مثلما برع الفنان الرائد محمود سعيد (1897 1964) فى تصوير المرأة الشعبية والمنظر الطبيعى والحدث الوطنى، برع أيضا فى الإمساك بالجانب الروحانى الصوفى فى العديد من الأعمال مثل الدراويش والذكر والصلاة. نستعيد اليوم فى شهر العبادة والتأمل لوحته الشهيرة «الصلاة» التى تسكن فى متحف محمود سعيد بالإسكندرية وتعد من أهم أعماله فى مرحلة الثلاثينيات، إذ تقدم نموذجا فى التكوين التشكيلى أو ما يسمى بعمارة اللوحة. أراد سعيد أن يعبر عن الخشوع فى الصلاة ونورانية العبادة، فقدم تصميما من الخطوط المتسقة المتصلة التى تعكس إحكاما فريدا، حيث أعمدة المسجد الراسخة وحركة المصلين فى سجودهم عبارة عن كتل نحتية راسخة الإيمان تظللها قباء الجامع، وبعيدا عن الخطوط الحادة، تشكل مفردات اللوحة أقواسا سلسة ناعمة وخطوطا متكورة الحركة التى تشكلها أجسام المصلين مع قباء المكان تنسجم جميعها مع خشوع الصلاة. ويبرز الضوء عنصرا أساسيا فى التكوين، إذ لا يتبع الفنان المنطق التقليدى للضوء والظل، من خلال ضوء الكوة الذى ينعكس على عباءات المصلين ويضيف لونا معدنيا ومذهبا، بل يبدو كما لو كان هناك مصدر آخر للضوء ينعكس على انحناءات القباء ويغمر المصلين بمثلثات ضوئية، كما تظهر الأعمام البيضاء على رءوس المصلين كما لو كانت هالة نورانية مضيئة تنبعث من داخلهم. أو كما قالت الفنانة المصرية الأرمنية آنا بوجيجيان عن هذه اللوحة أن الضوء يقوم بدور الرؤية الإلهية والبعد المطلق اللامتناهى. ولد الفنان محمود سعيد فى 8 إبريل عام 1897 بمدينة الإسكندرية منتميا لعائلة ثرية بمنطقة قريبة من مسجد أبوالعباس المرسى حيث ألحقه والده محمد باشا سعيد رئيس وزراء مصر فى ذلك الوقت، تخرج في كلية الحقوق عام 1919 وسافر لباريس لاستكمال دراسته العليا للقانون بها واغتنم هذه الفرصة ودرس بالقسم الحر بأكاديمية «جراند شومبير». عاد إلى مصر عام 1922 للعمل بالسلك القضائى وترقى به حتى وصل لمنصب مستشار بمحكمة الاستئناف العام، لكنه قرر اعتزال العمل القضائى عام 1947 والتفرغ التام للإبداع الفنى. صور العديد من المشاهد الطبيعية لمدينته الاسكندرية، كما أولى اهتماما كبيرا بالمرأة وخاصة بعد مشاركة المرأة المصرية فى ثورة 1919 فصورها شامخة حالمة تحمل على وجهها ملامح التحدى مثل لوحات نبوية المدينة بنات بحرى، كما صورها أيضا فى بعدها الرمزى كأيقونة الهوية القومية والوطنية. توفى فى نفس يوم ميلاده عام 1964 فى فيللا الأسرة والتى تحولت فيما بعد إلى متحف يجمع أعماله.