المتابع للتغطية الإعلامية علي اختلاف وسائلها المقروءة والمسموعة والمرئية لأحداث العباسية الدموية يكتشف ومن أول وهلة مدي ما وصل إليه الإعلام في بلادنا من سقطات أخلاقية دونها ممارسة الفعل الفاضح علي قارعة الطريق وفي وضح النهار. فضلا عن السقوط المهني المدوي..... لقد بدأت وسائل الإعلام علي اختلاف مسمياتها في الهجوم الممنهج علي معتصمي العباسية. وتحميلهم المسئولية كاملة. والتبعة غير منقوصة عما جري من أحداث. في الوقت الذي بدأ الحديث عن العسكر حديثا رومانسيا حالما بل وفيه نوع من التحريض المبطن علي المعتصمين العزل. واللافت للنظر أن ضحايا العباسية الذين ذبحوا وبدم بارد علي يد البلطجية كانوا أقل من أن يحوزوا إعلاميا علي لقب شهداء الذي حصل عليه نصاري أحداث ماسبيرو. وهذه رسالة مفادها أنهم يستحقون ما جري لهم وأكثر... وكانت تبريراتهم المتهافتة هي أن هؤلاء ارتكبوا الإثم الذي يستوجب الكفارة. والمعصية التي تستحق الغفران!! بذهابهم للاعتصام في هذا المكان الحساس قرب وزارة الدفاع. وكان ينبغي عليهم ألا يغادروا ميدان التحرير وهذا صحيح. ولكن هل يصلح هذا الخطأ مبررا منطقيا يستحقون عليه هذه المذبحة المروعة؟!! وهل قيل مثل هذا التبرير للنصاري حين يمموا وجوههم شطر ماسبيرو ولم يعتصموا بالتحرير مثلاً مع ما لموقع ماسبيرو من حساسية لا تقل بحال عن حساسية موقع وزارة الدفاع الذي ذبح عنده المعتصمون أخيرا.. بل ما هي المطالب المشروعة التي خرج يطالب بها معتصمو ماسبيرو؟؟ أو ليست الإفراج عن المحبوسين من النصاري علي ذمة أحداث إمبابة الشهيرة والتي أثبتت فيها التحقيقات الرسمية مقدار الجرم الذي ارتكبه الأقباط في حق شركاء الوطن من المسلمين؟!! حيث كان الأقباط فيها جناة وليسوا ضحايا.. والثابت الذي لا يمكن إنكاره أو تكذيبه هو أن ثوار ماسبيرو هم الذين بدأوا التحرش بجنود القوات المسلحة. والتعدي بالقتل علي أفرادها.. وحين استعمل الجيش نوعا من القوة والعنف في الدفاع عن نفسه وحدث ما حدث. هاج الإعلام الملوث بأموال الكنيسة وماج. وأرغد وأزبد واتهم العسكر بالوحشية والهمجية واللإنسانية وغيرها من الألقاب والكني. وجامل النصاري المعتدين مجاملات رخيصة علي حساب الحقيقة التي تستعصي علي الإنكا ر واعتبر ضحاياهم شهداء لا يقلون بحال عن الذين سقطوا في الأيام الأولي للثورة علي يد شرطة المخلوع. بل وأرغم المسئولين علي اعتبارهم كذلك. وبالفعل عوملوا كذلك وتم صرف مستحقات الشهداء المالية لذويهم. وقد تكرر المشهد نفسه في أحداث محمد محمود وأحداث مجلس الوزراء وغيرهما. والأمر المحير أن الإعلام تناسي المجزرة البشعة التي تعرض لها المعتصمون السلميون صبيحة يومي الأربعاء والخميس ولم يكن هناك أي احتكاك يذكر. وركز وبشكل لافت للنظر علي اشتباكات عصر الجمعة كأنها حدثت من فراغ ولم تسبق بمذبحة تستعصي علي الوصف من بشاعتها. ولا يفهم من كلامي أنني بصدد الدفاع عن هذا الاعتصام في هذا المكان. إطلاقا بل أنا ضد الاعتصام هناك بل وفي كل مكان له حساسية هذا المكان. وإنما أحاول قدر جهدي إزالة اللبس والغموض عما جري. وتحرير الحقيقة من وجهة نظري علي الأقل وتجليتها للقارئ الكريم بعيدا عن التهوين والتهويل. من غير إفراط ولا تفريط. كنت أتمني أن يتعامل الإعلام في بلادنا مع الجميع بنوع من الحيادية وألا يلجأ القائمون عليه إلي تلبيس إبليس حين يكيلون بمكيالين.. ويلعبون علي الحبلين ويلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون!! أم لأن دماء الإسلاميين رخيصة ليس وراءها باب يعتصم بدير النطرون بالحق وبالباطل احتجاجا عليها.. أو كما قال الشاعر: قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر... وسحق شعب آمن مسألة فيها نظر. ونكرر للمرة الألف أننا لا ندافع عن موقف معتصمي العباسية بحال لأننا نري أنهم أخطأوا في اختيار مكان اعتصامهم بغض النظر عن مشروعية مطالبهم من عدمها.. فهي مشروعة علي الأقل عند أصحابها.. لكن هل يسوغ ذلك كله أن يذبحوا بهذه الطريقة الوحشية ذبح الخراف؟!! ولا عزاء للسيدات والعاقبة عندكم في المسرات. وهناك تبرير آخر هو أقرب إلي النكتة منه إلي الأمر الجاد الذي لا هزل فيه وهو أن المعتصمين تسببوا في إغلاق شارع الخليفة المأمون أربعة أيام وهو ما تسبب بدوره في تعطيل مصالح البلاد والعباد وهذا لا شك أمر مرفوض لا يمكن إقراره. لكن الشيء بالشيء يذكر فماذا عن شارع قصر العيني الذي تم إغلاقه شهورا لا أياما. أو ليس في إغلاقه أيضا تعطيل مصالح العباد والبلاد؟!! كما يطنطن يدندن كل من جلس علي كرسيه المدوار.. ودار به في كبر وصلف من اليمين إلي اليسار.. وأشعل السيجار في السيجار؟!!! أم أن شارع المأمون في مصرنا الحبيبة بينما شارع قصر العيني في سيئة السمعة والذكر تل أبيب؟!! هل أخطأ معتصمو العباسية فيما أصاب فيه معتصمو ماسبيرو ومجلس الوزراء؟!! وما دام الإعلاميون يلطمون الخدود ويشقون الجيوب بسب بعض التصريحات التي أدلي به أحد الشيوخ باعتبارها شرار حرب. ونذير شؤم رغم أن كلمات هذا الشيخ قد قوبلت بالإنكار الشديد من كل من يمت إلي العلم الشرعي بصلة. ولم تجد قبولا عند أحد. ونحن ننكرها ولا نقرها لكن هل وضعت في سياقها الطبيعي أو حتي عوملت وعولجت بالطريقة التي عولجت بها كلمات القس فولباتير جميل علي خلفية مشكلة المريناب المعروفة حين توعد محافظ أسوان بالويل والثبور. وعظائم الأمور بل التهديد الصريح والمباشر بالقتل الشنيع والموت الزؤام. بل قام بتهديد المشير نفسه إن لم يقم ببناء الكنيسة.. كيف مرت تهديدات هذا الكاهن مر السحاب كأنها لم تكن!! في الوقت الذي اعتبرت فيه كلمات أحد الشيوخ هي مصيبة المصائب. وكارثة الكوارث أم أن الفارق بين الرجلين فارق بين العمامتين وما تشير أن إليه كما قال الشاعر: لو لم تكن بيضاء ما عبثوا بها.. لكنها هانت هوان الدين!! وكل ما أرجوه من مقالي هذا أن يلتزم الإعلام الحياد وألا يكيل بمكيالين.. وألا يفرق بين متماثلين إلا إذا كان يري المسلمين هم وحدهم أبناء البطة السوداء.