تعيش الأوساط الفنية حالة من الترقب مع اقتراب بدء انعقاد أولى جلسات مجلس الشعب الجديد وما يناقشه من ملفات ساخنة ذات صلة بالمجال الفني بعد سيطرة الإسلاميين على أغلب مقاعد المجلس. وإيمانا من وكالة أنباء الشرق الأوسط برسالة الفن في المجتمع المصري الجديد بعد ثورة 25 يناير المجيدة استطلعت أراء عدد من النقاد والفنانين لطرح رؤيتهم لرسالة الفن بعد الثورة.
الناقد السينمائي نادر عدلي يقول إن المجتمع يعيد صياغة أفكاره بشكل ثوري لتحقيق ما هو أفضل، معتقدا أن المحصلة النهائية ستكون إيجابية.... ويرى أن التخوف من سيطرة الاسلاميين على البرلمان ليس في محله ،وأرجع ذلك إلى أن صناعة الفن بشكل عام يمتهن بها حوالى 100 ألف شخص،ويصعب على أية جهة أوفئة معينة توجيه أو تحجيم رسالة هذه المهنة ،ويصف الحديث عن التخوف بأنه "لغة اعلامية"أكثر من كونه لغة فنية بحتة.
واعتبر أن لدى الفن أجنحة لا يستطيع أحد أن يوقفها أو يعطل رسالته إلى الجمهور، مستعرضا ما وصفه بلحظات ضعف المجتمع في أعقاب هزيمة 5 يونيو 1967 والخروج الجماعي للفن المصري إلى عواصم عربية لتقديم إبداعاته في الخارج، ملمحا إلى إمكانية تكرار هذه التجربة، وموضحا أن الذي يتحكم في أداء الفن خلال تاريخه صياغته وأعمال مبدعيه.
من جانبه، رأى الفنان الكبير مصطفى فهمي أن مصر تعيش حاليا حالة من الضبابية، وبالتالي يصعب إصدار حكم استباقي على موقف الإسلاميين من الفن قبل أن يمارسوا السياسة، مؤكدا أن الثورة ستظل مستمرة حتى تحقيق كافة المطالب ومن بينها المطالب الفنية الهادفة.
المخرج نادر جلال يرى أيضا عدم إصدار أحكام مسبقة على الإسلاميين، والتطرق إلى كلام مرسل في هذا الصدد قبل اتضاح كافة الرؤى... وأوضح أنه بالرغم من تصريحات بعض المتشددين التي أثارت القلق وبعض المخاوف في شتى المجالات ومن بينها المجال الفني، إلا أن كثيرا من الإسلاميين اتسمت آرائهم بالاعتدال.
وقال "ينبغي التركيز على المحتوى، وعدم تقديم أعمال سطحية بلا هدف"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الأفلام القديمة التي قدمتها السينما المصرية لم تتضمن أي مشاهد خارجة تخاطب الغرائز لتسىء إلى العمل.
وترى الفنانة رانيا محمود ياسين أن حالة ترقب تسيطر على الوسط الفني، غير أنها أكدت أن الوسط الفني شأنه شأن أي مجال آخر لن يسمح بفرض قيود عليه، وأن الفنانين لن يسمحوا لأي تيار في المجتمع بتهميش دور الفن أو أن يفرضوا عليه أرائهم.
وقالت إن الثورة لم تندلع من أجل إحجام الإبداع أو إضعاف دور المبدعين، وإنما طالبت بتحقيق الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، مؤكدة أن الفن الهادف هو الذي يسعى للارتقاء بمستوى القيم والأخلاق.
وأكدت أن الفنانين كافة بمختلف آرائهم وميولهم لن يسمحوا بنشر الفكر الوهابي في مصر أو فكر يفرض واقعا ديكتاتوريا جديدا، وإن من يتخيل أن ذلك سيتحقق فإنه واهم، مدللة بالإنتقادات التي تعرض لها مؤسسي ما أطلق عليها"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
ولفتت إلى إن تجربة الاسلاميين ستكون مفيدة إذا دعمت مجالات السياسة،الاقتصاد، العلم،السياسة، والفن والثقافة، منوهة إلى أن الدين عقيدة وسلوك ويدعو الناس بالفكر والحجة والبرهان والحوار والتفاهم والتعايش بعيدا عن القهر والقوة.
وأعربت رانيا محمود ياسين عن أملها في أن تشهد الفترة المقبلة تحقيق العدالة بين الفنانين، وخاصة العدالة في توزيع الفرص، وعدم التركيز على فنانين بأعينهم في إسناد الأدوار إليهم، مشيرة إلى أن الوسط الفني عانى من التدهور في عهد النظام البائد بتقديم العديد من الأعمال السطحية والرديئة، مشيرة إلى أنه لم يتم تقديم أعمال رفيعة المستوى على نفس قدر أعمال جيل حسين فهمي،أحمد زكي، محمود ياسين، ومحمود عبد العزيز.
من جهته، أكدالمخرج محمد فاضل أن مصر دولة عظمى تتمتع بخصوصية عن أي دولة أخرى ولن يستطيع أحدأن يغيرها لوجهته، مشيرا إلى أن مصر عبر فترات التاريخ أثبتت أن الشعب هو من يقوم بالتغيير، ويرفض أي إلزامات، وقال " من يريد أن يعرف المستقبل فعليه أن يقرأ التاريخ جيدا، وأن أي قوى ترغب في الحفاظ على موقعها في البرلمان عليها أن تحترم رغبات الشعب".
وأضاف "بلا شك يأمل الحريصون على مستقبل الفن بعد اندلاع ثورة 25 يناير في الارتقاء به،إلا أن أي تدخل من قبل أي تيار في أسلوب الإبداع سيواجه حتما بالرفض".
وأوضح أنه يصعب على الاسلاميين أو أي تيار سياسي أن يعارض أو أن يخسر وسطا بأكمله أو أن يفرض تغييرات ضد إرادة جموع المصريين، منوها إلى أن أي تيار سيسعى إلى تحقيق أهداف كافة الأوساط السياسية،الاقتصادية، والفنية، وخاصة أن قوى الأغلبية ستسعى جاهدة إلى تحقيق حياة آمنة ومستقرة للمصريين.
واستبعد ظهور محاولات لتحجيم أو إيقاف الانتاج الفني خلال الفترة القادمة، لافتا إلى أنه في حال وجود مثل هذه المحاولات فإنها لن تنجح، وقال "العديد من شركات الانتاج الخليجية ساهمت في إنتاج الكثير من المسلسلات التليفزيونية، وعلى مدار مشواري الفني قدمت نحو 40 مسلسلا تليفزيونيا، 20 مسلسلا منها إنتجتها شركات خليجية".
وأضاف "بعيدا عن التطرف أو التعصب لأي رأي، فإنه يجب أن يتفق الجميع على أن الفن الحقيقي هو إعلاء لقيم الحق والخير والجمال أما كل ما دون ذلك فإنه مرفوض وسيتم مقاومته، خاصة بعد الثورة".
وأوضح أن الأعمال السطحية التي كانت تقدم، لا تحقق أرباحا أو مكاسب مادية، مؤكدا أن الفن الجيد والأعمال الهادفة الجادة تستطيع تحقيق أرباح، مدللا بفيلمه ناصر 56، الذي حقق إيرادات بلغت 14 مليون جنيه في عام 1996،رغم أن ميزانيته لم تتجاوز ثلاثة ملايين جنيه.
ويرى أن المنافسة خلال المرحلة المقبلة ستؤدي إلى الارتقاء بالفن وتقديم أعمال تعبر عن فكر الأغلبية، مشيرا إلى أنه إذا لم يتم تنفيذها بشكل جيد، فإن الجمهور سينصرف عنها.