الحديث مع المخرج الكبير داوود عبدالسيد لا يمكن أن تضبط فيه الخاص الفنى والعام السياسى فإن قررت أن تتحدث معه فى السينما وأحوالها سوف تجد نفسك مجبرا على أن تسأله عن السياسة والرئاسة والدستور، داوود عبدالسيد تحدث فى مصر وأحوالها فى هذا الحوار: ● كيف ترى المشهد المصرى الآن ونحن على أعتاب انتخابات رئاسية فريدة فى تاريخ مصر؟ الحقيقة أن هناك أكثر من مشهد بالنسبة لى فى هذا التوقيت فأنا من بين المرشحين لانتخابات الرئاسة، لا أجد من يمثلنى ولا يوجد الشخص الذى يمكن أن أدعمه من بين من وصلوا إلى المرحلة النهائية وهى مشكلة لا تخصنى وحدى ولكن تخص عددا كبيرا من المصريين، ونحن فى هذا الإطار مضطرون لاختيار أفضل «السيئين» وهو شىء يزعجنى جدا وهناك مشهد آخر شديد الخطورة وهو ما ألاحظه الآن من انعدام التوافق الديمقراطى بين القوى السياسية وأبسط مثال هو مسألة الدستور وتشكيل اللجنة التأسيسية للدستور فقد فشلت القوى السياسية فى أن تنظم فعلا ديمقراطيا بسيطا بالاتفاق فيما بينها وهو مشهد فى منتهى الخطورة أيضا.
● لماذا لم تبحث أنت عن شخص يمثلك وتدعمه منذ البداية؟ كان متوفرا، فقد كنت أدعم أنا وغيرى د. محمد البرادعى وكنت أرى أن الرجل خير من يمثلنى لكن من حقه بعد أن ناله سيل من التشويه والتزييف أن ينسحب وذلك لأننا للأسف لا نتفق على اللعبة الديمقراطية ولو كنا اتفقنا على أصول اللعبة ما كان انسحب البرادعى لأنه ما كان سيتم تشويهه بهذه الصورة الفجة، حتى بعد أن انسحب البرادعى لم تستطع القوى السياسية التوافق فيما بينها وحتى الفعل الذى لم أكن موافقا عليه بالاتفاق على رئيس يتم تدعيمه من المجلس العسكرى وكتلة الإخوان المسلمين وأعنى منصور حسن تم الإخلال بها من الإخوان ويمكن أن تقول إنهم «حرقوا» الرجل فانسحب هو الآخر، الديمقراطية مثل لعبة كرة القدم لابد وأن تتم وفقا لقواعد وبأسلوب نظيف حتى تستمتع بها، وأنا أتحدث عن نفسى وعن آخرين، صحيح يمكن أن تجد مرشحين يمكن أن يلبوا احتياجات البعض لكن عن نفسى وآخرين مثلى لا نجد هذا المرشح.
● البعض يرى أن التيارات المدنية تركت الملعب خاويا أمام تيارات أخرى استطاعت أن تتوغل فى الشارع وهى تجنى ثمار ذلك الآن؟ أولا التيارات الدينية لديها خدمة مجتمع وتعمل فى الشارع منذ فترة لأن لديها تمويلا خارجيا وداخليا كبيرا وهم يعملون تحت مظلة الدين وهى الميزة التى لم يستطع حتى النظام السابق بسبب هذه الميزة ورغم الحصار أن يقصيهم تماما من الحياة السياسية وكل ما استطاع أن يفعله هو أن يزايد على ميزتهم بالدين أيضا بينما التيارات الأخرى التى تتهم الآن بأنها فشلت فى التوغل فى الشارع لم تكن أصلا منظمة وحتى الأحزاب التى كانت موجودة أيام مبارك استطاع النظام أن يخلع أسنانها ويقومها ولهذا التيارات الموجودة الآن كنقيض للتيارات الدينية التى خرجت من تحت الأرض وعلت البنيان تيارات بدأت من الصفر ولا يمكن ان تلومهم فما زال امامهم الكثير
● هل تظن ان التيارات الإسلامية بعد أحداث كثيرة مضت فقدت مصداقيتها مع الشارع؟ هم فقدوا جزءا من مصداقيتهم بالطبع لكن المشكلة أنه لا يوجد البديل المناسب ولم يطرح أى أحد بديل مناسب فالناس فى الانتخابات البرلمانية كانت أمام ثلاث صور الأولى لشخص بلحية مهندمة يرونه أمامهم وهو من يمثل الإخوان والثانى بلحية غير مهندمة يمثل التيار السلفى ويرونه أيضا أمامهم والثالث لشخص غير مفهوم الملامح والناس اختارت من يعرفونه وسوف يظل هذا الوضع على ما هو عليه حتى تتحرك القوى الموجودة فى الصورة الثالثة لكى تضع لنفسها ملامح مميزة ويتعرف عليها الناس.
● البعض يرى أن موقف القوى الرابعة وأقصد المجلس العسكرى مربك ومحير بالنسبة للبعض هل هو كذلك بالنسبة لك؟ أحيانا يكون الموقف محيرا فى بعض التكتيكات والخطط لكن من وجهة نظرى موقف المجلس العسكرى واضح جدا فهم مجموعة من البيروقراطيين يخشون مصالحهم تحاول العودة بالنظام إلى ما كان عليه حتى دون وجود رأس النظام وهو مقابل ذلك تراه يتفاهم مع تيارات أخرى ربما تشبهه من أجل الحفاظ على مصالحه وامتيازاته.
● كيف ترى أنت الحديث عن نزع امتيازات الجيش والمجلس العسكرى الآن؟ هو ضرب من الخيال ولا أعتقد أن هناك عاقلا يفكر فى إلغاء هذه الامتيازات وليس واقعيا أن تجردهم من هذه الامتيازات الآن وعلينا من أجل الحصول على ما نريده أن ندفع فدية الحرية وأعنى بقاء هذه الامتيازات كما هى عليه، فالثورة لم تحكم ولم يكن هناك رأس لها لينظم بعد ذلك مثل هذه الأمور.
● عدم وجود رأس للثورة كان البعض يراه ميزة رائعة هل تعتقد أنه أصبح نقمة عليها الآن؟ لا إطلاقا هو شىء كان له مزاياه وعيوبه فلو كان للثورة رأس وقتها كان من الممكن أن تقطع بسهولة ولكن بعد أن تمت الثورة كان لابد وأن يتم تنظيم القوى الثورية فى كيان كبير.
● البعض يرى أن هذه القوى انشغلت بتحقيق أهداف خاصة؟ أعتقد أن مطالبة هذه القوى بدفع الثمن طيلة الوقت شىء ظالم ومن يرى أن القوى الثورية حققت مكاسب شخصية وهذا حقها يهاجم من باب الهجوم فهم يستحقون ما هو أكثر وهو شىء إنسانى لا يمكن محاسبتهم عليه وهو يذكرنى بما حدث بعد نكسة 67 حيث اتهم المثقفون بأنهم سبب النكسة ونسى الجميع الجنرالات الذين تسببوا فيها. وفى رأيى أن أقصى ما يمكن أن تحاسب عليه القوى الثورية هو أنها لم تستطع أن تطور الثورة.
● ولكن رجل الشارع العادى أصبح بين مطرقة التيارات السياسية الانتهازية وسندان تقاعس التيارات السياسية الثورية ووجد نفسه أمام نظرية الزهق وطالب بالاستقرار بأى صورة؟ هذا صحيح، لكن فى النهاية لابد وأن نعرف أن «قماش الزهق» خرج من ماكينة تشويه القوى الثورية التى اتهمت 6 أبريل مثلا بأنها تتلقى أموالا من الخارج دون حق وهى التى صنعت الفشل الأمنى وهى التى قسمت المصريين وأنا ألتمس الأعذار للناس التى شعرت بالزهق ولكن لا يمكن أن نلوم القوى الثورية التى تستمر فى الجهاد. ● استمرار الثورة وجهاد القوى الثورية هل يعنى أن ما تم كان نصف ثورة؟ لا هو ثورة حقيقية ويكفى عزل رئيس هذا النظام ومحاكمته وأعتقد أن القوى الثورية فى طريقها للزيادة وسوف تزداد تأثيرا مع الوقت فالأجيال الجديدة المعنية بالمستقبل مطلعة وواعية أكثر وسوف يزيدون من خبراتهم مع الوقت.
● كيف ترى المشهد الفنى وسط كل هذا؟ لا يمكن أن تفصل الفنون عن ما يحدث بكل تأكيد لكنى متفائل للفن أكثر خاصة بعد اللمسات الإبداعية التى أراها فى فن مثل الجرافيتى ومع أجيال تقدم أغنية مختلفة وربما فى فن ثقيل مثل السينما والمسرح لا تجد هذا بنفس الدرجة خاصة أنه ما زال هناك نظام رقابى عقيم يتم التعامل به فنحن نتعامل مع رقابة على الأفكار قبل تنفيذ العمل ثم رقابة على العمل نفسه قبل أن تصطدم بإشكاليات سوق.
● أعتقد أنه يمكن أن تضيف الرقابة المجتمعية ومن يمكن أن نسميهم الرقباء الجدد من التيارات المختلفة؟ الرقابة المجتمعية المعنية بالأخلاق وغيرها يمكن مواجهتها بأنه إذا لم يعجبك فيلم ما لا تذهب إلى دور العرض.. الأزمة الحقيقية فيمن يريد إذا لم يعجبه الفيلم أن يغلق دار العرض وأن يصادر الرواية وهؤلاء أخطر بكثير لأنك فى هذه الحالة سوف تصطدم بالجهل.
● كمواطن قبطى هل ترى أن موقف الكنيسة بإطلاق حرية اختيار مرشح الرئاسة نابع من عدم وجود مرشح قبطى بارز فى هذه الانتخابات؟ أعتقد أن موقف الكنيسة هو الموقف الصحيح الطبيعى ولو كانوا فعلوا غير ذلك كانوا سوف يكونون مخطئين وأنا شخصيا لا أهتم بالمواقف الطائفية وأرى أن الناس يجب أن تنتخب الأصلح دون النظر لخلفيته الدينية لكن للأسف التيارات الإسلامية تفعل العكس.
● فى رأيك هل يمكن أن يستخدم المال السياسى فى العملية الانتخابية القادمة وهل تتوقعها انتخابات نزيهة؟ لا أعتقد أن هناك من سيدفع أموالا فى انتخابات رئاسة لكن من المؤكد أن المال سوف يلعب دورا فى اللعبة السياسية وهنا يأتى دور اللجنة التى أتمنى أن تكون حاسمة فى مثل هذه المسائل وأتمنى بالطبع أن تكون الانتخابات نزيهة.