لو كان من نجاح يمكن للإنسان أن ينسبه إلى مجلس الوزراء والمجلس الأعلى فى الأحداث الأخيرة فهو أنهما أعادا لقطاع واسع من المصريين روح التوحد مرة أخرى بعد أن بدأ الانقسام الحزبى والأيديولوجى ينال من ثورتنا. ولكن الثائرين توحدوا ضدهما. ولو كان هذا مقصودا، فهذا نجاح مبهر. ولو من دروس نستلهمها من أحداث الأسبوع الفائت: فلا نؤجل عمل اليوم إلى الغد بنفس منطق الرئيس السابق. وما كان ينبغى فعله فى يونيو ويتأخر ليوليو سيتم فى يوليو ولكن بتكلفة أعلى وبهرجلة أكثر وبخسائر أكبر كان ينبغى أن نتجنبها. والدرس الثانى، هو أن إدارة العمل الحكومى تحتاج حنكة وحكمة وحزما. الحنكة تقتضى أن نعرف مطالب الناس وأن نأخذها بجدية. وحكمة بأن نرتب الأولويات بما يحقق مصالح القطاع الأوسع من الناس. والحزم بأن نترجم المطالب والأولويات إلى قوانين تلتزم بها الدولة وأن تُلزم بها الآخرين. والأكثر حنكة وحكمة وحزما يترجم كل ما سبق إلى مؤسسات ونظم معلومات واتخاذ قرار. والدرس الثالث، هو أن ما بنى على خطأ، سيستمر على خطأ. وسوء الاختيار من البداية سيؤدى إلى مشاكل فى النهاية. والمدير الفنى الذى يعرف أن أحد لاعبى فريقه غير موفق أو غير جاهز ويدفع به رغما عن وجود البديل الأكفأ هو يعبث بالصالح العام للفريق كله. والدرس الرابع، الكبار لهم الاحترام، ولكن مستقبل الوطن يعتمد على الجيل الجديد (أ) و(ب). وأرجو أن يستوعب أبناء الجيل الجديد تناقضاته وأن يحسنوا التعايش فيما بينهم. وأقصد بالجيل الجديد (أ) تحديدا من هم فى الأربعينيات لأنهم سيكونون فى موقع مسئولية كبيرة قريبا جدا، وعلى هؤلاء أن يتقدموا الصفوف بفكرهم وبرؤيتهم وبحسن إدراكهم للمهمة الجيلية الملقاة على عاتقهم. والجيل الجديد (ب) هم شباب الثلاثينيات والعشرينيات ممن سيكونون فى المقدمة قريبا للغاية، والكثير منهم نشطون سياسيا ولكن لست متأكدا من مهاراتهم الإدارية والفنية التى تجعلهم قادرين على تولى المهام الجسام التى ستكون ملقاة على عاتقهم. ورغما عما للسياسة من أهمية، لكن الزمن الذى نعيشه سيحتاج العلم والمهارات المتنوعة وعلى رأسها المهارات التكنولوجية والإدارية. الدرس الخامس، النجاح الحكومى يقتضى معه مساندة إعلامية. ويشهد الإنسان أن هناك مجهودا كبيرا يبذل داخل الحكومة مثل منع عشرات القضايا التى كانت سترفع على مصر بسبب سحب أراضٍ من مستثمرين أو عدم وفاء الحكومة ببعض الالتزامات بسبب وجود قضايا منظورة أمام القضاء. وفى إعادة التفاوض استعادة لأموال ضخمة للوطن وإنقاذ مصر من أن تصبح دولة طاردة للاستثمار ومكبلة بديون لسنوات طويلة قديمة. وهو عمل جليل، لكن يبدو أن الإعلام، سواء الحكومى أو الخاص، غير مستعد للبحث عن إنجازات فى هذه الفترة. الدرس السادس، أعتقد أن مؤشرات الأداء الحالية تؤكد أن حكومة «ما بعد الثورة» لم تكن بالضرورة «حكومة ثورية» فى كل تكوينها أو أدائها. ورغما عن الجهد المبذول من قبل الكثير من المسئولين المخلصين وعلى رأسهم رئيس الوزراء، لكن هناك فجوة بين حجم المسئولية الملقاة على عاتقهم، وحجم السلطة الممنوحة لهم، وبين قدرتهم هم على ترجمة هذه السلطة إلى قرارات، وبين قدرتهم على تحويل القرارات إلى فعل سياسى. الفجوة بين المسئولية والسلطة يملؤها المجلس العسكرى، والفجوة بين السلطة والقرار المفروض أن يملأها المستشارون لرئيس الوزراء والوزراء (شريطة أن ينصت المسئولون للمستشارين)، والفجوة بين القرار والفعل يملؤها الجهاز البيروقراطى للدولة. وفى كل فجوة مشكلة، ولكل مشكلة حل إذا مكنا أهل الاختصاص والعلم.