في كتاب أصدره هذا الأسبوع أول مهرجان للسينما الافريقية بمصر يرى كاتب نيجيري أن السينما الافريقية لعبت دورا ثوريا في مرحلة الاستقلال ورغم تأثرها بأساليب فنية غربية فإنها عبرت عن الحماس لبناء الدولة الوطنية وإحياء التراث والبحث عن الهوية. ويقول نواشوكو فرانك أوكاديك إن الدول الافريقية رغم استقلالها السياسي في ستينات القرن العشرين فإنها لم تحقق استقلالا ثقافيا واقتصاديا يسمح بإنتاج سينما افريقية الهوية حيث ظلت آثار الاستعمار القديم تحول دون ظهور "سينما قومية حقيقية قادرة على التعبير عنهم ولهم" باستثناء أفلام قدمها مخرجون أفراد ولكنها لم تمثل تيارا فنيا افريقيا.
ويضيف في كتابه "سينما افريقيا السوداء" الذي ترجمه الباحث المصري محمود علي أن السينما الافريقية سعت "لإحياء التراث الثقافي بحثا عن هويتها المفقودة" موضحا أنها ليست هوية واحدة إذ تمتلك افريقيا ثراء إنسانيا وثقافيا يختلف من بلد لآخر بأشكال تسمح بتنوع التجارب السينمائية التي تأثر بعضها باستعارة تيارات فرنسية وإيطالية.
يقع الكتاب في 400 صفحة كبيرة القطع وأصدره مهرجان الأقصر للسينما الافريقية الذي افتتحت دورته الأولى الثلاثاء الماضي بمدينة بالأقصر الواقعة على بعد نحو 690 كيلومترا جنوبي القاهرة بمشاركة 34 دولة افريقية.
ويتنافس في مسابقة الأفلام الطويلة 16 فيلما من السودان وتونس والجزائر والمغرب وكينيا ونيجيريا والسنغال وجنوب افريقيا وبنين وبوركينا فاسو وساحل العاج ومالي ومصر.
أما مسابقة الأفلام القصيرة فيتنافس فيها 25 فيلما من تونس والجزائر والمغرب وموزمبيق وناميبيا والنيجر والسنغال وبوركينا فاسو والكاميرون والكونجو وغانا وكينيا وجنوب افريقيا ومدغشقر وزامبيا ومصر.
تنظم المهرجان مؤسسة شباب الفنانين المستقلين وهي غير ربحية وتعمل في مجال الفنون والثقافة منذ عام 2006 ونظمت العام الماضي أنشطة في القاهرة والمحافظات عنوانها (الفن ميدان) كما شاركت في ديسمبر 2011 في تنظيم احتفالات في القاهرة والإسكندرية والأقصر بمناسبة مئوية الروائي المصري نجيب محفوظ (1911-2006) باعتبارها عضوا في ائتلاف الثقافة المستقلة.
ويقول أوكاديك إن افريقيا كانت ضحية للخيال الاستشراقي منذ اكتشاف السينما إذ كانت أفلام الأخوين لوميير عام 1897 "تدمغهم بالغرائبية" وفي مرحلة لاحقة أضفت السينما الأوروبية نزعات العقلانية على الاستعمار وشوهت الأفارقة باعتبارهم "برابرة متوحشين وكائنات غريبة وتتنكر للأوروبيين الذين جاءوا لإرشادهم وحمايتهم" ووضعت تلك الأفلام صورة ذهنية لافريقيا في السينما الأوروبية حتى ظهور السينما الافريقية بعد الاستقلال.
ويضيف أن المخرجين الأفارقة سعوا إلى إبراز صورة لبلادهم "أكثر واقعية لمواجهة الصورة الأيديولوجية والفنية السائدة" وأن حكومات افريقيا السوداء أدركت أهمية السينما كأداة لنشر الثقافة التقليدية وما تواجهه من مشكلات كالجهل والمرض والنزاعات العرقية ولكنها لم تستطع تشجيع الاستثمار في السينما كصناعة قابلة للازدهار.
ويحيي أوكاديك "كفاح المخرجين الافارقة" بسبب السياق المعقد الذي يحيط بهم سياسيا واقتصاديا ونفسيا. ويسجل أن السينما الافريقية حققت نضجا جماليا وفنيا وإن لجأ بعض مخرجيها إلى الاقتباس من السينما الأوروبية والأمريكية.
ويضيف أن السينما الافريقية السوداء قدمت في سنواتها الأولى "أفلام الوعي القومي" التي تندد بالاستعمار وتنتمي إلى دول كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي ومنها السنغال وموريتانيا وبوركينا فاسو وساحل العاج. أما الدول التي كانت خاضعة للاحتلال البريطاني مثل غانا ونيجيريا فقدمت أفلاما ذات نزعة تجارية.
ورغم هذا التباين فإن أبطال حركة التحرير الأفارقة ممن نادوا بالتحرر التام عن ميراث الاستعمار ربطوا الاستقلال عن الاحتكارات الدولية بالنهضة الثقافية الافريقية كأداة لتحرر الذات والمجتمع.
ويقول أوكاديك إن رواد السينما الافريقية السوداء اعتبروا السينما "أداة مهمة للتنمية الثقافية لشعوب افريقيا... أداة تحريض ثورية من أجل التنوير اجتماعيا وسياسيا وفنيا... لعبت دور المحرض في تشكيل الوعي الثوري" لرفع مستوى الوعي لدى الجماهير.
ويرى أن هذه السينما تحفل بقضايا وأساليب مختلفة مثل حياة الشعوب الافريقية رافضا التعميم بوجود سينما افريقية واحدة بل اتجاهات وأساليب تتباين وفقا للخلفية التاريخية والثقافية لكل شعب.
ويضيف أن مرحلة ما بعد الاستعمار ربما تدل على حدوث "الاستقلال الشكلي... لاعتماد دولها على حكومات استعمارية... افريقيا واجهت صراعات قاتلة بإيعاز دولي وانقلابات واقتصاد مضطرب بسبب أساطين المال في الغرب الذين يحددون أسعار صادرات العالم الثالث إضافة إلى سوء الإدارة الداخلية".
ويقول المؤلف "أضرت التبعية الاقتصادية والعجز السياسي بالثقافة الافريقية" التي تتضمن تفاصيل ورموزا وثقافات تستعصي شفراتها على المشاهد الغربي "وتتحدى المناهج النقدية الشائعة في السينما الغربية".
ويختتم مهرجان الأقصر للسينما الافريقية الثلاثاء القادم بتكريم المخرج الاثيوبي هايلي جريما الذي عرض فيلمه (تيزا) في حفل الافتتاح.