لم يرض البريطانيون بأقل من معرض غير عادى لفنانة غير عادية حيث حرصوا على أن يجمع معرض الفنانة الراحلة لويز بورجوا كتاباتها التى تعبر عن أحوالها النفسية جنبا إلى جنب مع أعمالها الفنية تماما كما اختاروا متحف "فرويد" مقرا لهذا المعرض الذى يقام بعنوان: "عودة المكبوتة" . وفيما يحتل عنكبوت هائل حديقة متحف فرويد كأحد أعمال الفنانة الراحلة لويز بورجوا، يتضمن المعرض فى حى هامبستيد شمال لندن مخطوطات جديدة لها اكتشفت مؤخرا وتفصح عن خبيئة نفسها .
ومتحف فرويد هو فى الأصل المنزل الذى أقام فيه أبو التحليل النفسى فى العالم سيجموند فرويد عندما فر لبريطانيا عام 1938 بعد أن سقطت النمسا فى قبضة النازية .
وعلى الرغم من خضوعها لتحليلات نفسية على مدى سنوات عديدة فإن الفن كان سبيلها الحقيقى للتعرف على حالتها النفسية بقدر ماضمن سلامة عقلها .
واعتبر الكس نيدهام الناقد فى صحيفة الجارديان البريطانية معرض لويز بورجوا الذى استغرق إعداده نحو تسعة أشهر "غير عادى"، موضحا أن مخطوطاتها وكتاباتها المعروضة تلقى أضواء كاشفة على حلقة مفقودة فى تطور مسيرة هذه الفنانة الكبيرة عندما انتقلت من المنحوتات الضخمة فى خمسينيات القرن العشرين إلى أسلوب مغاير وأشكال جديدة تماما فى عقد الستينيات التالى .
وشددت كارول أمينة متحف فرويد على أن كل الاجراءات الأمنية قد اتخذت لحماية معروضات لويز بورجوا من قطع فنية وكتابات وخواطر تعبر عن تبدلات وتحولات نفسية ، فيما كانت الفنانة الراحلة عرضة لكابوس يدهمها من حين لآخر وترى فيه تماثيلها ومنحوتاتها محطمة على الأرض .
وتوصف لويز بورجوا الفرنسية الأصل والتى حصلت على الجنسية الأمريكية بأنها واحدة من أكثر الفنانين تأثيرا وريادة فى القرن العشرين، فيما ابدعت خلال حياتها الفنية الطويلة العديد من روائع المنحوتات واللوحات وأعمال القماش .
ومن أعمالها الهامة المنحوتة البرونزية الضخمة "ماما" التى يصل ارتفاعها إلى 9 أمتار كأنشودة فن أهدتها لوالدتها .
وفى خضم الاستعدادات لهذا المعرض نقل عنكبوت هائل للحديقة الخلفية فى متحف فرويد فيما يتخذ العنكبوت شكل وحش ثمانى الأرجل وكان قد وصل مفككا فى صندوق عملاق قبل أن يجرى اعادة تركيب أجزائه.
وتكشف القطع الشعرية للويز بورجوا التى ولدت عام 1911 وقضت فى عام 2010 عن ماضيها وذكرياتها الفريدة عبر حياتها الثرية التى درست فيها الفلسفة والرياضيات بجامعة السوربون ثم اتجهت لدراسة الفن فى اكاديميات ومحترفات متعددة فى باريس وتزوجت من مؤرخ الفن الأمريكى روبرت جولدواتر لتنتقل للعيش معه والعمل فى نيويورك حتى وفاتها .
وتناولت لويز بورجوا فى عديد من أعمالها موضوعات تتعلق بالأمومة والهوية والذاكرة ودورات الحياة وتتنوع هذه الأعمال مابين المجاز والتجريد ، فيما تستعمل الأشكال الهندسية والعضوية والجسدية والمعمارية وأدت بعض منحوتاتها دور البديل لحالاتها النفسية كما صنعت لغة رمزية خاصة بها .
وتأرجحت ديناميكية العملية الابداعية للويز بورجوا مابين القرارات العقلانية واتباع الحدس للتوصل للنموذج الذى يجسد اللاوعى العميق لديها فيما كانت أوضحت أن الفن شكل وسيلة ساعدتها على التخلص من الخوف القوى والقلق .