لا ملصقات أو لوحة دعاية تخبر أن هناك معرضا فنيا، من مدخل كلية الفنون الجميلة وحتى الوصول إلى مبنى قسم الديكور. كان مؤشر الدعاية الوحيد على صفحات التواصل الاجتماعى فيسبوك هو صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود لمشهد مسرحى من «امرأة بلا ظل» كفيل بجذب الانتباه وإثارة الفضول لزيارة هذا المعرض المتميز للفنانة هنادى سليط.
كانت هناك، محاطة بطلابها فى الكلية وأستاذها ناجى شاكر الذى افتتح المعرض والذى لمع اسمه مع صلاح السقا فى أوبريت «الليلة الكبيرة» الأشهر، أستاذة الديكور بكلية الفنون الجميلة التى جمعت بين الشطح الفنى والالتزام العلمى الجاد. قدمت العديد من الرسوم لكتب الأطفال وحصدت عنها الجوائز مثل جائزة الشيخ زايد عن قصة البيت والنخلة فى 2011، وجائزة اتصالات عن كتاب «طيرى يا طيارة» فى نفس العام، وجائزة أنا ليند عن كتاب العين فى 2010، لكنها لم يغب عن ناظريها تخصصها الأصلى الديكور المسرحى أو السينوغرافيا كما يطلق عليه أهل الاختصاص.
فقدمت 24 لوحة هى معالجة تشكيلية لعمل مسرحى هو أوبرا «امرأة بلا ظل» لريتشارد شتراوس والتى كتبها هوفمان شتال، وهى ليست من الأوبرات الشهيرة للفنان العالمى مثل سالومى أو غيرها وقدمت على مسارح العالم مرات معدودة نظرا لصعوبتها واعتمادها على الرموز الكثيفة والأسطورة الشرقية المتشابكة وبالتالى التكلفة الضخمة لكل عناصر العمل الفنى.
ومع ذلك راحت الفنانة تفتش عن الصعاب، فقدمت تصميمات ومقترحات مختلفة لمشاهد المسرحية التى تجمع بين الامبراطور والامبراطورة ورحلتهما فى عالم من الأساطير ليكون لهما ظلا على الأرض، وتنقذ شريكها من الهلاك المنتظر.
نقطة البدء والغواية بالنسبة للفنانة هى الظل وإمكانية تنفيذ عمل فنى قوامه الضوء والظل، ويتداخل فيه الرمز الدرامى مع التشكيل الفنى. فقامت بعمل ماكيت مصغر لتفاصيل المشاهد المسرحية لتسكنها فى فضاء مسرح أوبرا القاهرة، معتمدة على خلفيات وشرائح مصورة، والفضاء المسرحى الذى أنشأته بكتل المكعبات والإضاءة التى تحولت لبطل أساسى فى التصميم عكستها عدسة مصورة فوتوغرافية محترفة.
يشيد الفنان ناجى شاكر بالعمل قائلا: «إذا كانت السيمفونية هى بناء موسيقى من خلال لحن أو لحنين، فأنا أعتبر المعالجة السنوغرافية التى قدمتها هنادى على نفس مستوى السيمفونية، فمن خلال ثلاثة عناصر هى المكعبات والشرائح والإضاءة استطاعت أن تترجم الحالة النفسية وتضىء اللحظة الدرامية للنص المسرحى الذى تتممه عناصر الموسيقى والأداء المسرحى».
ثم ماذا بعد؟ ألن يرى هذا العمل النور بتفاصيله الدقيقة ومشاهده المحرضة لأى مخرج أو مسرحى ليحوله إلى عرض فنى من دم ولحم؟ يجيب ناجى شاكر بابتسامة تعلو خبرة سنواته الثمانين: وهل يوجد مسرح أصلا حتى يكون هناك أوبرا ؟.
لكنه مع ذلك يؤمن بأن المسرح مازال حيا لأنه عمل مركب يجمع الفنون الأساسية من التصوير والنحت والعمارة والمسويقى فى بوتقة واحدة، وحتى إن غاب أو تعثر، فالبحث الدائم لا غنى عنه، أى خوض الصعاب والمشاكل وإيجاد حلول فنية عملية، فتتحول الفكرة إلى إبداع ملموس «الفن اكتشاف تماما مثل البحث المعملى الذى يولد الجديد فى أى مجال من المجالات».