حزب العدل يشارك في قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    عيار 21 بكام بعد الارتفاع الجديد؟.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأحد 5 مايو 2024 بالصاغة    بعد معركة قضائية، والد جيجي وبيلا حديد يعلن إفلاسه    أسعار السمك اليوم الأحد 5-5-2024 بعد مبادرة «خليها تعفن»    بورصة الدواجن اليوم.. أسعار الفراخ والبيض اليوم الأحد 5 مايو 2024 بعد الارتفاع    هل ينخفض الدولار إلى 40 جنيها الفترة المقبلة؟    حملة ترامب واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري تجمعان تبرعات تتجاوز 76 مليون دولار في أبريل    عاجل.. رعب في العالم.. فيضانات وحرارة شديدة ومئات القتلى بسبب تغير المناخ    تظاهر آلاف الإسرائيليين بتل أبيب للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة    علي معلول: تشرفت بارتداء شارة قيادة أعظم نادي في الكون    أحمد مصطفى: نُهدي لقب بطولة إفريقيا لجماهير الزمالك    العمايرة: لا توجد حالات مماثلة لحالة الشيبي والشحات.. والقضية هطول    الأرصاد: انخفاض مفاجئ في درجات الحرارة.. وشبورة مائية كثيفة صباحًا    تشييع جثمان شاب سقط من أعلي سقالة أثناء عمله (صور)    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الأحد 5 مايو    كريم فهمي: لم نتدخل أنا وزوجتي في طلاق أحمد فهمي وهنا الزاهد    تامر عاشور يغني "قلبك يا حول الله" لبهاء سلطان وتفاعل كبير من الجمهور الكويتي (صور)    حسام عاشور: رفضت عرض الزمالك خوفا من جمهور الأهلي    ضياء رشوان: بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها لا يتبقى أمام نتنياهو إلا العودة بالأسرى    عمرو أديب ل التجار: يا تبيع النهاردة وتنزل السعر يا تقعد وتستنى لما ينزل لوحده    مصطفى بكري: جريمة إبراهيم العرجاني هي دفاعه عن أمن بلاده    البابا تواضروس يصلي قداس عيد القيامة في الكاتدرائية بالعباسية    حسب نتائج الدور الأول.. حتحوت يكشف سيناريوهات التأهل للبطولات الأفريقية    مختار مختار ينصح كولر بهذا الأمر قبل نهائي إفريقيا أمام الترجي    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    محافظ الغربية يشهد قداس عيد القيامة بكنيسة مار جرجس في طنطا    مصرع شاب غرقا أثناء الاستحمام بترعة في الغربية    إصابة 8 مواطنين في حريق منزل بسوهاج    رئيس قضايا الدولة من الكاتدرائية: مصر تظل رمزا للنسيج الواحد بمسلميها ومسيحييها    كاتب صحفي: نتوقع هجرة إجبارية للفلسطينيين بعد انتهاء حرب غزة    احتجاج مناهض للحرب في غزة وسط أجواء حفل التخرج بجامعة ميشيجان الأمريكية    الزراعة تعلن تجديد اعتماد المعمل المرجعي للرقابة على الإنتاج الداجني    اليوم.. قطع المياه عن 5 مناطق في أسوان    مكياج هادئ.. زوجة ميسي تخطف الأنظار بإطلالة كلاسيكية أنيقة    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    صناعة الدواء: النواقص بالسوق المحلي 7% فقط    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    عاجل.. مفاجأة كبرى عن هروب نجم الأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    عبارات تهنئة بمناسبة عيد شم النسيم 2024    تساحي هنجبي: القوات الإسرائيلية كانت قريبة جدا من القضاء على زعيم حماس    رئيس جامعة دمنهور يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكاتدرائية السيدة العذراء    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    نميرة نجم: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها غير موجود لأنها دولة احتلال    سعاد صالح: لم أندم على فتوى خرجت مني.. وانتقادات السوشيال ميديا لا تهمني    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    صيام شم النسيم في عام 2024: بين التزام الدين وتقاطع الأعياد الدينية    بعد الوحدة.. كم هاتريك أحرزه رونالدو في الدوري السعودي حتى الآن؟    عوض تاج الدين: تأجير المستشفيات الحكومية يدرس بعناية والأولوية لخدمة المواطن    لطلاب الثانوية العامة 2024.. خطوات للوصول لأعلى مستويات التركيز أثناء المذاكرة    محافظ بني سويف يشهد مراسم قداس عيد القيامة المجيد بمطرانية ببا    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    نجل «موظف ماسبيرو» يكشف حقيقة «محاولة والده التخلص من حياته» بإلقاء نفسه من أعلى المبنى    شديد الحرارة ورياح وأمطار .. "الأرصاد" تعلن تفاصيل طقس شم النسيم وعيد القيامة    المنيا تستعد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    مهران يكشف أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في التأمين    من القطب الشمالي إلى أوروبا .. اتساع النطاق البري لإنفلونزا الطيور عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثائق تنشر لأول مرة «3»..قبس من روح مصر

هذه صفحات قليلة كثيرة القيمة من تاريخ مصر الحديث من نهاية القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين.. أساسها الوثائق المكتوبة بخط أصحابها، والتى تنشر هنا لأول مرة، ومن هنا تكتسب مصداقيتها وأهميتها. هى فضلا عن ذلك لا تتعلق بالسياسة إلا مصادفة. فأصحاب هذه الوثائق وشخصياتها سياسيون وكتاب وأدباء وصحفيون وفنانون تشكيليون.
لذلك أطلقت على هذه الوثائق عنوان: «قبس من روح مصر». لأن الفنون والآداب، ومعهما الصحافة فى العصر الحديث، تشكل روح أى أمة. وقد قمت بدراسة وتحليل كل وثيقة وشرحها فى إطار ظروفها التاريخية، والتعليق عليها.
أعتقد أن نشر هذه الوثائق سوف يضيف إلى معلوماتنا عن أصحابها، وربما يغير من أفكارنا عن البعض منهم. يبقى أن أذكر أن الفضل الأول فى تجميع الوثائق الأصلية يعود إلى صديقى الفنان (الرسام والمصور) الكويتى جعفر إصلاح الذى يهوى جمع الوثائق.
محمود سعيد
لمحمود سعيد صفحات تضيق على الحصر فى تاريخ الفن الحديث فى مصر. فهو رائد عملاق عبقرى لفن التصوير الحديث فى العالم العربى. كان سكندريا ولد يوم 8 أبريل 1897 فى قصر أبيه الباشا محمد سعيد رئيس وزراء مصر، بجوار معلم من أشهر معالم الإسكندرية هو مسجد المرسى أبو العباس، ولابد أن جواره من هذا المسجد أثر فى تصوير لوحته الشهيرة «الصلاة» حتى يمكن القول بمدرسة الإسكندرية فى الفن المصرى الحديث على نافلة القول قديما بمدرسة الإسكندرية فى الفلسفة. فمن رواد مدرسة الإسكندرية فى الفن الحديث محمود سعيد ومحمد ناجى وسيف وأدهم وانلى ومحمود موسى.
هنا بضع صفحات من وثائق محمود سعيد الذى شرفت بالإشراف على إصدار كتاب تذكارى شامل عنه. وهو واحد من أفضل كتب الفن التى صدرت فى مصر شكلا ومضمونا إن لم يكن أفضلها، وذلك عندما أصدر صندوق التنمية الثقافية كتاب محمود سعيد عندما كنت مديرا له،
وأعده الفنان السكندرى عصمت داوستاشى وصممه الفنان السكندرى أيضا الدكتور مدحت متولى. وكنت قد كتبت مقدمة هذا الكتاب، بعد أن دفعت به إلى المطبعة، لكننى تركت الصندوق فى فبراير 1999قبل أن يخرج الكتاب من المطبعة، فوجدت مقدمة للمدير الذى حل محلى بدلا من مقدمتى! عادة مصرية، بل إن إدارة الصندوق لم تهدنى حتى نسخة واحدة، والنسخة الوحيدة التى أحتفظ بها عليها إهداء من الفنان عصمت داوستاشى!
رسالة
من جوانب عبقرية محمود سعيد أنه اتجه لدراسة بعيدة عن الفن، بل وتبدو معاكسة له، وليست بالطبع معادية. فلقد درس القانون حيث الالتزام والمحافظة، وحصل عام ثورة سعد زغلول 1919 على ليسانس الحقوق الفرنسية، لذلك عين فى النيابة المختلطة عام 1921، وتدرج فى سلك القضاء حتى وصل إلى درجة مستشار بمحكمة الاستئناف،
حتى استقال من القضاء عام 1947، أى أنه استطاع أن يجمع بين الالتزام وهيبة القاضى من جهة وحرية الفنان ونزقه من جهة أخرى لمدة 26 سنة!! كما جمع فى تصويره بين لوحة الصلاة، ولوحة ذات الجدائل الذهبية، حتى تفرغ للحرية وحتى نهاية حياته الجسدية فى يوم مولده 8 أبريل، ولكن عام 1964!
كان الدكتور محمد حسين هيكل باشا وزيرا للمعارف عندما كتب إلى محمود سعيد عارضا عليه المشاركة فى لجنة لاختيار ما يعرض من أعمال فنية بمتحف الفن الحديث بالقاهرة، وما يوزع على النواحى الفنية الحكومية الأخرى.
ولم يكن المتحف فى مكانه الحالى بجوار دار الأوبرا المصرية، ولكنه كان فى ذلك الوقت فى قصر تجران ملاصقا لقصر هدى شعراوى رائدة تحرير المرأة فى مصر، وذلك فى مكان الأرض الفضاء حاليا المجاورة لسينما قصر النيل والمطلة على ميدان التحرير من شارع قصر النيل. وقد هدم القصرين: تجران وهدى شعراوى مع ما لم يحص من قصور وتراث معمارى متميز.
حسين هيكل باشا هو الوحيد الذى تولى وزارة المعارف ثلاث مرات: الأولى من 27 أبريل 1938 حتى 18 أغسطس 1939، الثانية من 28 يونيو 1940 حتى 5 فبراير 1942 والثالثة من 19 أكتوبر 1944 حتى 15 يناير 1945.
رد محمود سعيد على وزير المعارف بخطابه بخط يده الواضح بتاريخ 9 يناير 1939 من بيته فى منطقة سان استيفانو بالإسكندرية معتذرا عن عدم المشاركة، بل مستقيلا من عضوية مجلس إدارة مدرسة الفنون الجميلة العليا وهى التى أصبحت كلية الفنون الجميلة فى القاهرة.
والسبب نقرؤه فى تفاصيل الرسالة مع التغاضى عن خطأين لغويين ارتكبهما محمود سعيد وهو القاضى - كما يفعل معظم الناس وهما تعبير: الاعتذار عن قبول، والصحيح هو القول: الاعتذار عن عدم قبول، لأن الاعتذار عن القبول يعنى أنه قبل وأنه آسف لأنه قبل، بينما هو يرفض القبول أصلا، ولذلك هو يعتذر عن الرفض. ومن أسف أن كتابا كثراً يقعون فى هذا الخطأ اللغوى، واللغة الصحيحة هى مفتاح الكتابة، أما الخطأ الثانى فهو قوله استقالتى عن عضوية والصحيح استقالتى من عضوية.
كتب محمود سعيد بأدبه الجم معتذرا وبإحساسه بالمسؤولية لصاحب المعالى حسين هيكل باشا:
«وإنى مع رغبتى الشديدة فى الاشتراك فى أعمال اللجنة لمضطر بزائد الأسف إلى استئذان معاليكم فى الاعتذار عن قبول هذه المهمة لعدم إمكانى التغيب عن مركز عملى بالإسكندرية أثناء الموسم القضائى إلا فى فرص معدودة. إنى لانتهز هذه الفرصة لأستميح معاليكم أيضا فى قبول استقالتى عن عضوية مجلس إدارة مدرسة الفنون الجميلة العليا لنفس الأسباب القهرية ولشعورى بالمسؤولية فى عدم حضورى جلسات هذا المجلس منذ تعيينى.
وختاما لا يسعنى أمام ما تبدونه معاليكم من الاهتمام بالفنون الجميلة وتنسيق شتى فروعها إلا تقديم وافر الشكر والامتنان راجيا أن يوفقكم المولى فى سياستكم الإنشائية وأن يكلل أعمالكم بكامل النجاح. المخلص محمود سعيد».
على الخطاب أربع تأشيرات لم أتبين أصحابها. اثنتان منهما بتاريخ 11/1/1939. إحداهما بالعربى نظر وربما كانت تأشيرة الوزير. وبجوارها تأشيرة بالفرنسية. والثالثة بتاريخ 12/1/1939 يرفع لإدارة مدرسة الفنون الجميلة وهذه التأشيرات الثلاث فى نهاية الخطاب. أما فى أعلى يسار الورقة فهناك تأشيرة مراقبة الفنون الجميلة وهى التى يتبعها متحف الفن الحديث.
رحلة
لدى رسالة موجهة إلى محمود سعيد مكتوبة بخط يد صعب القراءة وباللغة الانجليزية من آلان فاس، بتشديد الفاء، مؤرخة فى 29 يناير 1947 وعليها عنوان المرسل وهو 16 شارع صفية زغلول. وهو من شوارع وسط مدينة الإسكندرية المشهورة ويحمل اسم زوجة الزعيم سعد زغلول. ويبدو أن محمود سعيد كان مريضا وشفى،
إذ يبدأ فاس رسالته بتهنئة سعيد على الشفاء والعودة إلى العمل. ويبدو أيضا أن الرسالة رد على خطاب سبق لسعيد أن أرسله حول رحلة ينويان القيام بها إلى الأقصر، ويبدو أيضا أنها كانت رحلة عمل. كما تتحدث الرسالة عن محضر جلسة لاجتماع لم توضح تفاصيله، ولكنها أشارت إلى اسم دريوتان، مثلما أشارت إلى اسم السير روبرت ستيب ويحتاج الأمر إلى بحث حول ملابسات هذه الرسالة والأسماء التى وردت فيها. ونص الرسالة:
«عزيزى محمود بك سعيد
يسعدنى أن أعلم أنك شفيت تماما وأصبحت قادرا على العودة إلى عملك مجددا. ويسعدنى أيضا أن الموعد المقترح يتناسب مع خططك، وأتمنى أن نحظى برحلة سعيدة.
لقد تأخرت فى الرد على خطابكم لأننى كنت آمل أن يصلنى رد من دريوتان Driotan. إذ إننى لم أتسلم حتى الآن محضر الجلسة التمهيدية لاجتماعنا الأخير فى الأقصر فى ديسمبر 1945. يبدو أن دريوتان ينوى توزيع محضر الجلسة على الأعضاء مع الدعوة لاجتماعنا يوم 8 فبراير فى الأقصر. ومع ذلك، فأنا لم أتلق حتى الآن الدعوة للاجتماع أو تفاصيل خط الجولة التى وعد بها دريوتان. وسأخبرك بمجرد أن يصلنى هذا المحضر.
وإننى أراسل الآن سير روبرت ستيب Sir Robert Step، وربما يستطيع أن يعجل بالأمور.
حاليا نخطط أنا وزوجتى للسفر بالقطار يوم الأربعاء 7 فبراير لنلحق بالقطار الليلى من القاهرة للأقصر فى ذات الليلة. لقد قمت بسداد رسوم الحجز فى قطار النوم لأننا بالطبع سنحتاج إلى ليلة من الراحة إذا كنا سنبدأ عملنا فى الأقصر يوم 8 فبراير.
وتفضلوا سيادتكم بقبول فائق الاحترام
آلان فاس
30 يناير:
بينما كنت أقوم بإرسال هذا الخطاب وصلنى محضر الجلسة وخط سير الجولة، لذلك فالأمور تسير على خير ما يرام »
كتاب حياته
كان لمحمود سعيد مكانة كبيرة لدى الفنانين والنقاد والكتاب فى مصر نظرا لريادته الفنية وشخصيته المحترمة. ولهذا كان الجميع يقدرونه. من هذا التقدير رسالة الناقد بدر الدين أبوغازى إليه وقد خطها بيده فى 9 يونيو 1960 من بيته فى 1 ميدان الحرية بالمعادى التى كانوا يطلقون عليها ضاحية من ضواحى القاهرة!. كان بدر قد كتب كتابا عن محمود سعيد، وأراد أن يعرف رأيه فى الكتاب قبل تغليفه، أرسل له بهذا الخطاب الذى يبين مدى مكانة محمود سعيد، بقدر ما يبين مدى أدب أبوغازى الجم.
«سيدى الفنان الكبير محمود سعيد
أبعث إليكم بتحية ملؤها الصداقة والود.. وكنت أرجو أن يتاح لى لقاؤكم فى زيارتكم العابرة للقاهرة التى صادفت يوم صدور النسخ التجريبية الأولى لكتابى (محمود سعيد)، ولكن الساعات القليلة التى قضيتموها بالقاهرة لم تتح لى هذا اللقاء.
وأنا إذ أبعث لسيادتكم بنسخة من هذه النسخ الأولى من الكتاب أعتذر عما قد يكون بها من قصور لا تستطيع جهودى الفردية أن تتداركه. أود قبل أن تأخذ باقى نسخ الكتاب سبيلها إلى التغليف أن أقف على ما قد ترونه من ملاحظات بشأنه.. وكنت أود أن أضيف إلى الكتاب رسما من رسومكم فى الصحيفة البيضاء المقابلة لفصل (حول فنه) فلم أجد غير رسم نشر فى مجلة La Semaine Egyptienne كروكى سنة 1929. ولذا أرجو أن أقف على رأيكم فى شأن إضافته للكتاب أو إضافة رسم آخر إن رأيتم تزويدى بأحد هذه الرسوم.
ونظرا لأن المطبعة قد فرغت من طبع الكتاب، وقد أرجأت تغليفه انتظارا لملاحظاتكم، أرجو أن يتاح لى الاتصال تليفونيا بسيادتكم فى صباح الأحد حوالى الساعة العاشرة من القاهرة، وإنى إذ أبعث بخالص تقديرى ومودتى وإعجابى أرجو لكم موفور الصحة والطمأنينة ».
والمجلة التى أشار إليها أبو غازى فى خطابه هى: «الأسبوع المصرى» وكانت تصدر بالفرنسية، وكانت تنشر مقالات عن الفنون التشكيلية مع صور ورسومات.
استقالة مهذبة
لم تكن استقالة محمود سعيد من عضوية مجلس إدارة مدرسة الفنون الجميلة العليا فى بداية عام 1939 هى الاستقالة الوحيدة له، فبعدها بحوالى عشرين عاما كتب استقالة أخرى لأسباب مختلفة.
فى 16 يونيو 1958 كتب محمود سعيد خطابا إلى السيد كمال الدين حسين وزير التربية والتعليم ورئيس المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب الذى كان تابعا لوزارة التربية والتعليم عند إنشائه، ثم انتقلت تبعيته لوزارة الثقافة بعد ذلك، ثم تغير اسمه عام 1980 إلى المجلس الأعلى للثقافة.
المهم كان محمود سعيد عضوا فى هذا المجلس، وفى هذا الخطاب أبلغ الوزير.
«بما أن صحتى أخذت فى التدهور المستمر منذ نوفمبر الماضى نتيجة لارتفاع فى الضغط الدموى من الربو والالتهاب الشعبى بسبب كثرة انتقالاتى من الإسكندرية إلى القاهرة لحضور جلسات المجلس واجتماعات اللجنة التشكيلية وغيرها، فإنى بزائد الأسف أرانى مضطرا بناء على إلحاح أطبائى على الاستقالة من عضوية المجلس الأعلى ولجنتى المقتنيات والشعبة القومية للجمعية الدولية للفنون التشكيلية.
ولا يسعنى فى هذا المقام إلا أن أعبر لسيادتكم بما أكنه لكم من الامتنان والشكر والتقدير لكل ما أبديتم نحوى من ثقة وتشجيع أثناء قيامى بمهمتى بهذه الهيئات، داعيا المولى عز وجل أن يوفقكم والمجلس الموقر فى مهمتكم الإنسانية الكبرى لنهضة الفنون والآداب فى جمهوريتنا العربية المتحدة. المخلص محمود سعيد».
بعد ذلك بثلاثة أيام وفى 19 يونيو 1958 كتب محمود سعيد رسالة أخرى بخط يده إلى السيد يوسف السباعى، السكرتير العام للمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، قال فيها:
«يؤسفنى أن أخطركم أننى قدمت للسيد وزير التربية ورئيس المجلس الأعلى بتاريخ 16 يونيو 1958 استقالتى من المجلس ومن عدة لجان أخرى مقرها القاهرة بسبب تحول فى حالتى الصحية بينت بعض تفاصيلها فى خطابى للسيد الوزير. وقد اضطررت لاتخاذ هذا القرار لتكرار نفس العوارض كلما قضيت بضعة أيام بالقاهرة منذ نوفمبر الماضى بالرغم من العلاج المستمر منذ هذا التاريخ وتخلفى مرارا عن حضور جلسات المجلس ولجنة الفنون التشكيلية وغيرها. وقد تفضل وقام بأعبائها خير قيام زميلنا السيد عبدالمنعم هيكل.
وانى لشديد الأسف لهذه الظروف القهرية التى تمنعنى من الاستمرار فى مشاركتكم والمجلس الموقر فى القيام بالرسالة الإنسانية الكبرى التى أسس من أجلها. وإنى لأتمنى لكم وللسادة الأعضاء كل توفيق ونجاح فى رعاية الفنون والآداب داعيا للجميع بالصحة والسعادة والهناء».
لفت نظرى فى خطابى محمود سعيد السابقين ما يلى:
وجود شعبة قومية للجمعية الدولية للفنون التشكيلية فى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، وأعتقد أنها ذاتها لجنة الفنون التشكيلية، إحدى اللجان الدائمة فى كل تشكيلات المجلس حتى الآن.
أن النسخة الأصلية لكل خطاب من الخطابين بخط محمود سعيد عليها شطب وتغيير فى الكلمات بخطه أيضا، بما يعنى أن هذه النسخة الأصلية قد تكون مسودة للخطابين اللذين أرسلهما، فلا أتصور أنه أرسل الخطابين بالتشطيب والتغيير، وهذه قيمة مضافة للوثيقة.
كنت أتمنى أن يعثر جعفر على أصل الخطابين النهائى أيضا ربما أحدث فيه تغييراً آخر.
ثم هذا الأدب الجم الشديد فى الصياغة، بل أحيانا شبه المبالغة فى التقدير.. مما يدل على شخصية وأخلاق الفنان الرائد محمود سعيد. ودليل آخر على ذلك أنه بعد تقديم استقالته السابقة بما يقرب من شهرين وصلته دعوة لحضور اجتماع لجنة الفنون التشكيلية يوم السبت 9/8/1958،
فاهتم بأن يكتب مرة أخرى خطابا بخط يده ليوسف السباعى يذكره فيه بخطابيه السابقين باستقالته من المجلس ولجانه، وأنه أرسل خطابه ليوسف السباعى بالاستقالة بخطاب موصى عليه وليس خطابا عاديا لضمان وصوله. ثم رجا يوسف: التنبيه على الموظفين المختصين بالمجلس حتى لا يتكرر هذا السهو فى المستقبل.
«بون بون» هدية
ولدينا خطاب آخر طريف، ليس من محمود سعيد هذه المرة، بل موجه إليه من الكاتب بشر فارس. كتبه بخط يده فى 28 نوفمبر 1951. ويبدو أن محمود سعيد أرسل عليه حلوى كنا نطلق عليها «ملبس» ويسمونها الآن «بون بون» إلى بشر فارس - وكانا صديقين بمناسبة زواج ابنة محمود سعيد. فكتب الكاتب الساخر لصديقه الفنان قائلا:
« وصلتنى الهدية النفيسة الحلوة اللذيذة يوم وصولى القاهرة بعد سفرة طويلة! فما أظرف الاستقبال! ملبس يستقبل مفلس! ألف شكر على تذكرك لى والتفاتك إلى. ألف تهنئة تصدر من قلبى المحب لك، المجلّ لأهلك، على هذا الفرح السعيد. وعسى الله أن يتم أيامك وأيام أهلك بالرغد والحبور وأن يفتح لابنتك ولزوجها آفاق السعادة اللماعة. ولك من محبك المخلص لك دائما أعطر السلام. بشر فارس » .
كان الدكتور بشر فارس من رواد التنوير فى العالم العربى، وأحد رواد المذهب الرمزى فى الأدب العربى الحديث. متعدد المواهب الأدبية: شاعر، قصاص، كاتب مسرح، وباحث فى الفنون التشكيلية والتراث الإسلامى. ولد فى بكفيا فى لبنان عام 1907. حصل على الدكتوراه من جامعة السربون. هاجر إلى مصر وعمل أمين سر المجمع العلمى المصرى الذى أتشرف بعضويته، كما قام بالتدريس فترة فى جامعة القاهرة، وتفرغ للتأليف. توفى فى 21 فبراير 1963.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.