فى الوقت الذى كان فيه ممثلو كل من الصين وروسيا يرفعا يديهما فى مجلس الأمن يوم الجمعة الماضى لإعلان الرفض لقرار فرض عقوبات على سوريا، مستخدمين حق الفيتو، بهدف الضغط على النظام لوقف آلة قتل الشعب المستمرة منذ عدة أشهر، كان هناك وفد رسمى من عدد من الشركات الصينية يزور ليبيا لبحث كيفية الاستفادة من نجاح الثورة الشعبية هناك التى أطاحت بمعمر القذافى بعد حكم دام 42 عاما. وكان نتيجة استخدام تلك الدولتين الآسيويتين لحق الفيتو فى اجتماع الجمعة والذى تبعه زيادة فى حصاد الشهداء السورى اليومى على أيدى جيش البلاد الموالى لبشار الأسد، انطلقت دعوات فى عدد من الدول العربية بمقاطعة المنتجات الروسية والصينية، كما ذكرت وكالات أنباء مختلفة، وذلك للضغط بورقة الاقتصاد كبديل عن الورقة السياسية.
وربما ترجع هذه الدعوة إلى معرفة أهلها بحجم المصالح الاقتصادية لتلك الدولتين فى المنطقة العربية والتى يمكن أن تكون بمثابة سيف عربى يشهر فى وجههما إذا تمت الاستجابة لها بنسبة كبيرة، فهذه المصالح لا تتوقف فقط على ضخامة الميزان التجارى بين الجانبين والذى يميل بشدة نحو الاقتصاديين الشيوعيين، إذ وصل إلى 150 مليار دولار مع الصين فى 2011، وبلغ 12 مليار دولار مع روسيا.
لكن إبراهيم العيسوى، أستاذ الاقتصاد فى معهد التخطيط، يستبعد أن تسفر ورقة الضغط تلك عن أى نتيجة فعلية، «كانت هذه الورقة نجحت مع المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية من خلال دعاوى مقاطعة منتجات أمريكا التى تدعم إسرائيل»، بحسب تعبيره، مشيرا إلى أن الروابط الاقتصادية العربية مع روسيا والصين خاصة لأنها تتسم بالقوة والتنوع والعمق، «منتجات الأخيرة تغزو كل ركن فى بلادنا بشكل رسمى وغير رسمى».
علاقات اقتصادية عميقة
وتتمتع الدولتان بعلاقات تجارية واقتصادية وثيقة مع العالم العربي، وقد ربط طريق الحرير بين الصين والعالم العربى فى الماضى وجعل العلاقات بين الجانبين قديمة قدم التاريخ، ومنذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية قبل عشر سنوات نمت التجارة بين الجانبين بصورة مطردة.
كما ترتبط روسيا بروابط تقليدية أكدها رئيس الحكومة فلاديمير بوتين خلال حديث تليفزيونى فى أكتوبر الماضى عندما قال إن العلاقات مع الدول العربية: «تتسم بطابع تقليدى»، مشيرا إلى وجود اهتمام مشترك لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية.
وبالرغم مما شهده العالم العربى من اضطرابات عنيفة وتحولات مفاجئة خلال العالم الماضى فقد وصلت العلاقات الصينية العربية إلى مستوى غير مسبوق وتواصل نموها بسرعة.
وتظهر إحصاءات أن قيمة التجارة الثنائية بين الدول العربية والصين ارتفعت من 36.4 مليار دولار فى 2004 إلى 145.4 مليار دولار فى 2010، كما زاد حجم الاستثمارات المتبادلة بين الطرفين حيث قامت الصين باستثمار أكثر من 15 مليار دولار فعليا فى الدول العربية حتى نهاية العام الماضي، ووصلت قيمة الاستثمارات العربية بها إلى 2.6 مليار دولار.
وأصبحت الدول العربية أسرع سوق تشهد زيادة للتعاون الخارجى بالنسبة للمؤسسات الصينية. وخلال المنتدى الصينى العربى للاقتصاد والتجارة الذى عقد فى سبتمبر الماضى أعرب مسئولون من الطرفين عن اعتقادهم بأن الصين ستصبح أهم شريك تجارى للدول العربية. وخلال المنتدى تم الاتفاق على إقامة 164 مشروعا بين الصين والدول العربية بقيمة تصل إلى 32.9 مليار دولار.
وقال رئيس بعثة جامعة الدول العربية محمد الحسن شبو إن واردات الصين من الدول العربية تتركز حاليا فى مجال النفط والمنتجات النفطية، ويعمل الطرف العربى على توسيعها إلى المجالات الأخرى وفتح السوق الصينى للمنتجات العربية.
وأشار إلى أنه منذ إقامة منتدى التعاون الصينى العربى فى عام 2004 قفزت قيمة التبادل التجارى بين الجانبين بنحو 30% سنويا، ومن المتوقع أن تقفز إلى 500 مليار دولار بحلول 2020.
وبالمثل ترتبط روسيا بعلاقات تجارية واسعة مع الدول العربية تأثرت بتداعيات الأزمة المالية العالمية والاضطرابات المستمرة فى العالم العربى. وفى عهد الاتحاد السوفييتى السابق استثمرت روسيا فى عدد كبير من المشاريع التنموية فى العالم العربى التى بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من مائة مليار دولار بالأسعار الجارية آنذاك.
ويصعب تحديد حجم الاستثمارات الروسية المباشرة فى الأقطار العربية حاليا لأن رأس المال الروسى يدخل إليها فى حالات كثيرة عبر مناطق الأفشور وأطراف ثالثة.
«حتى بعد نجاح ثورات الشعوب العربية فى إحلال ربيع حقيقى ستظل علاقات تلك الدول الاقتصادية بالعرب قوية» أضاف العيسوى، وقال: إنه ليس من المتوقع أن يقوم المسئولون الجدد بقطع العلاقات الاقتصادية مع الدول التى تدعم الحكام حاليا ضد الشعوب، مشيرا إلى أن روسيا والصين تحميان مركز وجودهما فى المنطقة والمتمثل فى سوريا باستخدام حق الفيتو لتجنيبها العقوبات.
مساعى الاستفادة مستمرة
ويؤيد هذه الرؤية سعى الدولتين إلى الاستفادة من اقتصاد المنطقة بعد نجاح الربيع العربى، فمثلا صرح وزير الطاقة الروسى سيرغى شماتكو عن استعداد شركات النفط والغاز الروسية لاستئناف العمل فى ليبيا، مشيرا إلى وجود اتصالات مع السلطات الجديدة وممثلى شركة النفط الوطنية الليبية لتمكين الشركات الروسية التى عملت فى ليبيا قبل الثورة من معاودة عملها.
كما ذكرت وكالة شينخوا الصينية مطلع الأسبوع أن الصين أرسلت فريقا من مسئولى الحكومة والشركات إلى ليبيا لبحث جهود إعادة الإعمار بعد الحرب وكيفية حماية الأصول الصينية.