المصريون بفرنسا يحتشدون أمام اللجان الانتخابية للمشاركة في انتخابات النواب    حلم يتحقق أخيرًا    جيش الاحتلال الإسرائيلى يعترف باغتيال جندى واعتقال آخر فى نابلس    هدنة قريبة فى السودان    ترامب يستقبل رئيس بلدية نيويورك المنتخب زهران ممداني بعد حملة انتخابية حادة    وليد صلاح يكشف سر استبعاد عبد القادر ومحمد شكري أمام شبيبة القبائل    الشوط الأول .. الجيش الملكي يتقدم علي أسيك بهدف فى نهائى أفريقيا للسيدات    محافظ أسوان يوجه المسئولين بالتدخل لتخفيف المعاناة عن أسرة تعرض منزلها لحريق    سقوط عصابة تقودها فتاة استدرجت شابًا عبر تطبيق تعارف وسرقته تحت تهديد السلاح بالدقي    النجوم يتوافدون على حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي | صور    مواعيد عرض برنامج دولة التلاوة على قنوات الحياة وCBC والناس    عالم بالأوقاف: الإمام الحسين هو النور المكتمل بين الإمامة والنبوة    حسام موافي يحذر من خطورة «جرثومة المعدة» وطرق نقلها    شعبة مواد البناء توجه رسالة هامة للمواطنين حول أسعار الحديد في الأسواق    الرئيس الفنزويلي يأمر بنشر صواريخ على سواحل الكاريبي ردًا على التهديدات الأمريكية    بسبب رسامة فتيات كشمامسة.. الأنبا بولس يطلب من البابا تواضروس خلوة بدير العذراء البراموس    الذهب يستقر مع تزايد آمال خفض الفائدة الأمريكية في ديسمبر    مصطفى حجاج يستعد لطرح «كاس وداير».. تطرح قريبًا    حسين فهمى: التكنولوجيا والشباب يرسمان مستقبل مهرجان القاهرة السينمائى    إقبال جماهيري كبير على حفل روائع عمار الشريعي ورؤية جديدة لمؤلفاته بتوقيع هاني فرحات    أبرزها خسارة الزمالك.. نتائج دوري الكرة النسائية اليوم    اتحاد جدة يستعيد الانتصارات أمام الرياض في الدوري السعودي    تشكيل أهلي جدة الرسمي أمام القادسية بالدوري السعودي    ضبط طفلان تعديا على طلاب ومعلمي مدرسة بالسب من سطح منزل بالإسكندرية    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    أول تعليق من نادية مصطفى على أزمة ملف الإسكان بنقابة الموسيقيين    إحالة طبيبة النوبتجية وطبيبة الأسنان بمركز «63 متر» للتحقيق    المصري الديمقراطي يطالب خطوات "الوطنية للانتخابات" لمنع تكرار مخالفات المرحلة الأولى    رفع 30 طنا من القمامة والمخلفات والأتربة بمدينة ناصر بحى شرق سوهاج    بالصور.. استعدادات حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته ال46    ميدو عادل: خشيت فى بعض الفترات ألا يظهر جيل جديد من النقاد    أصداء إعلامية عالمية واسعة للزيارة التاريخية للرئيس الكوري الجنوبي لجامعة القاهرة    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال بنجلاديش إلى 5 قتلى ونحو 100 مصاب    تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    كاف يدرس تعديل آلية التصويت في جوائزه بعد عتاب ممدوح عيد    إقبال كثيف وانتظام لافت.. «القاهرة الإخبارية» ترصد سير انتخابات النواب فى الأردن    كيف يؤثر تناول السكر على مرضى السكري وما الكمية المسموح بها؟    «الزراعة» تواصل حملاتها لحماية الثروة الداجنة    انفوجراف| الحصاد الأسبوعي لوزارة الزراعة    جامعة بنها ومؤسسة حياة كريمة ينظمان قافلة بيطرية بمنشاة القناطر    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    فليك: ميسي أفضل لاعب في العقد الأخير.. وتدريبه ليس من اختصاصي    الحكومة الفرنسية: أطفالنا لن يذهبوا للقتال والموت فى أوكرانيا    بعد إحالته للجنايات.. تفاصيل 10 أيام تحقيقات مع المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية    دعاء يوم الجمعة لأهل غزة بفك الكرب ونزول الرحمة.. اللهم يا فارج الهم ويا كاشف الغم فرّج عن أهل غزة فرجًا عاجلًا    إصابة 3 شباب في حادث مروري بنجع حمادي    وزيرة التخطيط: ملتزمون بتمكين المرأة اقتصاديًا بما يتماشى مع رؤية مصر 2030    زيلينسكي يرفض إقالة أقوى مستشاريه رغم تفاقم فضيحة فساد كبرى    أفضل وقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفضلها العظيم    رشا عبد العال: النظام الضريبي المتكامل للمشروعات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 20 مليون جنيه    كهرباء الإسماعيلية مهتم بضم كهربا    اسعار الدواجن اليوم الجمعه 21 نوفمبر 2025 فى المنيا    الجالية المصرية بالأردن تدلي بأصواتها في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    مرشحون يتغلبون على ضعف القدرة المالية بدعاية إبداعية    مصادر: انتهاء استعدادات الداخلية لتأمين المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    أخبار مصر: مصير طعون إلغاء الانتخابات، تفاصيل اعتداء 4 عاملين بمدرسة دولية على 6 تلاميذ، أبرز بنود خطة السلام في أوكرانيا    تحذير جوي بشأن طقس اليوم الجمعة.. خد بالك من الطريق    خارجية النواب: الإخوان لم تكن يومًا تنظيمًا سياسيًا بل آلة سرية للتخريب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل أصبح (الأزهريون) أقلية فى الأزهر؟
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 10 - 2009

كانت نادية يوسف، مدرسة التاريخ بالمعهد الليبى الأزهرى فى مدينة نصر، إحدى من شهدن خروج شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوى من أحد فصول المعهد غاضبا وهو يقول إنه سيصدر قرارا بمنع النقاب فى الفصول، بعد الحديث المنفعل الذى نقلته الصحف بينه وبين طالبة تمسكت بتغطية وجهها فى حضوره هو ومدرسة بررت موقف الفتاة. تقول نادية يوسف: إن المنتقبات لا يمثلن نسبة كبيرة فى المعاهد الأزهرية ولكنهن موجودات: «فى المعهد الذى أعمل فيه أجد طالبتين أو ثلاثا فى كل فصل منتقبات، وهناك 10 مدرسات منتقبات بين ما يقرب من 150 مدرسة». وتضيف: «أنا لست مؤيدة لارتداء النقاب، وأحيانا ما أتناقش مع مرتدياته، وحتى إن كنت أراهن متشددات قليلا فى هذه المسألة، لكنهن فى الغالب نساء وفتيات فضليات ملتزمات. مجتمع المدرسات والطالبات فى المعهد مثل باقى المجتمع المصرى يضم غير متدينات ومتدينات ملتزمات ومتشددات بعض الشىء ولكن لا شىء أبعد من النقاب ولا أوافق على اتهامهن بأنهن يتبعن تيارات معينة».
تعبير «التيارات المتشددة» تكرر من رموز جامعة الأزهر عقب تفجر الجدل حول النقاب، ففى أثناء جولات د.أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر ومعه نوابه فى كلية البنات حرص «الطيب» على أن يتطرق لأمر النقاب، مؤكدا أنه ليس فرضا على المرأة ومحذرا الطالبات من الانسياق وراء التيارات الدينية المتشددة. وقال: إنه «تم إعداد منهج دراسى جديد هذا العام بدأ تدريسه للوافدين، عن نقد التيار السلفى والتيارات البعيدة عن وسطية الإسلام». فيما كان تعليق أحمد الحسينى نائب رئيس الجامعة أن «خريجى الأزهر هم سفراء للدين الإسلامى الوسطى المعتدل فى مصر والخارج ولن تسمح الجامعة لأى جهة بأن تخترق فكرها الوسطى وهويتها الإسلامية الأزهرية».
يبدى أحمد سعد المدرس بأحد المعاهد الأزهرية الثانوية اندهاشه من أن يتفجر كل هذا الجدل عن التيارات والاختراق من موقف طالبة فى معهد للمرحلة الإعدادية: «سبب دهشتى أن الطلبة فى المعاهد الأزهرية مهما كانت ميولهم يكونون بعيدا عن جدل التيارات الفكرية والسياسية كما يحدث فى المرحلة الجامعية، فهم لا يزالون صغار السن وبعيدين عن التأثيرات المختلفة اللهم إلا تأثيرات الأسرة. أحيانا أعرف من طريقة كلام بعض التلاميذ أنهم أبناء أسر إخوانية أو سلفية وهناك أعداد كبيرة من أبناء الأسر المصرية العادية المتدينة التى تتابع الدعاة على الفضائيات وهناك أبناء أسر أدخلت أولادها معاهد أزهرية لأنها الأقرب للمنزل أو لأنها تقبل سنا أصغر. من المؤسف فعلا أن عددا كبيرا من الطلبة لا يتأثرون بالتعليم الدينى الأزهرى تماما مثل ما يحدث بالنسبة لمادة الدين التى يعتبرها طلبة مدارس وزارة التعليم مجرد مناهج تعليمية يتلقونها». ويضيف: «ابنى فى جامعة الأزهر وحكى لى عن انقسام الطلبة الملتزمين بين الاتجاه السلفى والإخوانى، قلة فقط تشعر بأنهم أبناء التقاليد الأزهرية، أما الكارثة التى تهدد الهوية الأزهرية فهى الأغلبية التى تتلقى التعليم بروتينية ودون اكتراث».
ولكن يبدو أن ما يقلق الأستاذ أحمد سعد لا يمثل التحدى الأخطر بالنسبة لقادة الجامعة، ففى مقال كتبه د.محمد عبدالفضيل القوصى، نائب رئيس جامعة الأزهر، ونشرته «الأهرام» فى مايو الماضى بعنوان «الأزهر ومحاولات الاختراق» عدد التيارات التى تهدد الأزهر بأنها أولا التيار الوافد من بلدان مجاورة يغلب عليه الحرفية والتشدد (التيار السلفى) والتيارات التى ترفع لافتات سياسية (الإخوان) ثم تيار التشيع وأخيرا تيار التغريب الذى يريد أن يغير ثوابت الأزهر تحت دعاوى «التنوير والحداثة».
أسرة الجيل المنشود
هناك فارق شاسع بين التيارين الأخيرين الهامشيين واللذين يقتصران أحيانا على عناصر فردية أو مجموعات محدودة داخل جامعة الأزهر وبين التيارين الأولين اللذين يمثلان الاتجاهين الأكثر بروزا ونشاطا داخل الجامعة. يقول محمد، الطالب بكلية التجارة بالجامعة والقائد الكشفى فى عشيرة الجوالة: «فى أثناء تنظيم الجوالة حفل استقبال الطلبة الجدد فى بداية العام الدراسى وتعريفهم بالكليات وأنشطة الجامعة وجدت طالبا يسألنى: أين مقر أسرة الجيل المنشود؟ وهو اسم الأسرة غير المسجلة رسميا فى الجامعة والتى ينشط فيها طلاب الإخوان المسلمين. وعندما استفسرت منه عن السبب، قال إن أخاه الطالب السابق بالجامعة نصحه بالذهاب إليهم لأنهم ملتزمون ويقدمون خدمات للطلبة مثل ملازم الامتحانات». يروى محمد ذلك كدليل على النفوذ الكبير والمتجدد للإخوان داخل جامعة الأزهر، مؤكدا أنهم يجتذبون نسبة لا تقل عن ثلث الطلبة ويأتى بعدهم بقليل السلفيون غير المنظمين فى جماعات أو أسر ولكنهم يشكلون تيارا فكريا وسط الطلبة.
باقى الطلبة إما يدرسون بلا توجه فكرى محدد ووعيهم الدينى والسياسى محدود، ومنهم طلبة ريفيون أقصى آمالهم استكمال تعليمهم بأى طريقة للعودة إلى قراهم والعمل فى الخطابة أو التدريس بالمعاهد الأزهرية المنتشرة هناك، وهناك قلة فقط تمثل «الملتزم الأزهرى» بحق.
أنس السلطان الخريج الحديث من كلية الشريعة والقانون هو بالتأكيد من بين هؤلاء، فهو يقول إنه كان الطالب الوحيد فى الكلية الملتزم بالزى الأزهرى طوال سنوات الدراسة رغم الطابع الشرعى للدراسة، كما أنه ينتمى لقلة تريد الالتزام بما يعتبره «الفكر الأزهرى». وهو أيضا يؤكد على ملاحظات المدرس أحمد سعد وطالب التجارة محمد ويقول إنها صحيحة أيضا داخل الكليات الشرعية بالأزهر: «قلة فقط لا تزيد بأى حال عن 2 أو 3% يمكن أن نعتبرهم أبناء الفكر الأزهرى المتأثرين والمتتلمذين على العلماء الأزهريين مثل على جمعة وأحمد الطيب وأسامة السيد وغيرهم».
يضيف أنس السلطان إن ارتداءه الزى الأزهرى على الدوام جعله يشعر كيف ينظر الناس إلى الأزهرى هذه الأيام: «هناك إكبار واحترام شديدان من جانب البسطاء ولكن يقابله أيضا شعور بأن هذا الشخص ذو فكر قديم بعض الشىء، قد يكون فى نظرهم ضليعا فى جوانب الشرع من الناحية العلمية ولكنه من ناحية أخرى أقل فهما لكل ما هو حديث. ومن جانب آخر، فهناك النظرة للأزهرى باعتباره قريبا من السلطة وهو ما يجعلهم يعتبرون السلفيين أكثر صدقا وإخلاصا وقربا من الله».
يشير أنس إلى أن هناك العديد من الطلبة داخل الأزهر ينظرون إلى التعليم الأزهرى نفس النظرة فيرونه تعليما قديما ومتحجرا نوعا ما، كما أنه مرتبط بالسلطة، وكثيرون يعتبرون أساتذتهم مجرد أكاديميين لديهم حصيلة علمية وقلة قليلة منهم يعدون فى مصاف العلماء حاملى تقاليد الأزهر ،ويحرصون على طلب رأيهم.
وبالنسبة لأنس سلطان، فالفكر الأزهرى له ملامح مميزة، منها أنه يتبنى العقيدة الأشعرية (تنظير عقلى للتوحيد للرد على الفرق الإسلامية خصوصا المعتزلة) باعتبارها عقيدة أهل السنة والجماعة وفى الفقه يتمسك بدراسة فقه المذاهب المختلفة ولا يوجد أزهرى لم يدرس على مذهب معين على خلاف السلفيين وفى جانب السلوك والأخلاق فهم إما متصوفة مثل جمعة والطيب أو قريبون من التصوف مثل أسامة السيد ولكنهم متمسكون بالتصوف المعتدل وليس ما ينسب إليه من ضلالات وخرافات وبدع.
يستدرك أنس أن هناك بعض الاختلافات داخل هذا الفكر الأزهرى فهو ليس تيارا واحدا، فهناك علماء أزهريون يميلون إلى ناحية السلفية قليلا وهم أبعد عن التصوف ومتمسكون بالعقيدة السلفية المخالفة للمذهب الأشعرى وهم العلماء الذين يعتلون منابر الجمعية الشرعية. ويؤكد أيضا أن هناك تعددا داخل الأزهر فهم يدرسون الفقه على المذاهب الأربعة، ومنهم المذهب الحنبلى الذى يرجح علماؤه وجوب النقاب على المرأة وهو محل الجدل الحالى.
الأساتذة الأزهريون المتبنون المذهب الحنبلى الأقرب للاتجاه السلفى قلة داخل الأزهر، وعلى منتديات السلفيين يسأل طلاب الأزهر السلفيين بعضهم بعضا عن الأساتذة الحنابلة لكى يتواصلوا معهم كأنهم يبحثون عن إبرة فى كومة قش. والمعاهد الأزهرية التى تلتزم كل منها تدريس الفقه على مذهب معين، منتشرة فى كل مصر على المذاهب الثلاثة: الشافعية والحنفية والمالكية. لكن هناك معهدين فقط فى كل مصر يدرسان المذهب الحنبلى.
الحضور القليل للميل السلفى فى المعاهد الأزهرية وبين أعضاء التدريس فى الجامعة غير كاف لكى يكون وراء الحضور الكبير لهذا الميل بين طلبة الأزهر، وهو يؤكد أن دور الأزهر يتراجع فى تخريج رموز جماهيرية مؤثرة، ليس فقط للجمهور العادى ولكن أيضا بين طلبته والدارسين فيه الذين لم ينجح التعليم الأزهرى الذى ينخرطون فيه طوال حياتهم فى جعلهم يتبنون التقاليد التى تمثل الفكر الأزهرى الذى يشكل هوية المؤسسة. وقد يحمل الأمر وجها آخر إذا اعتبرنا الأزهر يخوض معركة ضد أحد تنوعاته وضد مدرسة من الاجتهادات موجودة بداخله ولو على الهامش. ولكن فى كلتا الحالتين فقد يصدق رأى أنس السلطان الذى يرى أن الأزهر مثل معظم المؤسسات فى هذا البلد تفتقد التواصل الجيد بين قيادتها ورموزها من جهة وأبنائها أو جمهورها من جهة أخرى.
قد يكون توصيف أنس السلطان الأزهرى الغيور على الهوية الأزهرية والفكر الأزهرى هو الأقسى، فافتقاد التواصل بين طرفى مؤسسة تعليمية ودعوية بالأساس يعنى انهيارا فى وظيفتها الأساسية ومعنى وجودها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.