تلقى أهل الرأى ومن معهم وصية أبى بكر لعمر (رضى الله عنه) بالطاعة والامتثال وعجل جميعهم ببيعة عمر.. فكانت ولاية عمر عند عمر نفسه أعجب من ولاية أبى بكر، فإذا وصف عمر بيعة أبى بكر بأنها (كانت فلتة وقى الله شرها) فماذا يقول هذا العقل الجبار عن ولايته هو وقد جاءت بالوصية أو العهد فافتتح عمر عهده بقوله (رضى الله عنه): (اللهم إنى شديد فلينى، وإنى ضعيف فقونى، وإنى بخيل فسخنى وقد أنزلت نفسى من (مال الدولة) منزلة وإلى اليتيم، إن أيسرت استعففت، إن افتقرت أكلت بالمعروف.
2
وكان إذا أراد أن ينهى الناس عن شىء بدأ بأهله فقال لهم: «لا أعلمن أحدا وقع فى شىء مما نهيت عنه إلا أضعفت عليه العقوبة».
وهو أول من كتب التاريخ الإسلامى، وأول من خصص لبيت المال مقرا خاصا، وأول من جمع الناس فى صلاة التراويح بصفة دائمة، وأول من أنشأ نظام الشرطة الليلية (العسس) وصاحب المعاقبة على هجاء الناس، وكذلك هو مبدع عقاب شرب الخمر ثمانين جلدة، كذلك أنه الفقيه الذى أخذ على عاتقه توحيد الأمة فقرر ضبط تكبيرات الجنازة بأربع تكبيرات وكانت قبله تزيد وتنقص،
وعمر هو صاحب اجتهاد عدم توزيع الأرض الزراعية على الفاتحين بل جعلها وقفا عاما للدولة تدر (ضرائب الأرض) يستعملها بيت المال مدى الحياة فى إعانة الأجيال
وعمر (رضى الله عنه) صاحب فقه مستقبلى جبار فقد امتنع عن تدوين الأحاديث المنسوبة للنبى (صلى الله عليه وسلم) خشية مزاحمتها لكتاب الله، وهو الذى ضيق على نفسه بإصراره على عدم هجرة الصحابة خارج المدينة لكى يجد حوله منهم (أهل الشورى) و(أهل القضاء) و(أهل الولايات العامة) و(أهل العقد والحل) و(أهل الحسنة) حتى لا يتفرد بقرار.
3
ها هو عمر بن الخطاب يعلم أنه مطالب بتدعيم ما بدأه أبوبكر فى تأسيس الخلافة فألزم نفسه بما يلى:
1 استبقاء جميع الصحابة حوله حتى لا يضل ولا يذل.
2 الشفافية المطلقة فى علاقته ببيت المال سواء لنفسه أو لعموم الناس.
3 الإصرار على الالتزام بالتقشف منهجا حذرا من الترف.
4 الاهتمام بحوائج الناس المادية والمعنوية.
5 اتساع الأفق المستقبلى للسياسة داخليا وخارجيا.
«أيها الناس ما أنا إلا رجل منكم، ولو لا أنى كرهت أن أرد أمر الخليفة، ما تقلدت أمركم» أيها الناس إن الله قد ابتلانى بكم، وابتلاكم بى، وأبقانى فيكم بعد صاحبى».
4
ها هو عمر (رض) الذى قال: «إن بيعة أبى بكر كانت فلتة وقى الله شرها» ثم تولى هو منصبه بترشيح أبوبكر له فتأهل بالبيعة، ومع أنه قد عبر إلى المنصب بنظرية ( العهد والإيصاء ) فإن عمر (رضى الله عنه) لم يرض للأمة أن تدار شئونها من خلال فرد بأى طريقة ولأى سبب لذلك كانت رؤية عمر ونظريته تدور حول أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يعين أحدا لأن الرسول مارس منصبين فى آن واحد أحدهما النبوة والآخر الحاكم، والنبوة عطاء إلهى يجب طاعته، أما الحاكم فهو نتيجة قبول بشرى للسياسات، ولهذا الاقتران خشى النبى (صلى الله عليه وسلم) إن عين أحدا ظن بعض الناس أن التعيين تم بوحى ولا يجوز مراجعته أو محاكمته أو عزله، فترك النبى (صلى الله عليه وسلم) حتى لا يشتبه أمر الحكم على الناس.
وعمر يؤكد أن هيمنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) على الشئون العامة ( التشريع / التنفيذ / القضاء) إنما هو حكم خاص بالرسول (صلى الله عليه وسلم) لا يقاس عليه غيره فقام بفصل السلطات فعين لكل إقليم واليا ولكل إقليم قاضيا ولكل إقليم خازن بيت مال وهكذا عرف المجتمع الإسلامى ضرورة وأهمية التخصص وتقسيم العمل / وفصل السلطات