (فيديو)    د هاني أبو العلا يكتب: .. وهل المرجو من البعثات العلمية هو تعلم التوقيع بالانجليزية    حلويات منزلية بسيطة بدون مجهود تناسب احتفالات رأس السنة    الحالة «ج» للتأمين توفيق: تواجد ميدانى للقيادات ومتابعة تنفيذ الخطط الأمنية    ملامح الثورة الصحية فى 2026    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    هل يجب خلع الساعة والخاتم أثناء الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة عين شمس تستضيف لجنة منبثقة من قطاع طب الأسنان بالمجلس الأعلى للجامعات    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    خالد الجندي: القبر مرحلة في الطريق لا نهاية الرحلة    حقيقة تبكير صرف معاشات يناير 2026 بسبب إجازة البنوك    الأهلي يواجه المقاولون العرب.. معركة حاسمة في كأس عاصمة مصر    السيطرة على انفجار خط المياه بطريق النصر بمدينة الشهداء فى المنوفية    أمين البحوث الإسلامية يتفقّد منطقة الوعظ ولجنة الفتوى والمعرض الدائم للكتاب بالمنوفية    رئيس جامعة العريش يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بمختلف الكليات    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    نسور قرطاج أمام اختبار لا يقبل الخطأ.. تفاصيل مواجهة تونس وتنزانيا الحاسمة في كأس أمم إفريقيا 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد المسلمانى.. ما بعد إسرائيل «الأخيرة»..الانحسار.. من دولة إسرائيل إلى دولة تل أبيب.. امتدت «الفاشية الصهيونية» من الإعلام إلى العلم.. ومن الصحافة إلى الجامعة
التآكل البطىء لقيم الحرية جعل «الفاشية الصهيونية» تهدد روح الغرب
نشر في اليوم السابع يوم 12 - 01 - 2012

كانت المسيحية الصهيونية سبباً فى تلك التحولات التى طرأت على الحزب الجمهورى وجعلته أكثر تديناً ومن حزب الأغنياء إلى حزب الأخلاق المسيحية.
لكن إسرائيل التى تلعب بالعلاقات بين الدين والسياسة، لم تستطع منع المتلاعبين بالدين من استخدام نفس السلاح ضد إسرائيل ووصل الحصار الصهيونى للحرية الأكاديمية مدى أبعد حين أسس الأكاديمى «دانيال بايبس» موقع «كامبس ووتش» الذى أصبح «الرقيب الأمنى» على حرية الفكر فى الجامعات الأمريكية. يقول «بايبس» فى مقال نشره فى شهر سبتمبر عام 2007: «إن المشروع هدفه الدراسة النقدية لدراسات الشرق الأوسط فى أمريكا وكندا والعمل على تحسينها وتطويرها»، ولكن سرعان مايفصح «بايبس» عن أغراضه السياسية غير العلمية.. يقول «إن أقسام الشرق الأوسط فى الجامعات تضم أعداء أمريكا فقط، ولا وجود لليمين.. إن اليسار يسيطر على أقسام الشرق الأوسط منذ عشرين عاماً، لذلك ينبغى أن يكون لنا- نحن اليمين- وجوداً قوياً فى الجامعات. إن بايبس وثيق الصلة بإسرائيل ويضع على جدران مكتبه شهادات من جامعات إسرائيلية.. إنه ليس موضوعيا ولا علمياً.. إنه غير معنى بالعلم الأكاديمى ولا حرية الفكر فى الجامعات، ولكنه يريد أن يصبغ تطرفه اليمينى بادعاء الرأى ووجهة النظر.
لقد أصبح موقع «كامبس ووتش» الذى يديره «بايبس» عدواً قويا لحرية البحث العلمى.. يقول البروفيسور «زاكارى لاكمن» من جامعة كولومبيا: إن «بايبس» يدير مع آخرين حملة منظمة تشجّع طلاب الجامعة على كتابة تقارير الأساتذة.. إنه أسلوب شهدته الجامعات الأمريكية فى الأربعينيات والخمسينيات ضد الشيوعيين.
ومن جامعة كولومبيا- أيضاً- يقول البروفيسور «جوزيف مسعد» إنه إزاء هذا الضغط والحصار الأكاديمى قرر التوقف عن تدريس مادة الصراع الفلسطينى الإسرائيلى للطلاب.
لكن «بايبس» مضى فى طريقه.. وزاد من الأهداف إلى أن وصل للمطالبة بإصدار قوانين تضمن الولاء السياسى للجامعات تجاه الحكومة الفيدرالية، وقد انضم الباحث الأمريكى «مارتن كريمر» إلى «بايبس» فى المطالبة بصدور هذه القوانين وهو ما يعنى سيطرة الدولة سياسيا على الحرية الأكاديمية فى جامعات الولايات المتحدة. يعمل «كريمر» فى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأردنى وهو معهد قريب من إسرائيل.
لقد وصل جنوح «دانيال بايبس» الذى يصفه الكاتب جهاد الخازن بأنه داعية حرب ليكودى.. إلى التشكيك فى معايير اختيار ملكة جمال الولايات المتحدة بعد أن تم اختيار «ريما الفقيه» ملكة جمال أمريكا.
و«ريما الفقيه» هى أمريكية مسلمة من أصل لبنانى فازت باللقب عام 2010. وقد أطلق عليها اليمين المتطرف فى الولايات المتحدة لقب «ملكة جمال حزب الله»!
وهكذا امتدت «الفاشية الصهيونية» من الإعلام إلى العلم.. ومن الصحافة إلى الجامعة.. ومن الإنتاج الفكرى العربى إلى الإنتاج الفكرى اليهودى، وعبر التآكل البطىء لقيم الحرية.. باتت «الفاشية الصهيونية» تهدد روح الغرب.
الانحسار.. من دولة إسرائيل إلى دولة تل أبيب
يصل عدد اليهود فى العالم إلى «14» مليون يهودى، منهم «%42» داخل إسرائيل و«%48» خارج إسرائيل.
يزيد عدد اليهود فى العالم بنسبة تتراوح من «صفر» إلى «نصف فى المائة».. ونسبة الزيادة تكون فى العادة بين يهود إسرائيل، أما يهود العالم فهم فى حالة تراجع نتيجة اندماج اليهود فى الأديان الأخرى.
لكن المفزع بالنسبة للنخبة الإسرائيلية هو صعود أعداد اليهود المتدينين وتآكل أعداد اليهود العلمانيين.. ثمة أزمتان أخريان تواجهان اليهودية: تراجع أعداد اليهود فى العالم على وجه العموم، وتراجع أعداد اليهود العلمانيين على وجه الخصوص.
ويتوقع الباحث الديموغرافى الإسرائيلى «أرنون سوفير» فى بحث أصدره من جامعة حيفا عام 2010 أن المجتمع اليهودى سوف ينقلب انقلاباً تاماً.. فالعرب فى إسرائيل يزيدون وكذلك الأصوليون.
يطارد اليهود المتدينون اليهود العلمانيين.. إنهم يلاحقون المجتمع العلمانى باسم الدعوة والعودة إلى الدين، وكلما وجد يهودى متدين يهوديا علمانياً بدأ بالنصح والإرشاد ودعوته إلى إطلاق لحيته وارتداء الملابس الدينية اليهودية والعمل بما جاء فى التوراة.
إن بعض اليهود يلجأون إلى الدعوة باللسان.. ولكن بعضهم يلجأ إلى تغيير العلمانية باليد.. حيث يسيطر المتدينون بالقوة على شارع «بارايلان» الشهير فى القدس.. ويمنعون السيارات من المرور بها.. والسيارة التى تتورط وتدخل بالخطأ يتم رجمها بالحجارة!
ويذكر «شالوم بروشالمى» فى صحيفة معاريف أن المتدينين اليهود يقومون بتحدّى الدولة.. ويهاجمون الشرطة ويوجهون لها الشتائم ويبصقون على وجه أفرادها. وهناك متدينون يتمنون الاعتقال وجرّهم نحو سيارة الشرطة من أجل إظهار البطولة أمام المتظاهرين. ويجمل «شالوم بروشالمى» المشهد العام فيقول: «إن القدس تتجه من مدينة عصرية مفتوحة إلى مدينة مغلقة تتجه إلى الوراء».
لقد وصل تراجع «الشكل العصرى» لتل أبيب إلى التفكير فى استخدام العنف العلمانى ضد العنف الدينى. وحدث أن رئيس بلدية القدس الأسبق «تبدى كوليكى» تحدث عن استخدام سياسة اليد الفولاذية مع الأصوليين، وقال «سنقف لهم.. إننا نعرف كيف نرد أيضاً».
ويعلق «شالوم بروشالمى» على رؤية «كوليك» بأنها تدعو لمواجهة «البلطجة» ب«البلطجة المضادة» وهذا حلّ فوضوى.. لكنه يلقى قبولاً فى أوساط العلمانيين.
إذا كان حاضر إسرائيل غير جيد بسبب صعود التيار الدينى.. فإن المستقبل يحمل لإسرائيل ما هو أسوأ.. ذلك أن الأجيال القادمة تتجه إلى الدين على نحو مخيف. إن الأطفال والتلاميذ يتجهون إلى جانب الدين أكثر ممّا يذهبون إلى جانب الدنيا، ويذكر البروفيسور «دان بن ديفيد» المختص فى دراسة السياسات الاجتماعية، أن الطلاب الذين يلتحقون بالتعليم الدينى فى ازدياد شديد.. إن الزيادة تنذر بتحول إسرائيل إلى مجتمع دينى لا يعمل.. ولا يتعلم العلوم الحديثة، مما سيؤدى لانهيار الدولة خلال ثلاثة عقود. إنهم لا يتعلمون الإنجليزية ولا الرياضيات ولا علوم العصر الحديث.. إنهم يتعملون فقط التوارة والتلمود، ويعتمدون فى حياتهم على مخصصات التأمين الوطنى والضمانات الاجتماعية.
إن ثلثى المتدينين لا يعملون نهائياً، وكلهم لايؤدى الخدمة العسكرية فى الجيش. ويقول «دان ديفيد» فى حسرة: إن إسرائيل تحتل اليوم المكان الأخير فى قائمة الدول الغربية من ناحية نتائج الامتحانات التى يتقدم لها تلاميذ المرحلة الابتدائية فى العلوم والفيزياء والرياضيات واللغات.. وبعد ثلاثين عاما ومع الزيادة الكبيرة لأعداد التلاميذ المتدينين.. سوف تتردى إسرائيل أكثر وأكثر.
لقد دفعت هذه الاحتمالات المخيفة رئيس بلدية تل أبيب «رون خلدئى» لأن يصرخ فى مؤتمر «التعليم فى إسرائيل» محذراً من الخطر الدينى الداهم ومن انهيار جهاز التعليم الرسمى.. وقال «رون خلدئى»: إن فى إسرائيل مجتمعين، أولهما منتج، والثانى مستهلك.. ويزداد المجتمع المستهلك عدداً.. وعلى الدولة أن تتدخل فالمجتمع الأول لا يستطيع أن يحمل المجتمع الثانى على كتفيه.. إلى الأبد»!
ثمة معضلة معقدة فى هذا السياق وهى أن الأصولية اليهودية تتصاعد وتهدد بقاء إسرائيل.. ولكن العلمانية الإسرائيلية التى تواجه الأصوليين فى الداخل تستثمر الفكر الأصولى فى الخارج.
إن قادة إسرائيل العلمانيين لا يكترثون بالتوراة ولا يؤمنون بالإنجيل.. فبالنسبة لهم كل ماجاء فى الإنجيل خطأ وكذب.. ونبى المسيحية يسوع ابن مريم ليس نبياً ولا رسولاً.. ولا أمه عذراء ولا هى امرأة فاضلة.. وبالنسبة لليهودية فإن المسيحية برمتها ليست ديناً والإنجيل ليس كتاباً مقدساً, ومع ذلك نجح قادة إسرائيل فى عقد «صفقة كبرى» مع المسيحية.. قام اللوبى الصهيونى بدعم الإيمان البروتستانتى بضرورة قيام دولة إسرائيل وقوتها من أجل التعجيل بظهور السيد المسيح.. إن عودة المسيح بالنسبة للإيمان البروتستانتى ستكون بداية النهاية لليهود واليهودية.. ولكن المسيح لن يعود إلا إذا تجمع اليهود فى فلسطين وبعد إقامة إسرائيل.. هنا تنشأ معركة «هرمجدون» التى بموجبها ينتصر المسيح ومن معه وينهزم اليهود ومن معهم.
الصفقة إذن هكذا «تقف أمريكا المسيحية البروتستانتية مع اليهود من أجل إقامة إسرائيل- إن أمريكا تفعل ذلك لأنها تؤمن بأن إنشاء إسرائيل هو الطريق لمجىء المسيح- تعرف إسرائيل أن المسيح سيخوض المعركة ضد اليهود ويهزمهم- لا مانع فى ذلك.. فقط على أمريكا أن تقف مع إسرائيل الآن.. وتترك الباقى للسيد المسيح حين يجىء- النتيجة إذن.. يجب على أمريكا أن تقف مع إسرائيل تماماً وبلا تردد فى جميع الأزمات السابقة لظهور «يسوع المسيح» إنها صفقة مذهلة.. صفقة تأسيس «المسيحية الصهيونية».. ولقد تم العمل بموجب هذه الصفقة عقوداً طويلة.. منذ أكثر من قرن وربع القرن وهذه الصفقة تتوالى.
كان أول نموذج لتحالف اليمين المسيحى الذى يؤمن بقيام إسرائيل كشرط أساس لعودة المسيح فى نهايات القرن التاسع عشر، حيث قام المبشر المسيحى «ويليام بلاكستون» بش حملة على الرئيس الأمريكى «بنيامين هارسون» من أجل دعم إنشاء دولة يهودية فى فلسطين، كان ذلك فى عام 1891 وقد مثلت حملة «بلاكستون» الظهور الأول للصهيونية المسيحية فى السياسة الأمريكية. لقد امتد ذلك حتى تأسيس إسرائيل عام 1948 وامتد حتى توسع إسرائيل عام 1967 وتواصل حتى ظهور شخصيات شديدة الإيمان بتلك العقيدة مثل رونالد ريجان وجورج بوش الابن.. ولا يزال ذلك الإيمان هو الأساس الأيديولوجى للتحالف الأمريكى الإسرائيلى.
يذكر الباحثان الأمريكيان «ستيفن وولت» و«جون مير شايمر» فى دراستهما عن تحالف اليمين المسيحى مع اليهودية الصهيونية، أن ذلك التحالف زاد بقوة بعد حرب 1967، حيث رأى المجتمع البروتستانتى الأصولى أن حرب 1967 ونتائجها كانت تحقيقاً لنبوءة التوراة بانبثاق دولة يهودية فى فلسطين، وكتب أحدهم فى دورية «المسيحية اليوم» بعد حرب 1967 يقول: «للمرة الأولى منذ أكثر من 2000 سنة القدس الآن فى أيدى اليهود، وهو ما يعطى دارسى الكتاب المقدس إيماناً متجدداً فى دقته وصحة مضمونه».
ويكمل «ستيفن وولت» و«جون ميرشايمر»: لقد زادت صلابة التحالف بين اليمين المسيحى واليهودية الصهيونية فى نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، وسطع نجم المسيحية الصهيونية «جيرى فالويل»، فى عهدى كارتروريجان أسس «فالويل» حركة دينية باسم «الأغلبية الأخلاقية» وكان من أبرز مقولاتها: «الوقوف ضد إسرائيل يعادل الوقوف ضد الرب».. وعلى الفور كانت إسرائيل تدفع الثمن.. ففى عام 1981 قدم رئيس الوزراء الإسرائيلى «مناحم بيجن» إلى «فالويل» جائزة «جابوتنسكى» تقديراً لدعمه الكبير لدولة إسرائيل.
بمثل ما مثّل عام 1967 محطة أساسية فى تطور صفقة «المسيحية الصهيونية» كان عام 1977 هو الآخر محطة مهمة.. حيث وصل حزب الليكود إلى السلطة فى إسرائيل فى ذلك العام، وكان بيجن يعتبر ذلك التحالف أساس مشروعه.
توسع مناحم بيجن فى بناء المستوطنات بدعم وتأييد من اليمين المسيحى، وكان يتحدث عن «الضفة الغربية» بالاسم الذى جاء فى التوراة وهو «يهودا والسامرة» من أجل إحياء فكرة قيام الدولة اليهودية وارتباط ذلك بعودة المسيح.
استمر النفوذ المتصاعد للمسيحية الصهيونية بلا انقطاع.. وزاد النفوذ إلى حد القدرة على الضغط على البيت الأبيض، وعلى قرارات السياسة الخارجية الأمريكية الخاصة بالصراع العربى الإسرائيلى.
وعندما أعلن الرئيس جيمى كارتر ترحيبه بإقامة دولة فلسطينينة مستقلة، قامت المنظمات المسيحية الصهيونية بالاعتراض على كارتر، ونشرت إعلانات بارزة فى الصحف تدين التصريحات، واضطر كارتر إلى نسيان تصريحاتة بعد قليل!
كانت إسرائيل تزداد قوة فى أمريكا، ورأى قادتها أن اليمين المسيحى داعم كافٍ لإسرائيل ربما لا يتم الاحتياج معه كثيرا إلى البيت الأبيض ذاته! ففى حادث القصف الإسرائيلى للمفاعل النووى العراقى عام 1981، لم يقم مناحم بيجن بالاتصال بالرئيس، بل اتصل بأكبر زعماء اليمين المسيحى «جيرى فالويل» ليقوم «فالويل» بنشر ذلك إلى الرأى العالم الأمريكى.. إن واحداً فى وزن «جيس هيلمز» رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ كان ضد الضربة ولكن «فالويل» نجح فى إقناعه بتأييدها!
كان الرئيس رونالد ريجان مؤمناً فى الأصل بالصلة بين إنشاء إسرائيل وعودة المسيح.. ونقل رئيس منظمة الايباك عن الرئيس ريجان إيمانه التام بذلك دون الحاجة إلى إقناع.
جاء الرئيس كلينتون من خارج هذه العقيدة، ولم يكن على وفاق مع الايباك.. ولكن عهد الرئيس بوش جدّد تلك العقيدة ودفعها خطوات بعيدة للأمام، وحين طالب بوش الابن بالانسحاب من الضفة الغربية هاجمته المسيحية الصهيونية.. فعاد إلى إيمانه الراسخ بنظرية «إسرائيل ومجىء المسيح». وفى عهده ظهرت منظمات جديدة مؤيدة لإسرائيل من أبرزها منظمة «قف بجانب إسرائيل STAND FOR Israel» التى أسسها «بادى بوار» أحد رموز المسيحية الصهيونية.
لقد كانت المسيحية الصهيونية سبباً فى تلك التحولات التى طرأت على الحزب الجمهورى الذى صار أكثر تديناً وتحول تدريجيا من حزب الأغنياء إلى حزب الأخلاق المسيحية.
يرصد «ستيفن وولت» ذلك التحول قائلاً: «كان الحزب الجمهورى يستهدف الطبقات المتوسطة، لكن أدرك أن هذه الطبقات التى يسعى للحصول على تأييدها هى الطبقات المتضررة من سياساته الاقتصادية.. فالحزب متمسك بمبادئ الاقتصاد الحّر وتقليص البرامج الحكومية التى تدعم الطبقات المتوسطة، كان التحدى الكبير إذن أمام الحزب الجمهورى: كيف يمكن للحزب أن يكسب الطبقات التى يقوم برنامجه على الإضْرار بها؟
وكان الحل السحرى الذى توصل إليه هو «المبادئ المسيحية» و«قيم الأسرة».. وبدأ الحزب يروج فى دعايته أنه المحافظ الرئيسى على الأخلاق المسيحية الأصيلة التى تراجعت فى المجتمع نتيجة صعود التيارات الليبرالية».
الصافى إذن: أن إسرائيل نجحت فى تأسيس الإطار السياسى للعقيدة الصهيونية المسيحية.. وباتت تلك العقيدة منجم الذهب الذى لا ينفد فى دعم مشروع دولة إسرائيل.
لكن إسرائيل التى تلعب بالعلاقات بين الدين والسياسة، لم تستطع منع المتلاعبين بالدين من استخدام نفس السلاح ضد إسرائيل، إنهم المتدينون اليهود الذين يجدون رواجاً فى الخارج، ولكنهم سوف يحطمون الداخل، إنهم يؤمنون بالتوراة ولا يؤمنون بالدولة، يقرأون التلمود ولا يقرأون الفيزياء.. إنهم «مستقبل إسرائيل» أوبالأحرى إنهم «لا مستقبل إسرائيل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.