لا يستسلم الشاعر والمبدع الأردني حكمت النوايسة في مجموعته القصصية "ليال ليست مفاجئة" لإغواء الشاعر فيه ويكسر وهم قارئ عجول بتوقع نص سردي يوغل في المفردة الشاعرية ما دام يكتبه شاعر خارج بامتياز من رحم الإيقاع. من الواضح أن صاحب المجموعة الشعرية "الصعود إلى مؤتة" وإن كان لا يستسلم لغواية الشاعر فيه تماما في نصوصه النثرية، فإنه في المقابل لا يحرم نصه من تدفقه حسب ما يحتاجه النص من مفردة شاعرية أو سرد متمكن.
التفاصيل الإنسانية
في مجموعته "ليال ليست مفاجئة"، التي تتضمن خمس عشرة قصة، يفاجئ صاحب "شجر الأربعين" قارئه بشده من السطر الأول وحتى نهاية نصه، بلغة أخاذة ومفارقات مدهشة، وغوص بعيد إلى التفاصيل الإنسانية الصغيرة، وضمن أجواء لا تخلو من وحشة واغتراب قاس يحاكي الدواخل الإنسانية.
لكن النوايسة إذ يفعل ذلك في مجمل قصصه، فإنه يقاربها من منظور الرائي المتدثر بمرارة وسخرية عالية يطفح فيها نصه.
وأبعد من ذلك يغامر، فيكشف عن أسماء حقيقية في نصه القصصي واثقا من أن ما يفعله، وإن كان غير مألوف تماما فإن القصة التي يكتبها تحتمله.
في قصته "يوم جديد" تبدو الأحداث، وكأن فكرة الجديد هي السخرية مما هو جديد، الذي هو بالضرورة الرتابة التي تكتنف البطل "معلم المدرسة". فيروز هي فيروز في كل أيامه، وليس بحاجة إلى يوم جديد لتطل فيه، الجيران والأصدقاء والسأم الدائم من مفردات الحياة اليومية، الهموم المادية وثقل وطأة صاحب البقالة إذ يذكره بآخر الشهر، فكرة الزواج والإقبال عليه، أو الانصراف عنه بحسب وصايا عزاب أو أزواج تعساء.
ربما تحيل قصة "يوم جديد" إلى نص مفتوح، أكثر منها إلى قصة بالمفهوم التقليدي، لكن من قال إن الحكاية غير الإفصاح عن كل هذا السأم، ورؤية المعتاد اليومي، وتكراره باعتباره أيضا حكاية درامية متأزمة على الدوام، حتى إن الكاميرا التي يحلم بها السارد على كتفه، لن تأتي بالجديد الذي هو بالضرورة قديم معاد.
الإلحاح الدرامي
وما بين "مغالباته" و"معاركه" وهما قصتان متواليتان يرسم النوايسة مآل الشخصية نفسها، فإذا كان البطل في مغالباته الذاتية يختتم المشهد على مآل أخير بعدم تحقق الانسجام له وأمنيته في أن يكون ثالث ثلاثة، وتسير الشخصية وحيدة في مشهد سينمائي بامتياز تسب يمينا وشمالا وتمشي حافية. فإن البطل في "معارك" يفشل في "معاركه" أيضا حينما يقرر أن يكتب تقريرا في زملاء العمل ليجد أن الجميع قد كتبوا فيه تقاريرهم.
تبدو القصة مألوفة في بعدها الحكائي، ولكن امتياز النوايسة في قصته هو الإلحاح الدرامي الذي كان يسيطر عليها، فالوصف الذي يصاحب بطل القصة وهو يصنع قهوته ويحادث نفسه، يبدو أقرب إلى الصور التلفزيونية الدرامية وهو على أية حال ما استخدم تقنيته في نهاية القصة.
في قصص النوايسة الكثير من دهشة اللغة، والكثير من الاغتراب والوحشة وقسوة المدينة، والكثير أيضا مما يمكن أن تفتحه الكتابة المفاجئة للمبدع النوايسة في لياليه غير المفاجئة.
يذكر أن الشاعر النوايسة قد صدر له من الدواوين "عزف على أوتار خارجية" و"الصعود إلى مؤتة" و"شجر الأربعين" و"كأنني السراب" و"أغنية ضدّ الحرب"، كما صدر له العديد من الكتب والدراسات النقدية.