تاريخيا.. بدأ عمل المجندين بالسخرة لدى الضباط منذ عشرينيات القرن الماضى، إلا أنه استفحل فى العقدين الأخيرين بشكل كبير، سواء فى استخدام المجندين بالعمل لدى أسر الضباط بشكل مباشر، أو استخدام المجندين سائقى سيارات الشرطة فى قضاء احتياجات أسر الضباط، لكن قانونيا لا يتم تسجيل سيارات الشرطة فى حالة خروجها من قسم الشرطة للاستخدام فى أغراض شخصية، سوى فى مأمورية مع الضباط. وتضم وزارة الداخلية وفقا للقرار رقم 8475 لسنة 2000 والكتاب الدورى رقم 3 ، نسبة 5% من قوة المجندين، للعمل فى «الخدمات المعاونة»، وهو ما يمثل نحو 12 ألف جندى فى الوزارة، بالإضافة إلى نحو 8 آلاف آخرين يتم استغلالهم بشكل غير مباشر فى أعمال خاصة بالضباط، وإثبات حضورهم فى أماكن خدمة عملهم، هذا وفقا لمصدر أمنى بوزارة الداخلية تحدث ل«الشروق».
وأكد مصدر، فضل عدم نشر اسمه، أن المجندين المنضمين ل«الخدمات المعاونة»، يتم إيفاد أعداد منهم لخدمة عدد من أعضاء الهيئات القضائية.
وبحسب المصدر الأمنى يكلف هؤلاء الجنود الوزارة أكثر من مليون و2500 ألف جنيه شهريا حيث يحصلون على رواتب ما بين 180 و200 جنيه، بالإضافة إلى ما يقرب من 600 جنيه ثمنا للإقامة والتغذية التى يحصل عليها من المعسكر المتواجد فيه وهو ما يكلف خزانة الدولة نحو 15 مليون جنيه سنويا.
كما أن السائقين وسرية «الصناع» والتى تضم العمال الحرفيين لا تنضم لنسبة الخدمات المعاونة من الجنود، وهى النسبة التى يتم الاعتماد عليها غالبا فى إنشاء الفيللات والوحدات السكنية فى المناطق الساحلية الخاصة بالضباط، مثلما حدث مع وزير الداخلية الأسبق، اللواء حبيب العادلى فى بناء الفيللات الخاصة بمنطقة 6 أكتوبر، والتى تمت إحالتها مؤخرا لمحكمة الجنايات.
تختلف طبيعة الجنود فى العمل، فمنهم من يعمل راضيا فى خدمة الضابط أملا فى الحصول على فترات راحة طويلة، دون أن يتعرض لأى مشكلات، ومنهم من يعترض ويتمرد ويتقدم بمذكرة رسمية ضد الضابط الذى يكلف بخدمته وهو ما يعرض الضابط للعقوبة القانونية.
ويؤكد المصدر الأمنى أنه فى السنوات القليلة التى سبقت ثورة 25 يناير تقدم نحو 600 مجند بمذكرات رسمية ضد الضباط، يتهمونهم باستغلالهم وإهدار كرامتهم، ولم تتم إحالة أى منهم إلى النيابة العامة للتحقيق، نظرا لعدم اختصاصها بذلك، وفقا للمادة 99 من قانون الشرطة والتى تنص على أنه «بالنسبة إلى الأعمال المتعلقة بقيادة قوة نظامية فإنها تخضع لقانون الأحكام العسكرية»، وهو ما يتم استكماله بقرار وزارى صادر يمنع إحالة الضباط إلى محاكمة عسكرية وتتم إحالتهم إلى مجلس التأديب.
وتضم إدارة التفتيش بوزارة الداخلية عشرات الوقائع التى تمت إحالتها للتحقيق، وتمت معاقبة الضباط فيها بعقوبات إيقاف تتراوح بين شهر و6 أشهر على أقصى تقدير، علما بأن حالات قليلة فقط تمت إحالة الضباط فيها إلى الاحتياط ومن بينهم لواء سابق شغل منصب مدير التخطيط بمطار القاهرة، وآخر شغل منصب مساعد الوزير ويدعى اللواء س . أ والذى تمت إحالته للمعاش بعد اكتشاف استغلاله مجندين فى بناء شاليه خاص به بالساحل الشمالى، ولواءات آخرون من بينهم ع. أمين، ر.أ، وتوجد التحقيقات الإدارية الخاصة بهم فى ملفاتهم بالوزارة، حسبما أشار المصدر الأمنى.
واقعة أخرى اكتشفها اللواء محمود وجدى، وزير الداخلية الأسبق، حيث اكتشف نحو 300 شخص ما بين مجندين، وأمناء شرطة من الدرجة الأولى، يقومون بخدمة حبيب العادلى دون تسجيلها فى الأوراق الرسمية، وتم استدعاء الأفراد، وتبين أن مقر خدمتهم فى عدة جهات تابعة للوزارة من بينها قطاع الأمن المركزى، والحراسات الخاصة، وأكاديمية الشرطة، ولكنهم يقومون بخدمة أقارب الوزير فتم إنهاء عملهم بالأماكن التابعة للعادلى، وإعادتهم إلى مقر عملهم.
سجلات الداخلية لا تخلو من عشرات وقائع السخرة ولكن بطريقة أخرى، وهى استخدام المتهمين الذين يقضون فترة المراقبة فى القيام بمهام خاصة للضباط مقابل استرضاء هؤلاء الضباط وتسهيل فترة المراقبة المحددة لهم.
وفيما تم حفظ تحقيقات الداخلية فى مئات القضايا من هذا النوع لجأ البعض إلى إقامة دعاوى قضائية، ولجأ آخرون إلى الانتحار هربا من الضباط الذين يلجأون لاضطهادهم، من بينهم معتمد محمد حسين، الذى انتحر فى قسم الشرطة، هربا من الضابط شريف السباعى، الذى استغله فى العمل بالسخرة خلال فترة المراقبة، وهو ما دفع أسرته لاقامة الدعوى القضائية رقم 2667 جنح قسم شرطة ثان أكتوبر، وصدر فيها حكم من محكمة جنوبالجيزة بحبس الضابط 6 شهور مع إيقاف التنفيذ.
يوضح اللواء حسن عبدالحميد، مساعد وزير الداخلية الأسبق والمتهم فى قضية السخرة مع وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى ل«الشروق» أن القضية تمثل السابقة الأولى التى يتم فيها إحالة التحقيق إلى النيابة العامة ومنها إلى محكمة الجنايات على الرغم من عدم اختصاصها.
ويشير عبدالحميد إلى أن أيا من مساعدى العادلى لم يكن يجرؤ على رفض طلب له، وأنه بحكم عمله كمساعد لوزير الداخلية لقطاعى الأمن والتدريب، استجاب لطلبات وزيره.
يوضح اللواء رفعت عبد الحميد بعض القواعد الخاصة بالتجنيد الإلزامى للجنود، وهى أن أعمارهم تتراوح ما بين 18 و21 عاما، وغالبية من يتم اختيارهم فى هذه الأعمال يكونون من المناطق الريفية، وذوى التعليم المتواضع، أو غير المتعلمين تماما.
ويستغل الضباط جهلهم بالقوانين ورغبتهم فى إنهاء خدمتهم فى الوزارة سريعا فى ضمهم إلى الخدمات المعاونة، فضلا عن أن قانون الشرطة قائم على طاعة القائد دون مناقشته فى أوامره.
يشير عبد الحميد إلى أن القانون يمنع تشغيل الجنود خارج مهام العمل الرسمية، موضحا أن الغرض أثناء فترة التجنيد أن يتعلم المجند مهنة يمكن أن يعمل بها بعد انتهاء فترة تجنيده.
وأضاف أنه عندما يُكتشف تسخير الضباط للجنود، يتم تغريمهم بدفع رواتب هؤلاء الجنود، ليس إلا، وهذا يعتبر استغلالا لثغرات القانون، خاصة أن راتب المجندين لا يتناسب مع الأعمال التى يقومون بها.
لافتا إلى أن المجندين الذين تم استغلالهم فى مثل هذه الأعمال عليهم أن يقيموا دعاوى قضائية، وأن يحصلوا على بدلات مالية مقابل عملهم فى مناطق نائية وتعرضهم للعيش فى ظروف غير إنسانية.
وشدد اللواء عبدالحميد على أن التشريعات القانونية لا تتناسب مع الجرم المرتكب ومن ثم يجب تغليظ العقوبة، موضحا أن إدارة التفتيش والرقابة بالوزارة هى التى تقوم بمباشرة التحقيقات مع الضباط وتحيلها إلى مجلس التأديب.
وأكد أن إحالة الضباط إلى النيابة العامة لا تتم إلا إذ كانت المخالفة مالية أو أفعالا مجرمة، مشيرا إلى أن العقوبة التى تنتظر الضابط حال تشغيله للجنود بالسخرة لديه تتراوح ما بين الإيقاف لمدة 3 شهور، وحتى الإحالة الاحتياط مع دفع أجور المجندين.