طبيبة أطفال بحكم المهنة التى اشتغلت بها منذ تخرجها فى طب عين شمس عام 1983 ونقابية بحكم الممارسة والانخراط فى العمل العام الذى بدأ منذ التحاقها بالجامعة، وديعة بحكم الملامح ونبرة الصوت ولكن عنيدة بحكم الشخصية وربما أيضا الخبرة الحياتية التى تضمن مشاهد قاسية وهى تصارع مع أطفال يفارقون الحياة لأن الدواء المطلوب لإسعافهم غير متوافر فى المستشفى الذى نقلوا إليه. إنها منى مينا، السيدة المسيحية التى تضع جانبا كل أبعادها الشخصية وتنخرط فى العمل النقابى والعمل العام يحكم كونها مصرية لها أفكار سياسية لا تحب أن تدلف إليها كثيرا وإنما توجزها فى الإيمان العقائدى بالعدالة والمساواة عناوين رئيسية لما يعرف اصطلاحا بجيل السبعينيات من القرن الماضى وعنوان لرفض السكون على واقع يضطر معه الشباب المتعطل واليائس لأن يصعد على مركب غير آمن بحثا عن حياة بعيدة عن اليأس على شاطئ آخر قد يحول الغرق دون أن يرسو المركب عليه. تتقبل منى مجتمعها بما له وما عليه وتعلم أحيانا كيف تترجم هذا التقبل لقرارات فعلية كما جاء التحاقها بكلية الطب عوضا عن الهندسة التى كانت تفضلها لكثرة الإعلانات التى حملتها الصحف المصرية لدى حصولها على الثانوية العامة تحت عنوان «مطلوب مهندس ذكر»، لكنها أيضا تعرف كيف ترفض التماهى مع الواقع كما هو الحال مع رفضها الدائم، والمتصاعد، لأحوال المستشفيات المصرية التى تقول إن بعضها، خاصة الحكومى منها، أشبه ب«الخرابات» وأحوال الخدمة الطبية التى تصر أنها لمن لا يقدر كثيرا ما تكون «خدمة صورية» ولأحوال الأطباء التى تصر أن نقابتهم عليها أن تسعى من خلال مجلس النقابة الذى سيتم انتخابه فى خريف العام الحالى لأن يحسن السعى فى البحث عن حقوقهم التى تضمن لهم العمل بكرامة وتقديم خدمة طبية حقيقية. شاركت فى ثورة 25 يناير منذ اليوم الأول لأنها كمواطنة مصرية كانت تشعر مثل كثيرين غيرها أن استمرار الحال أصبح من المحال لما وصل إليه الأمر من تراجع، ولكنها عندما ذهبت لميدان التحرير الميدان الرمز للثورة فعلت كغيرها من الأطباء فاصطحبت حقيبة صغيرة للإسعافات الأولية، كانت لبنة من لبنات المستشفى الميدانى، بمقره بمسجد عباد الرحمن، حيث كانت تتم إغاثة من يناله طلقات القناصة وهراوات الأمن المركزى ورصاصه الحى وعصى وخناجر من شنوا موقعة الجمل على المتظاهرين السلميين فى ميدان التحرير فى الثانى من فبراير. خرجت من ميدان التحرير ولكنها لم تبعد عنه لأنها مازالت تتابع تنفيذ مطالب الثورة ولكنها لا تفعل ذلك من خلال الانخراط فى جدل دائر حول تفاصيل إدارة المرحلة الانتقالية وقضايا المبادئ الحاكمة للدستور وإنما أساسا من خلال العمل النقابى واعتصامات الأطباء التى تطالب بما قد يبدو مطلبا فئويا وإنما هو فى الحقيقة مطلب بخدمة صحية أفضل للمصريين. ●●● مع انتهاء نهار الجمعة 28 يناير كانت هناك إصابات كثيرة بين المتظاهرين وبعد أن انتشر الخبر أنه يتم القبض على من يذهب للمستشفيات أصبح المصابون يخشون الذهاب إلى المستشفيات فتم نقل بعض منهم إلى أحد المراكز الحقوقية وتوجهت كما غيرى من الزملاء الأطباء لتقديم الإغاثة، وبعد ذلك تداعت المسائل فكان المستشفى الميدانى الذى كان الأطباء يجلبون إليه الاسعافات الأولية تطوعا وكان مواطنون آخرون يتطوعون بنقل هذه المواد للمستشفى الميدانى، رغم ما كان يتعرض له البعض أحيانا من توقيف ومصادرة لهذه المواد وإتلافها أو حتى الإلقاء بها إلى النيل. ●●● حماس لحظات الثورة قد يدفع الإنسان لتفاؤل أكبر مما يتحمله الواقع... ولكن الصعوبات بعد الثورات متوقعة... وفى الوقت نفسه لا يجب أن ينسب للثورة كل شىء ابتداء من سوء حالة المرور الذى هو ناتج عن استمرار غياب الدور الأمنى إلى الأحوال الاقتصادية التى كانت سيئة بالأصل وهو أحد أهم أسباب قيام الثورة. ●●● للنقابات المهنية دور مهم فى الدفع بالأمور فى الاتجاه الصحيح، والنقابات عموما هى ركن أساسى من أركان العمل العام. فى نقابة الأطباء نطالب بتحقيق مبدأ مهم من مبادئ الثورة وهو المبدأ المتعلق بالكرامة الإنسانية وذلك من خلال المطالبة بأجور كريمة للأطباء ومن خلال ميزانية كريمة للصحة بما يسمح بتحسين أحوال المستشفيات الذى أصبح كثير منها خاصة الحكومى أشبه بالخرابات وبتحسين الخدمة الطبية التى أصبحت فى كثير من الأحيان خدمة طبية صورية كما أن مجانية العلاج فى مصر هى أيضا مجانية صورية. وهذه هى ضمن المطالب الرئيسية لإضرابات الأطباء التى بدأت فى شهر مايو التى تعرضت للاتهام بأنها اضرابات لمطالب فئوية رغم أن إضراب الأطباء ليس أمرا غير متعارف عليه وهو يجرى فى دول عديدة بها خدمات صحية وأوضاع مهنية للأطباء أفضل بكثير مما عليه الحال فى مصر ورغم أن هذا الإضراب لا يشمل أصحاب الحالات الطارئة والحرجة. ●●● حتى الآن فإن الإضرابات لم تحقق سوى تغيير وزير الصحة وتكليف وزير صحة ينتمى للثورة وهذا أمر مهم ولكن الكثير من القيادات فى وزارة الصحة مازالت واجبة التغيير لأنها ترفض ما جاءت الثورة لتحقيقه بل تعانده. ●●● مصر موقعة على اتفاقات تقضى بالتزامها بأن تكون ميزانية الصحة 15 بالمائة من الموازنة العامة لكن فى الحقيقة فإن هذه الميزانية لا تتجاوز 3.9 بالمائة من الموازنة العامة، أى أقل من ثلث ما ينبغى أن تكون عليه، وفى الوقت نفسه فإن ميزانية وزارة الداخلية هى ثلث الموازنة العامة، وإذا ما أخذنا فى الاعتبار أن حتى هذا الجزء اليسير من الموازنة العامة لا ينفق بصورة رشيدة فى تقديم الخدمة الصحية وإنما يساء إنفاقه بمعنى أن بعض المستشفيات الحكومية تعانى من نقص فى مواد طبية رئيسية مثل القطن والشاش والمواد المطهرة فى حين أنها تقوم بتغيير الأرضيات إلى رخام بدلا من البلاط، عندئذ يمكن أن نفهم أسباب تداعى الخدمة الصحية وعدم نظافة المستشفيات وأسباب ضعف أجور الأطباء التى تدفع بالطبيب لأن يعمل فى مكانين وثلاثة بحيث يصبح منهك البدن وخائر القوى الذهنية والطاقة النفسية وهو ما يستتبعه أداء أقل مما يود ومما يجب أن يقدمه للمريض ناهيك عن الكثيرين والكثيرين، ربما نحو الثلثين من عدد الأطباء، الذى يبلغ نحو 100 ألف دون أن يكون هناك إحصاء دقيق، لأن يتركوا البلاد للعمل فى الخارج بحثا عن حياة كريمة، وذلك رغم أن كرامة هؤلاء الأطباء كثيراً ما تكون على المحك فى أحيان كثيرة. ●●● بعد الثورة الناس، بما فى ذلك الأطباء، أصبحت تشعر أن البلد أصبح بلدها من تانى وبالتالى فهى تتحرك من خلال وسائل كثيرة من بينها العمل النقابى لإعادة ترتيب الأمور فى البلد بما يؤدى لتنفيذ أهداف الثورة من عيش وحرية ومساواة وكرامة إنسانية ولكن للأسف فإنه بعد سبعة أشهر من الثورة لم يعد هناك نفس الشعور بالثقة ومرة ثانية أصبح البعض يتحدث عن السفر خارج مصر وربما السبب فى ذلك هو البطء الشديد فى تنفيذ مطالب الثورة الاساسية مثل العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ●●● تقسيم الميزانية فى الموازنة العامة اليوم لم يختلف عما كان عليه فى عهد يوسف بطرس غالى ومازالت الصحة والتعليم والبحث العلمى فى آخر قائمة الأولويات بالنسبة للدولة، ومازالت النخب السياسية منخرطة فى أحاديث لا تمس بالضرورة أولويات المواطن التى تتعلق اساسا بالتعليم والصحة والنقل... الناس فى ميدان التحرير وفى شوارع مصر وميادينها ماتت بالرصاص الحى علشان عايزه تعيش بكرامة، والخدمة الصحية جزء من هذه الكرامة. ●●● تحسين الخدمة الصحية يتطلب تجاوز ضعف التدريب للأطباء، وأيضا التمريض، وضعف الأمان الطبى فى غالبية المستشفيات وضعف النظافة وتوفير أجور عادلة للطبيب والفريق الطبى وهذه الأمور هى ما يجب أن يسعى إليها مجلس نقابة مهنى نسعى لانتخابه فى شهر أكتوبر القادم ●●● نحن أيضا نسعى لأن يصدر قانون للتأمين الصحى بحيث يكون بالفعل مظلة شاملة للتأمين وقد أوقفنا تقديمه لمجلس الشعب عبر الخمس سنوات لأن المشروع المعروض لا يجعله قانونا للتأمين الصحى بمعنى أن المشترك يحصل على الرعاية الطبية عندما يمرض بناء على الاشتراك السنوى الذى يدفعه وإنما يطالب بدفع نسبة من فاتورة العلاج وقد فعلنا ذلك رغم دعم الحزب الوطنى الحاكم بل وجمال مبارك نفسه لهذاالمشروع. لقد تم تطبيق هذا النظام بشكل تجريبى فى السويس وفشل، وبالتالى ينبغى إلغاؤه ليقوم المشروع على أن يكون اشتراك المريض نحو 3 بالمائة من أجره على أن يتحمل صاحب العمل، سواء الدولة أو القطاع الخاص، نسبة أخرى بحيث يحصل المريض على العلاج حال مرضه. ونحن لا نسعى لإيقاف العلاج الخاص ولكن يجب أن يكون علاج التأمين الصحى لا يقل فى الكفاءة والخدمة الطبية عن العلاج الخاص الذى ينبغى أن يتميز بنوع الفندقة وليس نوع العلاج وبحيث لا يضطر المريض أن يصرف كل ما لديه بحثا عن العلاج الخاص أو يخضع للعلاج الحكومى المتواضع أو يسعى للعلاج على نفقة الدولة وقد يناله أو لا يناله. ●●● العلاج على نفقة الدولة، رغم سوء استغلاله من قبل بعض المسئولين ومن قبل الموسرين، هو فرصة لأن يلقى البعض علاجا حقيقيا قد لا يتحمل تكاليفه خاصة فى حالات جراحات القلب الكبيرة وعلاج الأورام وما إلى ذلك. وهناك الآن حديث عن إلغاء العلاج على نفقة الدولة ولكننى أعتقد أن ذلك أن يكون لاحقا وليس سابقا على تطبيق نظام حقيقى وفاعل للتأمين الصحى ويوجد نظام مستدام للعلاج لكل المواطنين خاصة الذين ليست لديهم القدرة المالية، بما فى ذلك المتعطلون عن العمل.