يبدأ الاستعداد لشهر رمضان منذ أواخر شهر شعبان حيث تتزين الطرقات والمحال والمساجد وتكثر الحركة بشكل غير عادى حتى إنك لتسمع أحاديث الناس فى الطرقات عن ليلة الشك وهلال رمضان. ويسمى اليوم التاسع والعشرون فى الجزائر بيوم «القرش» ولرمضان منزلة كريمة فى نفوس الجزائريين، وإنهم ليحملون له من التكريم ما قد يفوق كل تصور.
ويتغير نظام الحياة الاجتماعية، إن لم نقل الحياة الاقتصادية أيضا، رأسا على عقب فى الجزائر، أثناء شهر رمضان، بحيث تتغير مواقيت العمل صباحًا وزوالا، وتغدو كل الإدارات والمؤسسات العمومية والخصوصية تداوم من التاسعة صباحًا إلى الرابعة بعد الزوال. ومن المظاهر التى تشعر الصائم فى الجزائر أنها تغيرت حالٌ الأسواق التى تُنفقُ تجارتها، وتكثر سلعها، ولكن تغلو حتما أسعارها.
ومن العادات الطيبة تكاثر الزيارات، وصلة الرحم، بين الأصدقاء والأقرباء والجيران، وميل الناس ميلا شديدا إلى إكرام الضيف، والرغبة الحارة إلى دعوته إلى مائدة الإفطار. فالجزائريون يتبادلون الزيارات فى شهر رمضان، وفى الأعياد طبعا، ما لا يتبادلونه فى أى شهر آخر من شهور السنة. كما أنهم لا يكونون أكرم مما يكونون فى هذا الشهر.
يختلف الناس فى الجزائر اختلافا شديدا فى كيفية تناول السحور وميقاته أيضا. فهناك من لا يتسحر إطلاقا، بل تراه ينام مبكرا نسبيا «عند منتصف الليل تقريبا» فيقتصر على تناول كوب من اللبن وفاكهة قبيل الإخلاد إلى الكَرى. وهناك من يسهر حتى الساعة الثانية صباحا ثم يتناول سحوره الذى يتألف غالبا من أكلة السفوف اللذيذة، والسفوف استعمال فصيح ذكره السيوطى فى «المزهر». والسفوف كل ما يستف، أى يؤكل يابسًا من غير مرقٍ، ثم أطلق فى الجزائر والمغرب على الكسكسى المحضر من السميد الرفيع، والذى يلقى عليه الزبد الطرى وهو ساخن ليذوب عليه وفيه، ثم يضاف إليه السكر ودقيق القرفة والبيض والزبيب مع اللبن ثم الفاكهة.
وثالث النماذج أن هناك كثيرا من الناس فى الجزائر، خصوصا الفلاحين والعمال والمحرومين، ينامون بعد صلاة العشاء مباشرة ولا ينهضون إلا لدى السحر لتناول طعام السحور. وترى هؤلاء قد لا ينامون من بعد ذلك إطلاقا، بل إنك تراهم يصلون الفجر، ثم ينطلقون إلى أعمالهم اليومية، خصوصا إن كانوا فلاحين مجدين، أو كانوا على سفر.
وكان الفلاحون والقرويون، عامة، على عهد الاستعمار الفرنسى فى الجزائر، وفى غياب وسائل الإيقاظ كالساعات والمنبهات والمذاييع الخاصة، يفيقون على دقات الطبول بحيث كان فقيه القرية وإماُمها يعمد إلى ضرب الطبل من على شرفة رابية عالية، أو على قمة جبل شامخ، بحسب موقع القرية ونظام تضاريسها الجغرافية، فكنت ترى الأنوار تضاء فى دور القرية، وربما القرى المجاورة لها، الدار تلو الأخرى.
من الاحتفالات الرمضانية فى الجزائر صيام الطفل يومه الأول إذ يعتبرون ذلك مناسبة عائلية فنظر كل العائلة مشدود نحوه منذ أن يستيقظ فى الصباح وهو يصبر نفسه والنوم يغلبه أحيانا فى حين يظل يتظاهر هو بحيويته ولا يعترف بألم الجوع والعطش إلا بعد الإفطار.
يشرع الآباء والأمهات، ابتداء من الثلث الأخير من رمضان، فى السعى إلى الأسواق لشراء الملابس لأبنائهم وبناتهم، وتكون هذه الملابس متلائمة مع المنزلة الاجتماعية لكل أسرة. وقد يشتد التنافس بين الأسر فى هذا المظهر الاجتماعى الذى لا صلة له بالدين، حتى قد تضطر بعض الأمهات إلى بيع شىء من حُليهن لتبيض الوجه أمام بعض الجارات.
ويستقبل النساء عادة فى الجزائر هلالى رمضان وعيد الفطر بالزغاريد، وينتشر الأطفال ضاجين بأصواتهم فى كل مكان، وتنطلق ألسنة المتقين بالذكر والتكبير والتهليل والصلاة على الرسول الكريم، وتمتلئ القلوب بالخير والمحبة والتفاؤل والأمل