يقف المصريون مكتوفي الأيدي في انتظار ما سيسفر عنه مزاد" كريستي" القادم للأعمال الفنية العالمية الحديثة والمعاصرة الذي تنظمه يوم 26 من أكتوبر القادم، في مدينة دبي، وتعرض فيه أعمالاً لكوكبة من أشهر الرسامين المصريين في القرن العشرين، ومنهم محمود سعيد وراغب عياد وعبدالهادي الجزار وحامد ندا وسيف وأدهم وانلي، ولا يبقي لنا لنتعرف ونتمتع بإبداعات روادنا التي خرجت بدون توثيقها أو تسجيلها، إلا بمشاهدة صورها في الصحف وعلي الشاشات . من ضمن اللوحات المعروضة للبيع في المزاد لوحة للفنان التشكيلي الرائد محمود سعيد " الدراويش المولوية " التي رسمها عام 1929 وتصور ستة دراويش أثناء أدائهم رقصة ذكر علي مسرح السمعخانة في إحدي تكايا الطائفة ويقدر سعرها بأكثر من نصف مليون وهي من مقتنيات د. محمد سعيد فارسي حاكم مدينة جدة السعودية الأسبق . وعلي ضوء هذا البيع تحاورنا مع كل من الفنان عصمت دواستاشي احد روادنا المعاصرين وأحد المقربين للفنان محمود سعيد والموثقين لأعماله الفنان والناقد د. ياسر منجي الذي قام بعدة دراسات عن أعمال محمود سعيد . عن أهمية اللوحة يقول الفنان عصمت دواستاشي إن العبادة والطقوس الدينية ركن مهم من الفنون المصرية وهي عبادة عن طريق الفن ، ومتواجدة في الفن المصري القديم مثل موضوعات الحيا] والموت والعقاب ولوحات محمود سعيد تحمل الطابع الروحاني والديني مثل لوحتي الجامع والمصلين و"الدراويش" من أعظم اعماله لما فيها من قيم فنية وجمالية وتعبير عن فلسفة وعبر في اللوحة عن حالة" شحنة" روحية للمتصوف وهذا الموضوع لم يعد يتناول في الفن التشكيلي. ويكمل دواستاشي" نفتقد في مصر تسجيل اللوحات وتوثيقها ولا نعرف متي خرجت لنفاجأ بها معروضة للبيع وأن قيمة اللوحة الحقيقية ليست في بيعها بالخارج في مزاد علني ، بل في وجودها ضمن تراثنا نسجلها ويوثقها التاريخ". ويطالب دواستاشي المؤسسة الثقافية الرسمية بان تعيد كنوزنا بدل من ان يذهب مكسبها المادي والجمالي الي الآخرين، موضحاً ان تحاول صالات المزادات المصرية من بيع اللوحات الفنية للفنانين المصريين عوضاً عن عرض الأعمال المقلدة للفنانين الأجانب، وأن يقتني أعمال الرواد مصريون، بدلا من بيع اعمالهم في الخارج، بالتهريب الزمني الذي يتضح بوجود اللوحة بعد سنوات خارج مصر . ثغرة فنية ويضيف د. ياسر منجي أن لوحة " الدراويش " من اللوحات النادرة في الفن المصري لندرة تناول موضوعها تشكيلياً ، وهو الرقص الصوفي ، الذي بدأه جلال الدين الرومي في مدينة قونية التركية في القرن الثاني عشر، للتقرب من الله عن طريق الفن والحركة . وهي حالة روحانية تتم عن طريق لف الراقص بشكل دائري وهذا تمثيل لحركة الفلك حول الشمس وكأن كل راقص شكل من اشكال الاجرام السماوية كالكواكب، ولازالت هذه الطقوس تمارس في مصر في التكية المولوية بمنطقة الحلمية والإسكندرية. كما أضاف منجي : أن محمود سعيد بطبعه فنان روحاني الحس ، اهم ما يميز هذه اللوحة انه طبق فيها فلسفة الدراويش ورسم الراقصين في شكل الدائرة ومن خلفهم تماسك التكوين والفكر في الحلقة او ساحة الذكر الدائرية وكل منهم في حركة خاصة في الاطراف واللف تابعة لانفعاله النفسي وشحنته. ويرتدون الزي الابيض ويضعون علي رءوسهم " القاووق " وهي كلمة تركية تعني الطربوش. واكمل منجي : اللوحات الغائبة احدثت ثغرة في تسجيل التاريخ الفني وبالتالي النقد الفني وعرض هذه الاعمال القيمة في المزادات تجعلنا نتساءل عن حجم ثروات مصر الفنية التي هاجرت الي الخارج. ولماذا لا يتم تنظيم حركة البيع والشراء لهذه اللوحات ونطرح لها قوانين تضمن الحفاظ علي روائع الفن المصري؟