مرة أخرى أقول لك: على المجلس العسكرى أن يعلن عن الصيغة التى يرى بها هذا الشباب الغاضب، هل يراهم مواطنين، إذن فليحتكم للقانون الطبيعى، وليضع كل المشهد بتشاحناته وحرائقه وقتلاه أمام هذا القانون الطبيعى دون تمييز بين عسكرى ومدنى، أما إذا كان يراهم أعداء فى حالة حرب، فليلتزم إذن بقانون الحرب، وليحاسب جنوده على إيذاء النساء والعزل والاعتداء على المستشفيات الميدانية والتنكيل ب«الأسرى». على أى معيار أخلاقى أو قانونى أو سياسى أو دينى أو حتى بمعايير الحرب فهناك جريمة حقيقية وقعت، استمع إلى العسكر كما تشاء، لكن بعد أن يعترفوا بأخطائهم، دون أن يعترفوا بما ارتكبوه من جرائم فى حق العزل والنساء، والذى جرى توثيقه بالصور فما قيمة الاستماع إليهم، ما قيمة التوازن الذى يدعونك إليه وهم لا يمتلكون هذا التوازن ولا يقدمون مثلا عليه، فينكرون القتل والرصاص ويستعمونك فى كل ما تراه أمامك من خطايا؟
لن أمل أقول لك: ليس فى الموت وجهات نظر.. الموت هو الموت، وإذا كنت تعتقد أنه يجب التعامل مع إزهاق الأرواح وكأن شيئا عاديا يحدث فهذه مصيبة.. ليس للقتل مبررات، وإذا كنت تعتقد أن هناك شخصا يستحق القتل لأنه مختلف معك سياسيا فتلك مصيبة أعظم، قلت لك من قبل: كل شىء فى هذا العالم يمكن أن يخضع للخلاف والنقاش، والاتفاق والرفض والأخذ والرد والتفاوض، إلا الدم، لا يليق أن يكون محل اختلاف، ولا يمكن فى لحظة من اللحظات أن ترى الدم يسيل دون أن تتخذ خيارا أخلاقيا وحيدا بأن تقف فى فسطاط الدم السائل، وما دون ذلك من تبريرات مهلهلة هى تفاصيل لا تهم أمام مشاهد الدم، والموت هو الشىء الوحيد الذى يجب ألا يخضع لتفسيرات سياسية، وعندما يكون الموت قتلا فأنت تقف أمام معادلة واضحة «قتل وقاتل وقتيل» وأى حديث سياسى خارج هذه المفاهيم الثلاثة هو حديث على الهامش.
سأفترض معك مرة أخرى أن الجنود جرى استفزازهم، وأن القادة لا يستطيعون أن يلزموهم بضبط النفس بعد جرح كرامتهم، لكنى أسألك، كيف يلتزم جندى على الحدود بضبط النفس امتثالا للأوامر، حتى بعد أن يشاهد رفيقه مقتولا برصاص غادر إلى جواره، ولا يمتثل فى الميدان وهو يواجه أخاه الأعزل غالبا، هل لأن الجندى يكره الشباب فى الميدان أكثر من العدو على الجبهة أم لأن الأوامر تأتيه على الحدود قاطعة صارمة، ولا تأتيه فى الميدان؟.. هذا مجرد تساؤل.. فهل لديك إجابة؟
هل تعرف من الذى تعرى فى الميدان؟ المرأة المنتقبة الذين استباح الجنود حرمتها، أم المؤسسة التى يمثلها هؤلاء الجنود، أم من يزعمون أنهم أهل «الدين» الذين لاموا الضحية لأنها لم تتحصن بملابسها جيدا، وكأن الأصل أن تكون مستباحة؟
هل يمنعك اختلافك السياسى مع شباب الميدان أن تقول كلمة حق، أو تدعو للعدل، أو تدين ظالما، هل أنت شامت ومتشف وتعتقد أن كل امرأة تعرت، وكل شاب أعزل سحل، وكل شهيد راح يستحق ما جرى له؟.. أنت إذن لست صاحب رأى أو وجهة نظر.. أنت صاحب مرض.. وتستحق الدعاء!