بالأرقام.. نتائج انتخابات مجلس الشيوخ 2025 في البحيرة رسميًا    السيسي: الدولة المصرية تواصل دورها تجاه غزة رغم حملات التشويه والتضليل    مشهد تمثيلي يقود شخصين ل«التخشيبة».. ماذا حدث على مواقع التواصل؟ | فيديو    مجلس الوزراء يستعرض نتائج تجريب برنامج تقديم الوجبات المدرسية الساخنة    تشغيل الغلاية الرئيسية لمصفاة أنربك بالهيدروجين كوقود    «قانون الإيجار القديم».. طرق الحصول على شقة بديلة حال ترك الوحدة المستأجرة    قطاع الأعمال: القابضة للغزل تستهدف أرباحا لأول مرة منذ عقود في موازنة 2025-2026    تراجع الأونصة عالميًا الآن.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 6-8-2025 وعيار 21 الآن بالمصنعية    «المصريين»: زيارة رئيس فيتنام لمصر خطوة استراتيجية نحو شراكة شاملة    إسرائيل كاتس يدعم رئيس أركان جيش الاحتلال بعد انتقاده من يائير نتنياهو    برلمانيون: زيارة رئيس فيتنام لمصر تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي    نونيز يخضع للكشف الطبي اليوم تمهيدًا لانضمامه إلى الهلال السعودي    خرق جديد لاتفاق الهدنة.. مسيرة إسرائيلية تلقى قنبلتين صوتيتين على بلدة الخيام جنوبى لبنان    ماسكيرانو: استمرار غياب ميسي عن مواجهة بوماس غدًا.. ولا داعي للقلق    الزمالك يستهدف ضم البرازيلي خوان ألفينا بيزيرا    مانشيني: سعيد في روما.. وأرفض الرحيل للدوري السعودي    إصابة 11 شخصا في انقلاب ميكروباص بالشرقية    الطقس غدا.. حار بأغلب الأنحاء وارتفاع بالرطوبة وشبورة والقاهرة 34 درجة    السرعة الزائدة تتسبب في انقلاب شاحنة أسمدة على طريق الفيوم – القاهرة دون إصابات    رئيس منطقة سوهاج الأزهرية يتفقد لجان امتحانات الدور الثانى للشهادات الأزهرية    وفاة صغيرين دهساً تحت عجلات القطار في محطة ايتاي البارود بالبحيرة    ضبط مسئول عن كيان تعليمي غير مرخص بالقاهرة لقيامه بالنصب والاحتيال على المواطنين    إصابة 3 أشخاص في انقلاب تروسيكل بشمال سيناء    مدبولي: الرئيس السيسي وافق على افتتاح المتحف المصري الكبير 1 نوفمبر المقبل    حوار| نائب المسرح القومي: نجاحنا بالإسكندرية كشف تعطش الشباب للفن الحقيقي    أشرف زكي عن محمد صبحي: حالته مستقرة ويتواجد في غرفة عادية    زوجات وأمهات رائعة.. أفضل 3 نساء مهتمات في الأبراج    تعزيز التعاون في مجال البحث العلمي لعلاج الأورام السرطانية    الرعاية الصحية تقدم 1.4 مليون خدمة طبية بمستشفى الرمد التخصصي ببورسعيد    رئيس جامعة حلوان يؤكد ضرورة الإسراع في استكمال المجمع الطبي الجامعي ويدعو لدعمه    رئيس جهاز مدينة الشروق يتفقد مشروع التغذية الرئيسي بالمياه بعددٍ من المجاورات بمنطقة الرابية    وكيله: الأزمة المالية للزمالك أثرت على سيف الجزيري    روكي الغلابة لدنيا سمير غانم يحصد 18.7 مليون جنيه خلال أول أسبوع بالسينما    محافظ أسيوط والسفير الهندى يفتتحان المهرجان الثقافى الهندى بقصر الثقافة    خبير أمن معلومات: حجب «تيك توك» ليس الحل الأمثل.. والدولة قادرة على فرض تراخيص صارمة    اتحاد الكرة يخطر بيراميدز باستدعاء «كنزي وفرحة» لمعسكر منتخب الناشئات    بوتين يستقبل ويتكوف فى الكرملين    «اوعي تتخلصي منه».. طريقة تحضير طاجن أرز بالخضراوات والبشاميل من بقايا الثلاجة (الطريقة والخطوات)    الكليات المتاحة بالمرحلة الثانية 2025 للشعبة العلمي ورابط تسجيل الرغبات عبر موقع التنسيق الإلكتروني    أحمد حمودة: وسام أبو علي خسارة فنية للأهلي وعدي الدباغ صفقة رابحة للزمالك    اعترافات الحكم محمد عادل: رشوة مرفوضة وتسريب مدبّر من داخل لجنة الحكام    تركي آل الشيخ يعلن عن ليلة موسيقية ضمن فعاليات كأس العالم للرياضات الإلكترونية    محافظ أسوان يؤكد دعم الاستعدادات لإقامة احتفال المولد النبوي مطلع سبتمبر    بتروجت يستعير رشيد أحمد من زد    غارات إسرائيلية مكثفة على غزة.. وأوامر إخلاء جديدة لسكان حي الزيتون    34 شركة خاصة تفتح باب التوظيف برواتب مجزية.. بيان رسمي لوزارة العمل    تعرف على أسعار الأسماك اليوم الأربعاء 6 أغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    وزير النقل يترأس أعمال الجمعية العمومية العادية لشركة القاهرة للعبارات    قافلة "حياة كريمة" تقدم خدماتها الطبية لأكثر من 1000 مواطن بقرية الإسماعيلية بمركز المنيا    موعد المولد النبوى الشريف باليوم والتاريخ.. فاضل شهر    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: لا يوجد مبرر لقتل 60 ألف فلسطيني    ما حكم صلاة ركعتين قبل المغرب؟.. الإفتاء توضح    ناس وسط البلد أسرار من قلب مصر    دعاء الفجر | اللهم اجعل لنا من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا    "المنبر الثابت".. 60 ندوة علمية بأوقاف سوهاج حول "عناية الإسلام بالمرأة"    حالات يجيز فيها القانون حل الجمعيات الأهلية.. تفاصيل    اللجنة العامة ببني سويف تستقبل إجراءات الحصر العددي للجان الفرعية -فيديو    نشرة التوك شو| إقبال كبير على انتخابات "الشيوخ".. و"الصحة" تنفي فرض رسوم جديدة على أدوية التأمين الص    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكذب
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 11 - 2011

لا يمكن أن يدعى أى شخص أنه لم يكذب فى حياته أبدا: كذبة بيضاء لا ضرر منها أو كذبة كالحة السواد، كذبة صغيرة هنا أو أخرى كبيرة هناك. جزء من طبيعتنا البشرية يدفعنا أحيانا للكذب، ربما خجلا من فعل صنعناه، أو تنصلا من وعود قطعناها، أو خوفا من عاقبة، أو تجملا وتزينا فى أعين الآخرين، أو حتى لإدراك هدف لا نعرف له طريقا سوى إخفاء الحقائق وادعاء غيرها.


على مدار الأشهر التى تلت الخامس والعشرين من يناير لم تكف السلطة الحاكمة عن الكذب مستخدمة كل طاقتها، وكأنما تستأنف محاولات التضليل وتزييف الوعى التى بلغت أوجها أثناء الثورة. تكذب السلطة على الناس لتدارى قبحها وعوراتها، وطموحاتها التى تجافى طموحاتهم، تتصور أنها مازالت تملك الهيبة التى تكفل لها الاستمرار على المنوال ذاته.

...

يصعب حصر الكذبات المتوالية التى صارت قاعدة لا استثناء فى الخطاب الرسمى: أكدت السلطة أن للناس حق الاحتجاج السلمى ثم استخرجت من جعبتها قانونا لتجريم الاعتصام والتظاهر، التزمت بمحاكمة المتهمين أمام القضاء المدنى ثم أحالتهم إلى القضاء العسكرى، تغنت مع الحالمين بالحرية والديمقراطية ثم اعتقلت المدونين بسبب آرائهم المعارضة واستصدرت ضدهم أحكاما بالحبس لسنوات، وعدت بفترة انتقالية تمتد لستة أشهر ثم ماطلت فى وعودها وتراجعت فى النهاية عنها.

ظلت السلطة الحاكمة تُصَرِّحُ صباحا ومساء بأن يدها الباطشة المُمَثَلة فى مؤسسة الشرطة قد تغيرت وأنها تبنت منهج الإصلاح ودعت إلى إغلاق الصفحة القديمة والصفح عنها ورفعت من جديد شعار «الشرطة فى خدمة الشعب»، ثم إذا بالناس يكتشفون فجأة أنها مازالت فى خدمة النظام وأنها قد استردت توازنها وعافيتها وعادت للتوحد به ضدهم مشهرة كامل عتادها، صارت أقسى عنفا وهمجية. هكذا يستمر الكذب ويتواصل فى حلقات، لا تكاد إحداها تنتهى حتى تبدأ أخرى.

يكذب علينا الفنانون، الرسامون والمثالون والحكاءون والممثلون والشعراء، نستقبل كذبهم بصفاء سريرة وإعجاب، بل كلما تمادوا فى كذبهم كلما ازداد إعجابنا بمهارة الصنعة وحرفيتها، وقد قيل قديما إن أعذب الشعر أكذبه.

تصنع الأفلام والمسرحيات واللوحات التشكيلية فى أحيان كثيرة عالما غير حقيقى، وتحملنا على أن نندمج فيه، فنفعل بإرادتنا الحرة، ونستمرئ كذبها علينا ونستقبله بحفاوة، لأننا نعرف أنها تكذب، ولأنها تعترف بأنها تكذب، ولأننا لا نطلب من صُنَّاعِها شيئا، ولا ننتظر أن يتحقق لنا من ورائها شىء سوى استمتاع وقتى يمس القلب والعقل. تكذب علينا الأعمال الإبداعية، لكنها لا تسرقنا ولا تقتلنا ولا تنتهك حقوقنا وأجسادنا، بل تقدم لنا لحظات من المتعة الصافية.

حين تكذب علينا السلطة مستخدمة كل أدواتها وأجهزتها ومؤسساتها، فإنها فى الحقيقة لا تصيبنا بأية متعة، على العكس تستنفر فينا الرغبة فى مقاومتها وفى فضح محاولاتها الفجة التى تتكرر دون كلل. أمام وزارة الداخلية يتساقط الشباب، بكل وسائل القتل المتاحة للضباط والجنود، وتنقل القنوات الفضائية مشاهد أفراد الشرطة وهم يحتمون بمدرعاتهم ويصوبون الأسلحة النارية على أعين ورءوس المتظاهرين، لكن وسائل الإعلام التابعة للدولة تصنع على الجانب الآخر مشاهدها الخاصة وكذباتها الكبيرة وتبثها، فتعيد الحديث عن البلطجة والخارجين على القانون، وتروج لفكرة الطرف الثالث المجهول الذى يضرب الشرطة والشباب فى آن واحد، تساوى ببساطة بين القاتل والمقتول، وتضع مجد الشهداء وعار الطغاة فى قارب واحد.

...

الصورة التى لا تكذب تنقل الدماء والخراطيش وعبوات الغاز، لكن السلطة تتصدر الشاشات والأبواق وتنفى عبر بياناتها استخدام العنف ضد المتظاهرين، وبينما يتزايد الشهداء على الأرض، تستضيف بعض الإذاعات والبرامج المصرية الرسمية وجوها تسبغ عليها لقبا صار كالعلكة فى الأفواه: «الثوار الحقيقيون»، تخرج كلمات هؤلاء «الثوار الحقيقيون» من فوق المقاعد الموسرة لتضلل مشاهديها وتمتص حماسهم، فلا المقاعد ولا الكلمات تنتمى بأية حال لمخاض الميدان وألمه وعنفوانه.

سبق أن حاولت مؤسسات الدولة الإعلامية أن تقدم لنا كذباتها هى الأخرى باعتبارها فنا لا يخضع للمحاسبة، فدافعت بشدة عن صورها «التعبيرية»، لكن تلك الصور صارت فى حينها مثارا للسخرية اللاذعة التى لم تتوقف حتى اليوم. جاءت صورة الرئيس السابق الفوتوجرافية التى انكشف تزويرها لا لتوضع فى المعارض الفنية، بل لتدلل على مكانة نظام هَرَمَ وتَدَاعى، ولم يمر وقت طويل حتى أجبره الشعب على الرحيل، سقط وبقيت الصورة شاهدة على مدى الزيف والتضليل الذى مارسه.

المشهد المسرحى الذى تحاول السلطة صناعته وتقديمه لنا يفتقر إلى مقومات متعددة أهمها الصدق ويليه الأحكام، فالكذبات التى تتوالى سريعا دون حياء ينقصها الكثير من مهارة المبدعين والمبتكرين، الأمر الذى قد يخفف من تعاطف الناس معها ويضع أمامه بعض الحواجز والعراقيل، وإن كانت تظل مؤثرة بفعل التكرار والإلحاح.

...

حين تحيط بنا كذبات كثيرة من كل جانب، فإنها قد تحجب رغم تفاهتها أشياء بديهية، لأننا ببساطة نعجز عن الرؤية، وحين تشتعل ثورة تصبح الحقيقة الوحيدة هناك على الأرض، وسط النساء اللاتى تقاتلن فى الصفوف الأولى بفخر وكبرياء، والرجال الذين يفتحون صدورهم للرصاصات برحابة نادرة، وسط هؤلاء الذين ينامون بأعين نصف مفتوحة على دوى القنابل ورائحة الغازات السامة من أجل الحرية. الحقيقة الوحيدة ستظل هناك لمن يريد.. فى ميدان التحرير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.