وراء تشهير وافتراءات مواقع وقنوات التطرف بحق من يصنفونهم معارضين بنية فكر التطرف الدينى الباحث دوما عن عدو يحرض ضده بمسميات يجهل دعاة التطرف معانيها ومضامينها. فهذا ماسونى، وذاك علمانى، وآخر ليبرالى، ورابع ديمقراطى، وخامس ماسونى علمانى ليبرالى ديمقراطى وفى المحصلة النهائية كافر بأمر شيوخ التطرف. فما علاقة مثل هذه الممارسات المريضة بالدعوة التى تزعم مواقع وقنوات التطرف قيامها عليها؟ لا شىء، فالدعوة الحقيقية هى تواصل مع الناس فى الخير وبالخير وللخير معرفا بالإيمان والتقوى، الدعوة الحقيقية هى تواصل سلمى مع المخالفين فى الرأى ومحاججة «بالتى هى أحسن» دون تكفير أو تشهير ودون صناعة لأعداء متوهمين. فكر التطرف الدينى غير قادر على الحوار العقلانى الرشيد لتمسكه بادعاء احتكاره للحقيقة المطلقة. فلا حوار حقيقيا حول مضامين الديمقراطية والليبرالية والمواطنة والمدنية ممكن مع شيوخ التطرف. ولا إعمال للعقل ولملكة التفكير الحر، وجميع الأديان تحض عليهما، لفهم جوهر ما نطرح فى الدفاع عن حرية شخصية لا تخالف المرجعية الدينية، وحقوق فردية تقف عند حد حقوق الغير والمجتمع، ومواطنة حقوق متساوية لكل المصريين دون تمييز، وتنظيم للعلاقة بين الدين والسياسة ينزه الأول عن تقلبات الثانية ويحظر احتكار الحديث باسم الدين فى السياسة. بل إن فكر التطرف الدينى فى بحثه المستمر عن أعداء يحرض ضدهم لا يتورع عن مخالفة منظومة القيم والأخلاق الدينية، تارة بالتحريض ضد من لا يميز الإسلام ضدهم كالمسيحيين واليهود، وتارة بالتجاهل التام لاحترام كرامة الإنسان الذى كرمه الله. هنا الفواصل محدودة بين الخاص والعام، فمن يشهرون بمخالف فى الرأى بافتراءات قد ترتب تكفيره فى نظر أتباع شيوخ التطرف لا يتورعون عن التحريض ضد الآخر الدينى واستساغة ممارسة العنف ضده باسم دين هو منهم فى كل هذا براء. لسنا نحن فقط أعداء التطرف الدينى، بل أيضا دعاة الإسلام المستنير والمتسامح كما عبر عنه دوما الأزهر الشريف واستعاد ذاكرته أخيرا فى وثيقة المواطنة التى وقعت عليها بالأمس معظم القوى السياسية والوطنية. لسنا نحن فقط أعداء التطرف الدينى، بل أيضا الأغلبية الساحقة من المصريات والمصريين التى فطرت فى ظل التزام دينى راقٍ على التسامح والمحبة واحترام الآخر. ولا بديل إزاء التطرف الدينى هذا سوى الاستمرار فى مواجهته باسم الإسلام المستنير، وباسم قيم الإنسانية العليا المتمثلة فى العدل والمساواة والحرية وكرامة الإنسان التى تؤكد عليها جميع الشرائع السماوية، وباسم دولة المواطنة والديمقراطية التى نريد بناءها لكل المصريات والمصريين دون تمييز بين مسلم ومسيحى ويهودى. فترك الوطن لشيوخ التطرف المستدعين بمظهرهم الخارجى لشرعية دينية لا يستحقونها والمستسيغين لترويج الأكاذيب والتحريض بالباطل دون اعتبار لما يدعو إليه صحيح الدين ودون نظر للتداعيات الشخصية والمجتمعية معناه ردة مرعبة لعصور ظلامية نتمنى أن لا تعود وإخفاق محقق فى بناء مصر الحرة والديمقراطية والعادلة لكل مواطنيها. والحيلولة دون هذه الكارثة مسئوليتنا جميعا من مؤسسات دينية وقوى سياسية ووطنية وإعلام مهنى نزيه. نعم دفعنى الإحباط إلى الانقطاع ليومين عن الكتابة وللتفكير فى اللجوء للقضاء كحل أخير للتعامل مع خفافيش الظلام ودعاة التطرف باسم الدين. إلا أننى، وبعد أن أعدت ترتيب أوراقى واستعدت بعضا من الهدوء النفسى وعزمت على الاستمرار فى مواجهتهم بالقلم وبمتابعة الإسهام فى العمل العام المخلص من أجل بناء مصر الجميلة والمتسامحة التى تبحث عنها أغلبية ساحقة من المواطنين. فالمسئولية أعظم من أن تترك، ولست ممن يلقون الراية سريعا.