أحببنا سيدنى بواتيه، أول ممثل أسود يسطع على شاشة السينما الهوليوودية، ممهدا الطريق لطابور طويل من الفنانين الملونين كى يصبحوا نجوما فى أفلام كانت، فيما سبق، لا تعترف إلا ببطولة الأمريكى الأبيض، وفى ذات فترة لمعان بواتيه. خلال الخمسينيات، عشقنا نكروما وجوموكينياتا، وخفقت قلوبنا مع نلسون مانديلا، ولاحقا ارتبطت عواطفنا بالملاكم محمد على كلاى، وغيره من الرياضيين السود. ومع مرور الأيام أصبح كل أسود قريبا من الأفئدة، هو منا، شريف ومظلوم، يحاول مثلنا أن يجد مكانا له فى عالم قاس لا يرحم، يحكمه ذوو السحن البيضاء. ولأن الحب المطلق هو الخطل المطلق، الأقرب للمرض، كان لا بد أن نفيق، وأن نشفى. مع بداية هذا القرن ارتفع نجم أحد السود، انتقل من مكان مهم إلى مكان أكثر أهمية، وتحول من السلك العسكرى إلى السلك الدبلوماسى، منظره يوحى بالثقة، نظارته الطبية تؤكد ثقافته، يبدو متحفظا، مهذبا، متحضرا. وقف ذات يوم أمام مندوبى العالم فى هيئة الأممالمتحدة ليستعرض لوحات لعربات نقل ضخمة، مؤكدا أنها تشتمل على معامل لإنتاج أسلحة كيميائية محظورة، وأنها تنتقل من منطقة لمنطقة داخل العراق، كى لا تكتشفها الرادارات، وبعد احتلال العراق، اعترف بأن ما قاله لم يكن سوى محض أكاذيب. لقد جعلنا كولن باول نفيق من غفلة الحب الموروث للسود، ثم ظهرت كونداليزا رايس، بفجاجتها، لتشفينا تماما من مرض الغرام بالملونين، واعتبارهم جزءا منا. جاء أوباما. نجم أسود ربما أجمل من سيدنى بواتيه، يعرف تماما كيف يستقبل كاميرات التليفزيون ببوزات تزيده فتنة، وربما لا علاقة له بالملاكمة أو محمد على كلاى، لكن من الممكن اعتباره بطلا فى مجال ألعاب القوى: العدو، القفز، الزانة، المتوازيين، اتضح أن اسم والده «حسين»، مما قربه إلى القلوب، وعقب خطابه فى جامعة القاهرة، انهمرت البرامج التليفزيونية عندنا. واستضافت عشرات المعلقين والمحللين والمتحاورين، وتوالت محاولات تفسير تهويماته المليئة بالوعود الطيبة، مع الابتعاد عن كلامه الواضح، الحاسم، إلى جانب إسرائيل، فبدت البرامج، فى بعد من أبعادها، مثل العذراء الحائرة، الخائبة، الممسكة بوردة، تتساءل مع كل ورقة تنزعها «بيحبنى.. ما بيحبنيش»، موحية فى هذا بأن مرض حب السود وأوهام حبهم لنا، لايزال قائما.