ارتبطت مصائر الشعبين المصرى والتونسى منذ ألهمت الثورة التونسية شقيقتها المصرية وسقط رأسا النظامين. يقف الشعبان الآن على ذات العتبة الجديدة ويتطلعان بأمل مبرر إلى مستقبل أفضل. لم تعد «وحدة المصير» مجرد عبارة شكلية أو كلمات فارغة بل نحن الآن أمام فرصة وهبتها لنا اللحظة التاريخية الفريدة. فلنتشارك فى صنع مستقبلنا الجديد معا. وكما تشابه مسار الثورتين تتشابه أيضا أشكال ومراحل الصراعات فى فترة ما بعد الثورة. فى مصر كما فى تونس طغت إشكاليات الهوية على ما عداها, ورغم تباين شكل وحدة الصراعات فى البلدين فإن السجال حول مكان الدين أو المرجعية الإسلامية لدولة ما بعد الثورة احتل مساحة النقاش على حساب قضايا هى فى الحقيقة أكثر إلحاحا وأهمية.
وفى وقت تستعد فيه البلدان للإعداد لدساتير جديدة نود أن نطرح ما نراه كمساهمة بسيطة تهدف أولا إلى التأكيد على التآخى بين الثورتين التونسية والمصرية وعلى التشجيع لتنسيق الجهود لإدراج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى دساتير البلدين. وفى هذا الإطار نعرض فيما يلى الدعوة إلى إدراج قضيتى السيادة الغذائية والحق فى المياه فى الدستور الجديد فى كلا البلدين آملين أن تسعى المجموعات الشعبية والأهلية العاكفة حاليا على المساهمة فى صياغة الدساتير فى البلدين إلى التواصل والتقارب والتنسيق.
ريم سعد تكتب: السيادة الغذائية
ظهر مفهوم السيادة الغذائية فى أواخر التسعينيات وكانت الحركة الفلاحية العالمية «فيا كامبسينا» (وهى عبارة إسبانية تعنى «طريق الفلاح») هى أول من صاغ هذا التعبير ووضع خطوطه العريضة. ويركز المفهوم بشكل خاص على الحق الأصلى لمنتجى الغذاء من صغار المزارعين والرعاة والصيادين فى أن تكون لهم وليس لقوى السوق العالمية الكلمة العليا فى التحكم فى المنظومة الغذائية من إنتاج الغذاء وتوزيعه. راج هذا المفهوم وتطور حتى أصبح يشكل إطارا لرؤية بديلة ومتكاملة لتأمين الاحتياجات الغذائية من خلال إعلاء شأن المنتجين الرئيسيين للغذاء وهم صغار الفلاحين. وقد تم إدراج السيادة الغذائية ومبادئها فى دساتير عدد من دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا منها الإكوادور وفنزويلا وبوليفيا ومالى والسنغال ونيبال.
وحيث إنه لا يوجد خلاف على أهمية الغذاء كأولوية استراتيجية على المستوى القومى ولا على أهمية وجود سياسة زراعية رشيدة للتعامل مع هذه القضية فإننا ندعو الآن إلى إدراج مفهوم السيادة الغذائية ومبادئها فى الدستورين المصرى والتونسى. ورغم تباين الظروف الطبيعية والاجتماعية بين البلدين إلا أنهما يشتركان فى العديد من المشكلات والتحديات وأبرزها تفاقم أزمة توفير الغذاء وتزايد سطوة كبار المستثمرين الزراعيين وسيطرتهم على الموارد الزراعية الأساسية من أراض ومياه وغيرها على حساب صغار المزارعين مع سوء استغلال تلك الموارد المحدودة بما فى ذلك من إنهاك لثروات طبيعية لا تعوض.
وتشكل السيادة الغذائية الإطار الأمثل للتعامل مع هذه التحديات وغيرها. ويتميز هذا المفهوم عن «الأمن الغذائى» من حيث أنه لا يتعامل فقط مع مسألة توفير الكمية الكافية للغذاء وإنما يعطى أهمية للمنتجين الزراعيين وخصوصا فيما يتعلق باستقلال القرار والإعلاء من شأن المنتجات الزراعية الخاصة بالمجتمع المحلى وتثمين طرق الإنتاج التقليدية وتقوية ودعم قدرة صغار المزارعين على تنظيم أنفسهم من أجل شروط أفضل فى الإنتاج والتسويق وأن السبيل إلى السيادة الغذائية على المستوى القومى يرتكز على قوة موقف صغار المزارعين وعلى مدى قدرتهم على مواجهة سيطرة الشركات العالمية الكبرى العاملة فى مجال تجارة مستلزمات الانتاج (البذور والسماد) وكذلك تحكم الشركات الكبرى وكبار التجار فى مجال التسويق. كما يؤكد مفهوم السيادة الغذائية ليس فقط على كمية المنتج وإنما أيضا على نوعيته ويتبنى بالذات قضية الحفاظ على البيئة وعلى التنوع البيولوجى عن طريق الحفاظ على أنواع البذور المحلية وحمايتها من الانقراض نتيجة الانتشار السريع للبذور المهجنة والمعدلة وراثيا التى تروج لها شركات البذور العالمية وتجنى من ورائها أرباحا طائلة. وعليه, فإن تحقيق السيادة الغذائية مرهون بدعم صغار الفلاحين وتقوية دور المنظمات الفلاحية المستقلة واعتبار مدى المساهمة فى إنتاج الغذاء كمعيار تتحدد على أساسه استثمارات الدولة فى مجال البنية التحتية الزراعية.
إن تأمين الاحتياجات الغذائية لشعوبنا لا يتحقق بالاستيراد ولا بالمغامرات الخطيرة فى مجال المحاصيل المعدلة وراثيا. بل يلزمه سياسة زراعية محترمة ركائزها الحفاظ على الموارد الطبيعية من جهة ونهضة الفلاحين والرفع من شأنهم من جهة أخرى.
حبيب عائب يكتب: من أجل سياسة مائية ثورية
فى مصر كما فى تونس على الرغم من تحديث البنية التحتية للمياه فى البلاد، وتعبئة الموارد المائية، إلا أنه لا يزال هناك مئات الآلاف من العائلات بدون قطرة مياه فى منازلهم. وبالإضافة إلى كونه حرمانا من حق أساسى من حقوق الإنسان المعترف بها من قبل الأممالمتحدة، فإن عدم النفاذ الى مياه شرب نظيفة وكافية هو مصدر للتهميش الاجتماعى والاقتصادى. فقط الدولة يمكن لها أن تضمن نفادا كافيا من حيث الكمية والنوعية لجميع المواطنين.
فى جنوب أفريقيا، وبوليفيا والإكوادور ونيبال، يعتبر الدستور المياه ملكية وموروثا عاما، يحظر خصخصته ويضمن للجميع النفاد الدائم والحر إليه. من الممكن لمصر وتونس الثورة أن تعطيا المثل والقدوة من خلال اعتماد سياسة مائية ملائمة وإدراج الحق فى المياه فى دستورى البلدين من أجل سياسة مائية أفضل: فلنتجرأ ونطبق المجانية
على الرغم من النيل وفيضاناته يعتبر الكثيرون أن مصر معرضة لأزمة مياه، ويدللون على ذلك بأن مجموع كميات المياه المتاحة لا يتجاوز 800 متر مكعب للشخص الواحد فى السنة، فى حين أن حد الندرة المائية يقع عند 1000 متر مكعب للشخص الواحد فى السنة، ولكن يجب أن نشير إلى أن مفهوم الندرة مبهم للغاية، وأن هذه الأرقام العامة غير دقيقة، ولا تعتبر المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية لكل دولة. فتونس مثلا لا يتوافر لها أكثر من 600 م3 فى السنة للفرد الواحد وهى ليست أسوأ حالا من مصر.
يتضمن اقتراحى بمجانية مياه الشرب نقطتين: 1) ضمان أن يكون لكل مواطن حرية النفاد غير المشروط، والمضمون، والمجانى لكمية المياه التى تغطى جميع احتياجاته الأساسية فى حدود 40 أو 50 لترا فى اليوم، وهو متوسط استهلاك المواطنين فى دول الجنوب. 2) فرض ضرائب عالية لاستخدام المياه أعلى من ذلك المتوسط لمنع كل أشكال إهدار المياه. لا شىء يمنع تطبيق رسوم تصل بسعر لتر المياه الزائد عن ال40 أو 50 لتر/ يوم، لما يعادل سعر النفط أو المياه المعدنية.
التطبيق الصارم والمنهجى لتلك السياسة له ميزة مزدوجة، فبالإضافة إلى احترام الحق فى المياه، وتحسين الرفاهة المائية والكفاح ضد التهميش للفقراء والهدر للأكثر ثراء، فإن تأمين النفاد إلى المياه يمكن كل مواطن من أن يوفر المال، الذى كان ينفق فى الحصول على المياه من أجل الحصول على الخدمات الصحية والسكنية الأخرى، التى من شأنها تحسين مستوى معيشته. مياه الرى: فلنتجرأ ونوقف زراعة الصحارى تستند السياسة الزراعية الحالية فى مصر وتونس إلى خطين أساسيين: الميكنة الزراعية من ناحية وتعبئة الموارد المائية لتوسيع المساحات المروية فى البلاد وتشجيع الاستثمار الزراعى فى الصحارى بغرض التصدير من ناحية أخرى. وتستخدم هذه الزراعات كمية كبيرة من المياه الجوفية غير المتجددة لأغراض الرى.
للأسف، عندما ننظر عن كثب فى السياسة المائية الزراعية، نرى أن التنمية الحالية تركز على المحاصيل غير الغذائية الموجهة للتصدير (الفواكه والخضراوات خارج موسم، والزهور، إلخ..). وقد أنفقت مبالغ ضخمة لجمع مليارات الأمتار المكعبة من المياه يتم تصديرها فى صورة مياه افتراضية. وجدير بالذكر أنه فى عام 2008، لم تستطع مصر وتونس تفادى أزمة غذائية حادة، بالرغم من أن صادراتها الزراعية لم تعان من أى انخفاض. وهذا ما يسمى التبعية الغذائية.
فى حالة عدم وجود أى شىء أفضل، على الأقل يجب أن يكون هناك اتساق: فإما أن مصر وتونس لا توجد بها أزمة مائية، ومن ثم لا توجد أى مشكلة من جعل الماء الصالح للشرب مجانا فى حدود الاحتياجات الإنسانية العادية أو أن الموارد المائية محدودة، وفى هذه الحالة لا يجب فقط توفير مياه الشرب مجانا، ولكن أيضا حظر رى الصحارى قبل أن تتحول الأزمة إلى حقيقة واقعة. وبذلك سنكرس احترام حقوق الإنسان فى المياه، وسنحد من الإهدار وسنعزز السيادة الغذائية.