المصريون في روما يواصلون التوافد للتصويت في انتخابات مجلس النواب    عاجل- رئيس الوزراء: القطاع الخاص يقود الاستثمار في مصر وبرامج الطروحات الحكومية تفتح آفاقًا جديدة    بوتين: الولايات المتحدة فشلت حتى الآن في ضمان موافقة أوكرانيا على خطة السلام    توروب يعلن قائمة الأهلي استعدادًا لمباراة شبيبة القبائل    حسين فهمي وزوجته يزينان السجادة الحمراء في ختام مهرجان القاهرة السينمائي ال46    ماريسكا يعلن مدة غياب كول بالمر بعد إصابته المفاجئة في المنزل    اتحاد جدة يحقق أول انتصار مع كونسيساو في الدوري السعودي    تشكيل أهلي جدة الرسمي أمام القادسية بالدوري السعودي    مصرع 4 عناصر إجرامية في حملة أمنية مكبرة بقنا    الوطنية للانتخابات: إقبال متزايد للمصريين بالخارج على لجان التصويت باليوم الأول لانتخابات النواب    كاس وداير أغنية جديدة ل مصطفى حجاج ويطرحها قريبا    إقبال جماهيري كبير على حفل روائع عمار الشريعي بتوقيع الموسيقار هاني فرحات    إقبال كثيف وانتظام لافت للجالية المصرية في الأردن بانتخابات النواب 2025    ضبط طفلان تعديا على طلاب ومعلمي مدرسة بالسب من سطح منزل بالإسكندرية    السيدة انتصار السيسى تستقبل قرينة رئيس كوريا بالمتحف الكبير    «المال في مواجهة الطموح».. هل يحسم «طوفان اللافتات» مقاعد البرلمان؟    الاحتلال: شرطيان فلسطينيان يطلقا النار على قوة إسرائيلية    جاسمين طه زكى عن الحب بعد الزواج: لا يختفى بل يصبح أعمق.. ويقاس بالمواقف لا الهدايا    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    إحالة طبيبة النوبتجية وطبيبة الأسنان بمركز «63 متر» للتحقيق    رفع 30 طنا من القمامة والمخلفات والأتربة بمدينة ناصر بحى شرق سوهاج    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال بنجلاديش إلى 5 قتلى ونحو 100 مصاب    بالصور.. استعدادات حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته ال46    ميدو عادل: خشيت فى بعض الفترات ألا يظهر جيل جديد من النقاد    كاريكاتير اليوم السابع يحتفى بعيد ميلاد جارة القمر الفنانة فيروز    المصري الديمقراطي يطالب خطوات "الوطنية للانتخابات" لمنع تكرار مخالفات المرحلة الأولى    تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    يسرى جبر: عصمة الأنبياء والملائكة فى مرتبة واحدة والكمال المطلوب فى حقهما واحد    مسار يخسر أمام مازيمبى ويكتفى بالمركز الرابع بدوري أبطال أفريقيا للسيدات    كيف يؤثر تناول السكر على مرضى السكري وما الكمية المسموح بها؟    طريقة عمل القرنبيط المقلي الكرسبي بتتبيلة مميزة    «الزراعة» تواصل حملاتها لحماية الثروة الداجنة    انفوجراف| الحصاد الأسبوعي لوزارة الزراعة    جامعة بنها ومؤسسة حياة كريمة ينظمان قافلة بيطرية بمنشاة القناطر    دعاء يوم الجمعة لأهل غزة بفك الكرب ونزول الرحمة.. اللهم يا فارج الهم ويا كاشف الغم فرّج عن أهل غزة فرجًا عاجلًا    فليك: ميسي أفضل لاعب في العقد الأخير.. وتدريبه ليس من اختصاصي    الحكومة الفرنسية: أطفالنا لن يذهبوا للقتال والموت فى أوكرانيا    الجالية المصرية بإيطاليا تشارك فى المرحلة الثانية بانتخابات مجلس النواب    بعد إحالته للجنايات.. تفاصيل 10 أيام تحقيقات مع المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    وزيرة التخطيط: ملتزمون بتمكين المرأة اقتصاديًا بما يتماشى مع رؤية مصر 2030    إصابة 3 شباب في حادث مروري بنجع حمادي    اليابان تعيد تشغيل أكبر محطة نووية بالعالم بعد أكثر من عقد على فوكوشيما    دوري أبطال إفريقيا.. محمد الشناوي: جاهزون لمواجهة شبيبة القبائل ونسعى للفوز باللقب    تعاون جديد بين هيئة الكتاب ومكتبات مصر العامة لتوسيع إتاحة الإصدارات في القاهرة    زيلينسكي يرفض إقالة أقوى مستشاريه رغم تفاقم فضيحة فساد كبرى    رشا عبد العال: النظام الضريبي المتكامل للمشروعات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 20 مليون جنيه    قائمة بنوك تتلقى رسوم حج القرعة 2026.. اعرف التفاصيل    أفضل وقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفضلها العظيم    كهرباء الإسماعيلية مهتم بضم كهربا    اسعار الدواجن اليوم الجمعه 21 نوفمبر 2025 فى المنيا    بورسعيد الأعلى، جدول تأخيرات السكة الحديد اليوم الجمعة    وفاة القمص توماس كازاناكي كاهن كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بالإسماعيلية    فيديو| ضحايا ودمار هائل في باكستان إثر انفجار بمصنع كيميائي    الرئيس الفنزويلي يأمر بنشر أسلحة ثقيلة وصواريخ على سواحل الكاريبي ردا على تحركات عسكرية أمريكية    مصادر: انتهاء استعدادات الداخلية لتأمين المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    أخبار مصر: مصير طعون إلغاء الانتخابات، تفاصيل اعتداء 4 عاملين بمدرسة دولية على 6 تلاميذ، أبرز بنود خطة السلام في أوكرانيا    تحذير جوي بشأن طقس اليوم الجمعة.. خد بالك من الطريق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوية الأزهر ومرجعيته
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 07 - 2012

تكتسب الصياغة المقترحة للمادة الثانية من الدستور والتى تعطى الأزهر الكلمة الأخيرة فى تعريف أحكام الشرع أهمية كبرى، لا بسبب قصرها المعرفة الإسلامية على الأزهر فحسب، وإنما لما يترتب على ذلك من نقل الصراع والجدل حول المؤسسة الأزهرية من خانة المرجعية إلى خانة الهوية.

وقصر المعرفة على مؤسسة بعينها غريب على الفكرة الإسلامية، فالأصل فى التراث أن المعرفة لا تتعلق بمؤسسة ولا بتراتبية دينية وإنما بالتأهيل العلمى، والذى ارتضت الأمة عبر تاريخها شروطه، ومؤسسة الأزهر إنما اكتسبت أهميتها من كثرة علمائها الذين استوفوا هذه الشروط، ومن استقرار وسائل التعليم التى تخَرِّج الطلبة المؤهلين، فصارت الأزهرية علما على المنهج أكثر من المؤسسة، وعلى الجامع لا الجامعة، لأن وسائل التدريس فيه هى التى اعتمدتها الأمة وتلقتها بالقبول ابتداء.

والنقطة الأخيرة مفيدة فى فهم الصراع حول الأزهر، والذى سيزداد اشتعالا بجعله أداة يحاول كل طرف السيطرة عليها لفرض رؤيته الدينية، فجامعة الأزهر قد أصابها ما أصاب كل الجامعات من وهن وتفكك خلال العقود الأخيرة، فاختلط منهجها الأصيل بمناهج وافدة أقل أصالة وانضباطا وعمقا، الأمر الذى أوجد لكل تيار قدما فى الأزهر، ولم يعد خريج (جامعة) الأزهر فى العلوم الشرعية منتميا بالضرورة لمدرسة الأزهر التى أقامها (الجامع) طوال السنين، فادعى كل تيار بوجود بعض أبنائه ضمن خريجى الأزهر أنه الوريث الشرعى للمؤسسة، فصار كل على استعداد للقبول ب(مرجعية الأزهر)، لأن هذه المرجعية فى ظل انعدام التمحيص التأريخى تصلح للتدليل على هويات متباينة.

على أن الأزهر صاحب شرعية لم يكن أزهر القرن العشرين الواقع تحت سلطان الدولة، وإنما المؤسسة العلمية المستقلة التى عاشت قبل ذلك، والتى قامت على تدريس العلوم الشرعية المنقولة بالأسانيد المتصلة فى المتون والشروح والحواشى، وانتمى علماؤها لمذهبى الأشعرى والماتريدى فى الاعتقاد، والأئمة الأربعة فى الفقه، والمدارس السبع فى التصوف، والتى أقامت التصورات الاجتماعية على فكرة توازن دوائر الانتماء، بين الاختيارات الاعتقادية والفقهية والسلوكية، والانتماءات المدرسية والمكانية والعائلية.

الأزهر الذى شارك علماؤه فى صد الحملة الفرنسية والاحتلال الإنجليزى، ووقفوا فى وجه الحكام الجائرين، أزهر الشيخ البيجورى الذى اشتهر بقوة موقفه من الخديو عباس حلمى، والشيخ الدردير الذى كان يقود الاعتصامات مع الطلبة والشيوخ والتجار اعتراضا على فرض الجبايات، والشيخ البشرى الذى حارب لأجل استقلال الأزهر فى مواجهة الاحتلال، والشيخ الخراشى الذى كان المصريون يلجأون إليه فى مشكلاتهم، والعطار والنواوى والشرقاوى وعليش وغيرهم من شيوخ الأزهر وكبار علمائه الذين عبروا عن منهجه التراثى.

ولم يكن وقوع الأزهر تحت سلطان الدولة وتفككه فى القرن العشرين استثناء، فهو فى ذلك كسائر الجامعات والمؤسسات الحكومية التى ضعف مستواها العلمى، وقد انتزعت منه أسباب استقلاله وهى الأوقاف التى وفرت له استقلالا ماليا عن الدولة وأوجدت له الموارد اللازمة للتميز فى العملية التعليمية، والطرق الصوفية التى كانت هى الأخرى مستقلة، ووفرت له تأييدا مجتمعيا حصنه ضد بطش السلاطين (بحسب كتاب وصف مصر فقد كان كل المصريين المسلمين أعضاء فى طرق صوفية وقت الحملة الفرنسية)، ثم استكمل هذا الإخضاع للدولة بالقانون 103 لسنة 1961 والذى مكن الدولة من التدخل فى كل شئون الأزهر، وحوله جامعة حكومية.

وكان تفكك الأزهر فى نهايات القرن التاسع عشر تدريجيا: أنشئت دار العلوم لتنتزع منه وظيفة التعليم، ودار الإفتاء لتنتزع منه وظيفة الإفتاء، ومدرسة القضاء الشرعى لتنتزع منه وظيفة القضاء، فلم يبق له من مهامه الرئيسة غير الوعظ والإرشاد، ومع انتزاع الأوقاف وتقليص استقلالية الطرق الصوفية فإنه فقد الكثير من هيبته أيضا.

وبالتوازى مع ذلك فقد فتح الأزهر أبوابه لتيارات أقل أصالة وانضباطا (وأكثر أموالا وإعلاما)، وهى سنة سنها الشيخ محمد عبده الذى قرر تجاهل تراث الأزهر العلمى وأسس مدرسة تقوم على التصالح مع الوافد أكثر من الموروث، والوقوف عند الاختيار بينهما على أرض الوافد لا الموروث ولا الحياد، وتبعه فيها بعض أزهريى القرن العشرين كالشيخ المراغى والشيخ طنطاوى، والذى اكتمل معه انسلاخ المؤسسة عن أصولها الفكرية وتراثها العلمى، واكتملت القطيعة بينها وبين أزهر القرن التاسع عشر، الأمر الذى أدى لضعفها الشديد فى مواجهة تيارات التيارات الوافدة عليها، والتى صار المنتمون إليها يشكلون قطاعا من خريجيه.

وخلال العقود الأخيرة أدى تسلط الدولة على الأزهر لاستخدامه كأداة لتبرير وسائلها فى الحكم، على نحو أدخله فى صراع مع الإسلاميين، فتحول فى أعينهم من مرجعية إلى خصم، الأمر الذى ألجأهم للتعلم عند غيره، وساهم مع عوامل أخرى اجتماعية واقتصادية فى إيجاد أرضية اجتماعية لتيارات دينية غريبة على البيئة المصرية، وجد بعضها مساحات فى الأزهر المفكك تحرك فيها، وانطلق منها لمساحات مجتمعية أوسع أعادت تعريف الأزهر ومنهجه فى عقول الكثيرين.

وفى ظل هذا المشهد فإن تغيير المادة الثانية من الدستور إلى النص المقترح تمثل تهديدا إضافيا لهوية الأزهر العلمية والثقافية، فهو يعنى أن التأثير الشرعى التشريعى لكل ما استثمره كل تيار من التيارات الإسلامية فى مؤسساته الخاصة صار صفريا، ولم يعد لهذه التيارات إن أرادت إنجاح مشروعاتها الفكرية إلا أن تفعل ذلك من خلال تسييدها فى الأزهر، وهو ما لم يعد بعيد المنال فى ظل تفكك المؤسسة وانسلاخها عن تراثها، ووجود عدد من خريجى جامعة الأزهر وأساتذتها ممن يصرحون فى محاضراتهم فى الجامعة برفضهم لمنهجها الذى قامت عليه، ويدعون لمناهج وافدة، الأمر الذى يعنى أن تغيير الأزهر لم يعد يعنى أكثر مما تقول قيادته، والتى صارت حرة فى التعبير عن موقفها متحررة من كل إرث المؤسسة المنهجى والفلسفى والفقهى.

والقيادة الحالية للأزهر مطالبة بإعادة إحياء المؤسسة على قواعد منهجها المتوارث، ولن يكون ذلك بغير استقلال حقيقى يحرر الأزهر من سلطان الدولة ماليا وإداريا وفكريا، وعمل دءوب على إصلاح ما فسد فى المنظومة العلمية بأركانها المختلفة، وجهد فكرى يعيد ربط المؤسسة بقضايا واقعها العلمية والحياتية، وإصلاح مؤسسى يبنى الإدارة على أسس تجمع بين الانضباط العلمى والكفاءة الإدارية، وهو عمل يبدو فوق طاقة المؤسسة الأزهرية بأركانها المختلفة فى الوقت الراهن.

إن الإصلاح المطلوب فى الأزهر ليس إجرائيا يقف عند حدود التطوير المؤسسى، ولكنه فكرى يعود بالأزهر إلى ما بنى عليه من انضباط علمى ومنهج يقوم التدقيق والتراكم المعرفى، ويعيد تعريف دوره ليبعده عن مساحات المنافسة الحزبية، ويعود به متحركا على أسسه الفكرية فى مساحات التعليم والتوجيه العام والبحث العلمى، وهذا الواجب يستند فى شقه الفكرى إلى جهود أبناء الأزهر ممن ينتمون حقيقة لمدرسته، ولتمكين هذه الجهود من قبل التيارات الدينية الحريصة على الأصالة والانضباط الدينيين، والتيارات السياسية الحريصة على بناء مؤسسات تعليمية وعلمية تقوم على احترام العلم وتوقير أهله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.