حقيقة أن اليهود الأرثوذكس المتشددين لا يمثلون أكثر من نسبة العشرة في المئة من سكان إسرائيل نقلاً عن موقع ال سي إن إن لكن الحقيقة الأخري أنهم يتميزون بأنهم يحتلون المرتبة الأولي في الجاليات اليهودية الأكثر إنجاباً في نسبة المواليد التي مازالت في ازدياد وتسابق الزمان والمكان! ومن أفضل ما قرأت عن هذه الأزمة التي يعيشها يهود إسرائيل في هذه الأيام، مقالاً مهماً نشره موقع: »مركز الدراسات المعاصرة« تركّز بحث كاتبه علي الصراع الأيديولوجي بين التيارين المركزيين في المجتمع اليهودي، وتحديدا: بين التيار العلماني والتيار الديني بكل مركباتهما الاجتماعية والسياسية والفكرية. وقد ظهر ذلك جليا في الأسابيع الأخيرة داخل الشارع الإسرائيلي، وبخاصة في بلدة "بيت شيمش"، حين هوجمت بعض الفتيات من قبل ما يسمون بالمتطرفين ال »حريديم«، وأثيرت ضجة كبيرة حول التيار الحريدي المتمثل بمدرسة "الحسيديم"، أحد أبرز تيارات الاتجاه الديني المتشدد، بسبب التمييز ضد النساء وإقصائهن في المؤسسات العامة والمواصلات وتعليق لافتات في بلدة "بيت شيمش" تطالب النساء اليهوديات بالسير علي أرصفة منفصلة عن أرصفة الرجال وعدم الاختلاط بالرجال. ويذكرنا بحث مركز الدراسات المعاصرة ببداية الصراع الذي دار بين الجيل المؤسس لإسرائيل في تحديد الهوية اليهودية واحتدام الصراع بين الصهيونية الدينية والصهيونية العلمانية. الصهيونية السياسية اعتبرت حركة تحرر للشعب اليهودي تجمع بداخلها مختلف المركبات اليهودية ولكنها في الحقيقة جمعت بين متناقضات، وعاشت منذ اللحظة الأولي لولادتها أزمة هوية وفشلت في عملية بناء وصياغة هوية جماعية مشتركة لجميع المركبات اليهودية. وقد برز هذا الصراع في الخلاف الذي نشب عند الإعلان عن تأسيس المؤسسة الإسرائيلية بحيث رفض الحريديم والمتدينون الإعلان عن دستور يقضي بوجود هوية علمانية غير دينية للمؤسسة الإسرائيلية. وتوضيحاً لهذه الحقيقة يضيف البحث قائلاً إن التداخل ما بين السياسة والدين شكل تناقضا في الحالة الإسرائيلية الصهيونية، مما أطلق عليه البعض: »تسييس الدين في الدولة، وتديين الدولة في السياسة«، وهو ما أدي إلي الانقسام داخل المجتمع اليهودي بنشوء تيارات دينية وجدت تعبيراتها السياسية في أحزاب دينية اشكنازية مثل: »دجل هتوراة« وأخري سفاردية مثل: حزب "شاس" وبالتالي احتدم الصراع بين التيار الديني والعلماني في الاختلاف الذي يظهر حول تعريف من هو اليهودي؟ ليمتد الصراع ليصل إلي طبيعة الدولة وهويتها. والصراع بين العلمانيين والمتدينين يتركز في ثلاث قضايا مركزية، هي: الهوية وتعريف من هو اليهودي؟ يري المتدينون أن اليهود هم الأشخاص المقتنعون باليهودية، والملتزمون بواجباتهم الدينية. أما العلمانيون فيعرفون اليهودي علي أنه الشخص الذي ينتمي للشعب اليهودي بالمعني العام للكلمة. نقطة الخلاف الثانية تدور حول مفهوم الشعب. فيري المتدينون أن وحدة الشعب تقوم علي أساس الأمة المقدسة. أما الصهيونية السياسية فحاولت إيجاد حلٍ بافتراض اليهود شعبا، وبحثت عن رابط جامع لهذا الشعب فوجدته في الدين اليهودي. أما نقطة الخلاف الثالثة فتمركزت حول طبيعة الدولة اليهودية. المتدينون اليهود أرادوا إسرائيل دولة دينية تستمد قوانينها من الأحكام الشرعية اليهودية ومن التوراة. أما العلمانيون فأرادوا إنشاء دولة صهيونية لا تشكل الشريعة اليهودية مصدر الأحكام والمحدد لها. وتشير إحدي الدراسات بأن حرب عام 1967 أحدثت تغييرات جذرية في موقف التيار الديني عموما والأرثوذكسي خصوصا في مسألة الاعتراف بدولة إسرائيل، وحدث تطابق بين »أرض إسرائيل« كمفهوم ميتافيزيقي يهودي، وبين دولة إسرائيل كمفهوم سياسي علماني.. مما أدي إلي تعاظم دور القوي السياسية الدينية وحضورها. فاشتدت حملة الاستيطان، ونهب الأراضي العربية الفلسطينية، وزاد التطرف باتجاه الداخل الفلسطيني. .. وللحديث بقية.