قبل عام تقريبا، أعلن الرئيس أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: «عندما نعود إلى هنا مرة أخرى فى العام المقبل، سوف نستطيع إبرام اتفاقية تسفر عن عضو جديد فى الأممالمتحدة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة، تعيش فى سلام مع إسرائيل». وكان عاما ضائعا! ففى كل مكان تقريبا من الشرق الأوسط، هناك حركة مؤثرة، ورائعة، ومتفاوتة، فالمنطقة تحطم أغلال الاستبداد القديمة، وتسعى للحصول على نصيبها من العالم الحديث. لكن الفلسطينيين والإسرائيلييين ما زالوا أسرى رواياتهم العقيمة والمتعارضة عن حالة الضحية، ويبدو أنهم مصممون على ضمان هزيمة البشرى على يد الحقد القديم. كان عاما من الضياع الرهيب! ●●● ولا يوجد بديل سوى حل هذه الصراع الأكثر إثارة للألم، غير أن أيا من الطرفين لم يصل لهذا الإدراك؛ بعد 63 عاما، كانت فيها كفة ميزان القوة تميل ناحية إسرائيل على نحو طاغٍ، بينما الدولة الوحيدة القادرة على إعادة التوازن الولاياتالمتحدة غير مستعدة لذلك، حيث لا مجال فى سياستها من أجله. وبوجه عام، يكون السلام بعيد المنال عندما ينحرف ميزان القوة لهذه الدرجة. وعندما يعود أوباما إلى الأممالمتحدة خلال أسابيع قليلة، سوف يواجه عواقب سنة ضائعة. وكما هو معتاد، سيكون هناك الكثير من اللوم. ففى سبتمبر الماضى، واجه أوباما لحظة من أسوأ لحظات حياته، عندما استدعى الزعيمين الإسرائيلى والفلسطينى إلى البيت الأبيض، لإعلان تجدد المحادثات، فلم يحدث سوى رفض إسرائيل تمديد فترة وقف بناء المستوطنات. والآن، يسخر الفلسطينيون عندما تقول لهم الولاياتالمتحدة: «ثقوا بنا، تعالوا إلى الطاولة، نستطيع أن نفى بالتعهد». لقد كان عام الفرصة المهدرة! وكان لدى الفلسطينيين سبب كافٍ للإحباط إزاء التحايل العقيم، الذى يمارسه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وهو ما أفقدهم الشعور بالاتجاه، بعدما كان يتنامى طوال عامين بتوجيه من رئيس الوزراء سلام فياض. ويبدو أنهم اختاروا عملا من أعمال المسرح السياسى لن يصل بهم إلى شىء، وسوف يضعهم فى مواجهة مع الأممالمتحدة. وفى العام الماضى، دفعت جهود فياض لبناء دولة فى الضفة الغربية المدارس والطرق والمؤسسات وقوات الأمن البنك الدولى إلى إعلان أن السلطة الفلسطينية مهيأة لقيام دولة «فى أى وقت فى المستقبل». غير أن فياض لم يحصل على اعتراف من إسرائيل بإنجازاته: تراجع العنف الإرهابى فى الضفة الغربية بنسبة 96 فى المائة خلال السنوات الخمس الماضية. وتجاهلت إسرائيل شريكا ممكنا وهذا إهدار إجرامى! ●●● ومن ثم، صار محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، ميالا إلى فكرة الذهاب إلى الأممالمتحدة فى سبتمبر للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية. وهى فكرة لا تروق لفياض، لأنه براجماتى يهتم بالنتائج وليس الرمزية. وستكون نتائج هذا النهج إذا اتبع سلبية. فسوف تستخدم الولاياتالمتحدة حق الفيتو فى مجلس الأمن ضد المطلب الفلسطينى. وقد يصوت الحلفاء الأوروبيون الرئيسيون لصالح الفلسطينيين، وسيكون التصويت بنسبة 14:1 محرجا بالنسبة لإسرائيل. كما أن التصويت فى الجمعية العامة سيكون ساحقا لصالح الفلسطينيين. غير أن ذلك لن يحقق للفلسطينيين شيئا. فلن تحصل الدولة على عضوية الأممالمتحدة. وسوف تتوقف المعونة الأمريكية البالغة نحو 550 مليون دولار سنويا، بسبب استياء الكونجرس. وقد يقطع الإسرائيليون الغاضبون أيضا الإيرادات الجمركية. وسوف يستمر الاحتلال مع ما يسببه من مهانة. كما قرر عباس أيضا توقيع اتفاق مصالحة غير مدروس مع حماس. أثبت منذ توقيعه أنه ولد ميتا، لأن حماس لن تقبل إصرار عباس على بقاء فياض رئيسا للوزراء. وكان ينبغى على عباس بدلا من ذلك بحث تطبيق هدنة لإجراء انتخابات خلال عام، تتيح للفلسطينيين اختيار من يمثلهم. فلم تؤد المصالحة الفارغة مع حماس إلا إلى تعزيز موقف نتنياهو، وإثارة غضب الكونجرس، وإحراج فياض. وكان الضياع بالغا حتى إن اللجنة الرباعية، المجتمعة هذا الأسبوع فى واشنطن، لم تستطع حتى الاتفاق على بيان. فقد أعجب الفلسطينيون بذكر السلام «القائم على حدود 1967» فى خطاب أوباما الأخير. وكره نتنياهو الخطاب لكنه أعجب بذكر «إسرائيل كدولة يهودية ووطن للشعب اليهودى». وبين حدود 1967 العزيزة على الفلسطينيين وهاجس الدولة اليهودية لدى نتنياهو، استعصى على اللجنة الرباعية إيجاد صياغة لتشجيع المحادثات. ويعتبر إصرار إسرائيل على اعتراف الفلسطينيين مقدما بإسرائيل «كدولة يهودية» سخيفا، فهو إشارة قوية على تنامى انعدام الإحساس بالأمان لدى الإسرائيليين. ولم يكن هناك مثل هذا الإصرار قبل عشر سنوات. والاعتراف يكون بالدول وليس بطبيعتها، وقد اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل فى «الوجود بسلام وأمن». ولن يقدم الفلسطينيون تفصيلا لاعترافهم قبل المفاوضات، بينما يرفض نتنياهو توضيح لما قد تعنيه صيغته الغامضة «دولتان لشعبين». فقضية الدولة اليهودية هى قضية إضافية لآخر مراحل أى محادثات. ومن ثم، يكون دفعها إلى صدارة جدول الأعمال مجرد طريقة نتنياهو فى وضع تكتيكات التأجيل قبل التفكير الاستراتيجى مرة أخرى. الهدر مذهل، بينما تلوح فى الأفق كارثة مروعة.