يقدم الكاتب عماد الدين عيسى دراسة نقدية ل"علاقة نجيب محفوظ بالسلطة"، كوثيقة تعطينا مفتاح لعالم نجيب محفوظ وليس إبداعه فقط، و الدراسة طبعت في كتاب صادر عن دار ابن لقمان للنشر. يتساءل الكاتب نبيل خالد، في تقديمه للكتاب: هل جربت أن تقرأ روايات نجيب محفوظ بنظرة أعمق وقراءة حقيقية، هذا ما ينادى به عماد الدين عيسى. فكل حدث وكل شخصية في أعمال نجيب محفوظ لها رمز خفي طبيعي غير مصطنع؛ فمثلا- في رواية "اللص والكلاب"- هذه العلاقة بين سلطة تقول ما لا تفعل. ويقول المؤلف إن الأدب الحر، في عصر محفوظ، يتحايل على التعبير من وراء أقنعة ورموز، مؤثرا ذلك على الصمت أو النفاق، معربا عن اعتقاده بأن سره خفي عن أعين السلطة، حيث عجزت عن البطش به، ولكن لعلها وجدت في نقده المستمر محاسبة ذاتية، لا رفضا لجوهر رسالتها أو خصومة جذرية لها. ويشير الكاتب إلى أن لغة السياسة تتمادى في قصص وروايات نجيب محفوظ حتى في أحرج الظروف، فيلجأ محفوظ إلى التعبير غير المباشر، أي يتعامل مع الإبداع على مستوى الرموز لضرورة عدم الصراع المباشر بسبب آرائه السياسة. ويستعرض المؤلف رؤية محفوظ السياسية من خلال "الثلاثية"، بدءا من عام 1899 وحتى الحرب العالمية الثانية، مبرزا موقف حزب الوفد من الصراع، ثم مجيئه إلى الحكم بدعم الإنجليز، طارحا الأسئلة الجوهرية: كيف يحكم الشعب؟ ما نوع السياسة التى ستتبع في الحكم؟، ومن هم الذين يمكن أن يسقط عليهم محفوظ دور الحاكم، خاصة وهو يرى أنهم يحكمون بالبطش عندما ينقلب عليهم الحاكم؟ ويأتي المؤلف إلى محاكمة نجيب محفوظ لكل حكام مصر، منذ العصر الفرعونى وحتى عصر الرئيس الراحل السادات، فى رواية محفوظ "أمام العرش". ويوضح أن ما يعنينا هو فكرة المحاكمة التى تبين موقف نجيب محفوظ من السلطة، بدءا من عصر "مينا"، عبورا بالعصر الفارسى والإغريقى والرومانى إلى مرحلة المسيحية والعصر الإسلامى والأموى والعباسى والعصر المملوكى، فالزمن العثمانى، بلوغا عصر "محمد على" وأسرته، وصولا إلى ثورة عبدالناصر. وهنا يؤكد نجيب محفوظ أن تاريخ مصر الحقيقى بدأ مع 23 يوليو 1952، لكنه فى ذات الوقت يرى أن عسكرية جمال عبد الناصر فاشلة. ويوضح الكاتب عماد الدين عيسى- فى نهاية الكتاب- أن الأديب الراحل نجيب محفوظ لم يذكر موقفه من عهد الرئيس السابق مبارك، لأن محفوظ مرض وتوفى أثناء عصر مبارك؛ كما أن المبدع لا يقدم شهادته عن أى عهد أو سلطة إلا بعد نهايتها، حيث تكون التجربة قد اكتملت.