●● هذا المقال ليس موقفا وإنما محاولة للتفكير. كما أنه مجرد محاولة للتفسير.. أتحدث عن جماعات الألتراس.. ●● أسفر اللعب بكرة النار عن كارثة مؤلمة وبحجم وبمشاهد غير متوقعة، تعكس حجم الاحتقان الذى كان بين هذه الجماعات، ومنذ الوهلة الأولى كان التفسير أن هناك من حرك هذا الاحتقان، ووجد فى مباراة بين المصرى والأهلى تربة خصبة لزراعة تلك الكارثة.. لكن كيف يتحول الانتماء لفريق، وحب لعبة كرة القدم، إلى حب للكراهية والبغضاء للفرق الأخرى ولجماهيرها؟ وكيف تحول التشجيع بالهتاف للفريق فى المدرجات.. إلى هتاف ضد السلطة فى نفس المدرجات؟
●● تعامل الأمن مع هؤلاء الشباب منذ تأسيس روابطهم كان عنيفا وفوقيا وسلطويا، وكانت جماهير كرة القدم عموما تتعجب من مصادرة زجاجات المياه، باعتبارها من الأسلحة البيضاء، وتعانى من الأسر داخل الملاعب قبل المباريات بساعات، دون «شربة ماء».. وتولد عند الجماهير ومنهم الألتراس شعور بالقهر، وهم جميعا من جيل ولد خلال 30 عاما مضت، وظل سجينا فى إطار الفرد الواحد، والحزب الواحد، والحاكم الواحد، والرأى الواحد، والإعلام الواحد، والوزير الواحد.. مجتمع احتكر فيه المواقع والقيادة من شاخوا، ولا يسمح هذا المجتمع بفرص لأجيال أخرى ولا يمنحها..؟
●● وهو جيل متصل بالعالم بحكم التطور فى وسائل الاتصال، جيل عرف وشاهد وتكلم وتحاور، ورأى أن ملعب كرة القدم هو أفضل ساحة للتمرد وللتعبير، دون عقاب، عن رفض هذا المجتمع الواحد الذى لا يعترف بالحرية ويقبل بالحياة تحت راية سلطة لا تخجل من الكذب، ومن التزييف ومن التزوير، وهم وجدوا فى الإنترنت والفيس بوك، والمواقع الإلكترونية، مساحات التعبير عن آرائهم بحرية، بدون سقف، ولدرجة التجاوز فى هذا التعبير، وهم بهذا الرفض وبهذا التمرد كانوا مثل جماهير كرة القدم فى أوروبا التى وجدت فى مدرجات الملاعب ساحات لكسر قيود النظام والقانون فى الشارع والمكتب والمنزل، بسلوك غير مألوف، كالصراخ والهتاف للفريق أو ضد فريق.. وقد وجدت جماعات الألتراس فى ثورة يناير الأمل فى المستقبل، والأمل فى التغيير، فانطلقوا يشاركون ويمارسون السياسة.
●● وجماعات الألتراس تشعر أنهم وهبوا حياتهم لناديهم، فهم خلف الفريق فى كل مباراة، ولا يسمحون لأنفسهم بالتخلف عن مباراة داخل الأرض أو خارجها، وهم يتوجهون إلى الملعب بألوان وقمصان الفريق، ويحملون الطبول والدفوف، ويشجعون ويهتفون ويغنون بحماس أثناء اللعب وهو غناء منظم ومنغم ومحفوظ بواسطة قادة وقيادات، ويفعلون ذلك ببهجة ومرح ويظل صوتهم عاليا ومدويا فى كل لحظة، قبل المباراة وأثناء المباراة وبعد المباراة. لا تهم النتيجة، لا يهمهم أن فريقهم هو الفائز أو الخاسر، فالمهم أن يشجعوه وأن يشدوا من أزره دائما وأبدا.
●● لكن البهجة لم تعد بهجة وأصبحت غضبا، والغناء والأهازيج امتزجت بأناشيد ضد الأمن والسلطة.. وبات اختراق القانون تعبيرا عن حب الكراهية للأسف الشديد.. والحرية المطلقة عبر مواقع التواصل الإجتماعى وفى المدرجات باللافتات تحولت إلى حدائق للاحتقان وكان الثمن.. خسارة فادحة فى استاد بورسعيد لن ينساها تاريخ الكرة المصرية، ولن ينساها جميع أعضاء جماعات الألتراس؟