هو الخال والعم وصوت المهمشين الذى خرج مغردا قبل أن ترحل دولة مبارك ليطلق صيحته الأكثر تأثيرا «آن الآوان ترحلى يا دولة العواجيز» إنه الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى الذى يطل علينا من جديد، ونحن على أبواب جمهورية ثانية ليجيب عن أسئلتنا محللا ومتوقعا لما حدث فى أيام مصر المجيدة التى نمر بها الآن وشهادته عن دولة العواجيز ودولة الشباب ودولة يحلم بها ونحلم بها معه. ● قبل عام ونصف العام قلت آن الآوان ترحلى يا دولة العواجيز.. هل ترى أن ما تمنيته حدث؟ للأسف ومن خلال التجربة الماضية طيلة العام ونصف العام لم تختفِ وأعلنت عن وجودها بطريقة يملأها التحدى والدفاع عن ميراثها القديم ومن غريب الأمر أن الكثيرين من الفقراء فى مصر يرون أن من مصلحتهم إعادة هذه الوجوه إلى أوكارها فالتفت حولها وانتخبتها ورشحتها من أجل إعادة تجربة الحكم فى مصر، وهو أمر سببه عدم التربية السياسية، وأن الناس رأت تجربة الإخوان المسلمين الفاشلة فقررت الوقوف عن الاستمرار فى دعم هذا التيار، وارتدت دون أن تبحث عن طرف آخر وهو طرف الثوار الذين أيضا أثبتوا خلال التجربة أن قدرتهم على التشرذم والتفرق أقوى من قدرتهم على احتضان بعضهم البعض بتواضع، لكن لأن أمهاتنا ولدتنا كلنا زعماء فها هو قدرنا كالعادة أن نرى الأربعة الذين يمكن أن نضع عليهم الأمل يرفضون أن يتوحدوا فى صورة رجل واحد، وقد كنت أتمنى أن يتوحدوا جميعا فى شخص حمدين صباحى الذى يتوافر فيه عناصر الرضا بغض النظر عن أنه يمكن أن يفوز أو لا، لكن الفكرة فى حد ذاتها كانت سوف تعطى البسطاء دلالة جيدة وصحية، لكن للأسف لم يحدث ذلك وفضل الجميع الاستمتاع برؤية صورهم فى الصحف.
●هناك بعض الدعوات للخروج مجددا إلى ميادين التحرير فى حالة فوز أى من مرشحى دولة العواجيز كيف ترى هذه الدعوات؟ أعتقد أن الشعب المصرى وافق على الانتخاب وإذا جاء شفيق أو جاء عمرو لابد وأن نراجع أنفسنا ونعيد تقويم وتقييم أنفسنا خلال العام ونصف العام المنقضية ونعرف أننا لم نضع الجماهير فى قلوبنا بصورة موفقة وأنه يجب علينا أن نتعلم من ما حدث.
أما إذا جاء «الإخوان» وبغض النظر عن الرشاوى التى ملأت القرى وصارت رائحتها تزكم الأنوف فيجب أن نعمل بجد خلال الأربع سنوات المقبلة بدلا من أن تستنفد طاقاتنا فى ميادين التحرير لننال سخط الجماهير ونحولهم أعداء لنا كما حدث بالفعل فقد نسبت كل موبقات العام ونصف العام الماضية وفشل الحكومات وعدم الإحساس بالناس للثورة وعلينا أن نثبت العكس فى السنوات الأربع المقبلة بكسر الشرنقة التى نعيش فيها، ونعرف أن مصر لا تعيش فى ميدان التحرير كما فطن الإخوان لذلك وتصرفوا وفقا لهذا، وتشعبوا فى شرايين مصر فى القرى والكفور والنجوع، وهذا أفضل بكثير من الوقوف أمام رغبات الناس حتى لو كانت النتيجة لا ترضينى.
● هل تعتقد أن الدقائق الأخيرة سوف تشهد تربيطات سياسية واتفاقات بين المجلس العسكرى الحاكم حتى الآن وأحد المرشحين لترجيح كفته؟ أظن أن الجيش لن يأتى بمن لا يستطيع أن يدير أموره معه فالمجلس يعتقد أن شرعية الحكم للجيش صاحب 23 يوليو وحامى 25 يناير، وأنه لن يسمح أو يفرط لمن يضع العراقيل أمامه ومن السذاجة إذا اعتقدنا أن الجيش سوف يترك الأمر للصناديق فقط وأعتقد أنه إذا ما مالت كفة شخص ما بعيدا عن منظومة الجيش سوف يجد وسيلة لإعادتها له مرة أخرى بأى وسيلة.
● بعيدا عن معارك الرئاسة وتفاصيلها المدهشة، كيف استقبلت رحيل مطربة كبيرة بحجم الراحلة وردة الجزائرية؟ وردة آخر صفحة فى كتاب مدرسة أم كلثوم وبرحيلها انطوت هذه المرحلة دون رجوع لأنه برحيل فايزة أحمد وسعاد محمد وصمت نجاح سلام ثم رحيل وردة أعتقد أن مدرسة المساحات الواسعة من الغناء التى كان يمثلها كل هؤلاء قد اختفت للأسف وأنا شخصيا كان لى تجربة رائعة معها فقد غنت لى «قبل النهارده» وأحب أغنية وطنية هى بلد الحبايب وأغنية يارسول الله يا طه وهى كانت إنسانة طيبة وهى رغم جذورها الجزائرية إلا أنها كانت مواطنة مصرية ولم تحاول أن تتبرأ من هذه المواطنة مثل بعض المطربات اللاتى عندما يذهبن إلى بلد عربى آخر يتركون الكلام بالمصرية، وربما لأنها عاشت سنوات طويلة فى باريس فقد كانت واضحة وحاسمة وتقول للكذاب أنت كذاب فى وجهه فرحم الله وردة.
● هل أنت متفائل بالمستقبل غنائيا؟ أعتقد أن الثورة كانت، وسوف تكون بستان إبداع لا حدود له فقد استمعت مؤخرا إلى أغنيات فذة ورائعة مثل «نزلت وقلت أنا مش راجع» وفلان الفلانى «واثبت مكانك» وأغانى فريق اسكندريللا وأغانى الحجار لأحمد حرارة وغيرها الكثير وشعرت أن هؤلاء الشباب لديهم إحساس رائع بمن أصيبوا، ومن استشهدوا، وأنا واثق أن الثورة سوف تؤثر فى إنتاج الفن والأدب فى المستقبل إنشاء الله.
● ومستقبل مصر كيف تراه وترى نفسك معه؟ سواء فاز التيار الإسلامى أو تيار الفلول أو حتى الثورة المضادة أو التيار الذى أرضى عنه فأنا دائما سوف أكون فى صفوف المعارضين لأنه لن يستقيم أو ينعدل نظام إلا بالمعارضة فنحن سوف نكون من المعارضة مع من نحب قبل أن نكون مع من نكره وهدفنا دائما هذا الوطن وإسعاد أهله والتقدم به ورفع شأنه إلى ما لا حدود ولن نشبع أبدا مهما تحقق فالفنانون والأدباء دائما يحلمون بمجتمعات أرقى بكثير مما يحلم به السياسى ودائما نسبقهم بخطوة.