في مجموعة الشاعرة اسماء الحاج "ايقاع الكعب العالي" ما يمكن ان يوصف بأنه تزيين لفعل الزمن ومسيرته في النفس والجسد ومحاولة ستر عمله فينا بشكل او بآخر...والتزيين لا يستر فحسب بل ربما ساعد على تهدئة النفس وقام بعملية انعاش لها ولو في شكل موقت. وقصائد اسماء الحاج مسكونة بحزن عميق حتى حيث لا تتحدث عن الاحزان بشكل مباشر.جاءت المجموعة في 160 صفحة متوسطة القطع واشتملت على نحو 43 قصيدة وصدرت عن دار بيسان للنشر والتوزيع والاعلام في بيروت.
اسماء الحاج ولدت في عمان وتخرجت من قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة بيرزيت في رام الله.. وحصلت على ماجستير في الادب العربي من جامعة بيروت العربية.وهي تعمل حاليا في قناة القدس الفضائية بيروت كمقدمة اخبار وبرامج سياسية وثقافية.. وصدر لها سابقا مجموعة باسم "اشد وجعا من الماء".
القصيدة الاولى المسماة "امام المرآة" تبدو كأنها وسيلة خلوة مع الذات وما يشبه رؤية ثاقبة تخترق المسام الى داخل النفس وهي في الوقت نفسه غير مخدوعة بكل ما يخفي او يجمل.. انها نظرة عبر الزمن وتراكم تجارب في الحياة.
تقول الشاعرة "امام المرآة تنتصب قامتها ترى ما لا يراه الرفاق تسدل ستائر الشعر المهمل تتمتم بالنبرة المعهودة تخرج ذاك الظل من عتمته الى متى يظل الوجع راكدا على سطح الذاكرة؟من اين للندوب تلك القدرة على البقاء؟متى تزول بقايا الشوك من الوردة؟"
وتختم القصيدة بقولها "حورية تستنطق الماء تملح رغيفها كجوع المساء ترمي السماء بمخلب عينيها احمر الشفاه حزين والمشط مل العتاب والجسد ما عاد يغريه الغياب يطل كل يوم من عين المرآة على امرأة ترسم بكحلها عينا على غدها توسع بابتسامتها احلاما صغيرة تستعيد انوثتها بالعطر ترتدي الكعب العالي لعلها تسترد ايقاع القلب المهزوم."
وفي قصيدة بعنوان "ايقاع الكعب العالي" تجمع الشاعرة بين صورة هذا الكعب الذي استحال الى ما يشبه الرمز من جهة وصورة الحياة نفسها التي يسعى هذا الرمز الى اعطائها شيئا من التزيين من جهة اخرى.
تقول الشاعرة "على ايقاع القلب العالي: يدق القلب اوتاره يعزف اللحن المكتوم يثبت اوتاده في شفق الشوق لأنثى ترسم بالخطوات وشما على ظهر الوقت كي لا ينساها الطريق تعيد للساعة ذاكرة الموعد لذة الانتظار ضراوة الرجاء طيش الحب...
السيرورة ومرور ايام العمر تجد لها تعبيرا مؤثرا في قصيدة حملت عنوان "ارجوحة" حيث نكاد نلمح قافلة الايام في مسيرها وفي فعلها بنا ايضا.
هنا تقول الشاعرة "مرت ثلاثون قاحلات يضرم صداها مشاعل الجسد البالي يلوم رغبة الفناء كلما فتحت النافذة على الوجع المغروس في خاصرة الغياب اراني اتأرجح على ذراع شجرة عند مدحل بيتي العتيق احدثها عن الاحزان بفصاحة الأم برقة الأنثى عند اكتمال السحر..
"احيانا تساورني رغبة في العشق من جديد ان تنتصب قامتي بظهر رجل اشد ظهيرتي بظله فلا اخشى صفعة الحياة."
اما استرجاع الايام والذكريات الآفلة والناس الذين كان لهم في نفوسنا مكان فتعبر عنه الشاعرة في قصيدة حملت عنوان "رؤية".
تقول الشاعرة معبرة بإيحاء عن حالات من الافتراق وعن الحب الذي يعوض عن كثير من حالات البعد والفقد "اراك في منحدرات الغياب عند المخادع المقفرة في طوق الحمامة وهديل الرسائل اراك في وجه قديم امام عاشقين يسترقان الحب على قناديل الليل حين اصل شفير الامنيات وألقي نفسي من العمر الثلاثين ويكتب لي حب جديد."
في قصيدة "حديث الى رام الله" حزن وافتقاد وحنين الى ما يشبه فردوسا مفقودا ونفس تنوء بأثقال الحياة وكل ذلك في صور موحية تحمل الى النفس غبش امسيات يغلفها الحزن.
تقول "سآتيك غدا في ظهري انحناءة حزينة في صوتي قشعريرة الموال انكسار الشمس امام الظل احمل لك قصيدتي قافيتها سنوات النسوة المقهورة بحرها العجز والبال الطويل لا فرق بين الوزن والقافية كلاهما يستند على الوجع...
"سآتيك غدا انفض عني احتضاري فيك نعاس الضجر عادتي بوشوشة المساء القمر ورغيف النساء نجمتي وجمرة القلب تطفيء وجع الجليد كلمتني الغربة عنك."