بما أننى أزعم أننى موضوعى وأشجع اللعبة الحلوة، فقد وجب على التقدم بتحية واجبة إلى الشرطة بسبب حملتها الواسعة ضد الباعة الجائلين فى مناطق واسعة من شوارع القاهرة خلال الأيام الماضية. فى الثالثة من عصر الخميس الماضى مررت من أمام دار القضاء العالى ونقابة المحامين فى شارع رمسيس.. وجدت نقيب شرطة وخلفه بمسافة عشرات الجنود يتجه إلى أحد الباعة ويطلب منه بتهذيب مبالغ فيه أن يحمل أغراضه ويرحل، وإلا سيطبق عليه القانون.
طال النقاش واحتدم وتذكرت المنظر التقليدى و«لعبة توم وجيرى» التى كانت تمارسها شرطة مرافق العادلى مع هؤلاء البائعين خصوصا فى منطقة وسط البلد.
انتهى النقاش ووضع البائع أغراضه فوق رأسه وانصرف، ثم ذهب الضابط إلى بائع آخر وبدأ يكرر النقاش معه.
سألت النقيب هل تواجهون صعوبة فى إقناع البائعين بالانصراف فأقسم لى أنه يكاد يقترب من الإصابة باليأس من جراء ما يراه من سلوكيات منفلتة لم تكن موجودة عند المصريين.
الضابط قال أيضا إن التعليمات تتلخص فى الرفق واللين والاقناع، وبعدها تبدأ مصادرة البضائع وإحالة المخالفين للنيابة.
تركت الضابط ورجوته ألا يصاب بالاحباط حتى لا يقتحم الباعة الجائلون بيوتنا فى القريب العاجل كى «ينادون» على بضاعتهم ليبيعوها لأهل البيت والجيران!.
هذا الضابط وأمثاله يستحقون التحية بالفعل ومعهم رجال الشرطة العسكرية الذين يشاركون فى حملات إزالة المخالفات من الشوارع.
فى هذا المكان انتقدت جهاز الشرطة أكثر من مرة وبصورة قاسية أحيانا، ولم يكن الانتقاد إلا بهدف الإصلاح واليوم علينا أن نشجع الشرطة على تكثيف حملاتها حتى يتم تحرير الشوارع والميادين من قبضة الباعة الجائلين الذين خرجوا من القمقم، وبعضهم مستعد لفعل أى شىء من أجل استمرار عمله الذى يدر عليه الكثير.
قبل أسابيع التقيت بالصدفة فى ميدان التحرير بأحد قيادات شرطة المرافق الذى قال لى إن هناك حيتانا كبارا يقفون خلف هؤلاء الباعة الجائلين الذين يصل مكسبهم إلى 500 جنيه فى اليوم الواحد، وبعضهم هاجم رجال شرطة لأنه مستعد أن يفعل أى شىء للحفاظ على مكاسبه.
عندما غادرت شارع رمسيس عابرا إلى شارع الجلاء، وجدت بعض الباعة يحملون «البقجة» فوق رءوسهم ويهربون بسرعة.
للحظات شعرت بالفرح والشماتة فى هؤلاء الباعة الذين شوهوا صورتنا وصورة ثورتنا، ثم تذكرت أن معظمهم مغلوب على أمره، وأنهم يحاولون الحصول على دخل شريف، ثم أنهم وهذا هو الأهم ضحايا لنظام مجرم لم يوفر لهم فرص عمل حقيقية وكان يقاسمهم بالاتاوة لقمة عيشهم ومكسبهم الضئيل.
دور الحكومة ان توفر فرص العمل لمواطنيها، ثم أنها كان يمكنها إذا أرادت أن تخصص مساحة فى منطقة محددة لهؤلاء الباعة.
المهم علينا أن ندرك أن الأمن وابتساماته الجديدة، أو حتى عصاه الغليظة لن يحل بمفرده مشكلة الباعة الجائلين، بل السياسات الاقتصادية والاجتماعية العادلة، وبعدها يمكن تطبيق القانون بكل قسوة.
مرة أخرى تحية لكل جندى يشارك فى ضبط وحفظ الأمن وإعادة هيبة الدولة إلى الشارع.
تحية إلى روح الشهيد حازم عزب الذى قدم حياته كى يوفر لنا الأمن، واستشهد قبل ايام فى مدينة السلام.. وتحية لكل شهداء الشرطة ولكل مصاب نزف نقطة دم من أجل أمن هذا البلد.
ولانزال فى انتظار المزيد حتى تعود الشرطة كاملة فى خدمة الشعب، وأن تعمل فى ظل سيادة القانون العادى والطبيعى وليس قانون الطوارئ.