أتابع اليوم أيضا مع افتراءات وأكاذيب دعاة التطرف وممارسى تكفير الآخر باسم الدين، والدين منهم براء. فربما كان أكثر ما هالنى وأظهر لى مدى قبح وخطورة مواقع وقنوات التطرف فى سياق حملة «حمزاوى الماسونى» هو تسجيل حديث لأحد شيوخ القنوات التليفزيونية (لن أذكر لا اسم الشيخ ولا اسم القناة لأسباب تتعلق بحقى المدنى وإمكان مقاضاة الطرفين) يردد به الافتراءات التى أشرت إليها أمس ويحذر المشاهدين منى بلغة يمنعنى حيائى واحترامى للقراء من استنساخها. وكان الشيخ فى التسجيل يقرأ جزئيا من مقال أكاذيب أعده منذ أسابيع بخيال مريض وبضمير مهنى ميت صحفى لأحد المواقع الإلكترونية (هنا أيضا لن أذكر لا اسم الصحفى ولا اسم الموقع لأسباب تتعلق بحقى المدنى)، ثم يضيف ما يهيئه له خياله هو أيضا من افتراءات. نبهنى للتسجيل بعض الأصدقاء المخلصين وطالبونى برفع دعوى قضائية لخطورة تورط شيخ له جمهوره فى الترويج لحملة «حمزاوى الماسونى» وللبون الشاسع بين أكاذيب يرددها إعلاميون لا مصداقية لهم وبين تشهير شيوخ يدعون الإيمان والتقوى. إلا أننى فضلت بداية، وبعد نصيحة مخلصة لصديق سبق أن تعرض لحملات مشابهة، التواصل مع الشيخ المعنى ومطالبته بالاعتذار علنا. وكانت غايتى أن نرتقى جميعا بسجالاتنا العامة، ونباعد بينها وبين أحكام القضاء، وألا نزج بالدين وبالدعوة فيما ينبغى أن ننزهما عنه، على الرغم من أخطاء المتمسحين برداء الدين، وربما تقديم نموذج فى التسامح لجمهور المواقع والقنوات المتطرفة الذين إن تركوا فريسة للفكر المتطرف حتما سيتحولون لعبء كبير على الفكر والخطاب الدينى وعلى مصر ككل. غير أن محاولتنا التواصل مع الشيخ المعنى لم تسفر عن شىء إلى الآن، ومازالت افتراءاته وأكاذيبه مسجلة على النت تتداول مستندة إلى شرعية ردائه الدينى وتدفع بعض جمهوره إلى تكفيرى. فأى كبر على الحق والأمانة والنزاهة هذا الذى يمارسه داعية للدين الحنيف؟ وكيف تمنعه الغلواء عن التراجع عن باطل ردده وعن تشهير تورط به؟ وكيف لا يتحرج من عدم تحريه لا الدقة ولا الأمانة فيما عرضه على مشاهدين يعلم جيدا قابليتهم للتأثر بما يقول ولتصديقه بمجرد رؤية لحيته وعمامته؟ وهل يمارس أمثال هذا الشيخ شيئا من النقد الذاتى عندما يتضح لهم خطأ ما ذهبوا إليه أم أن العزة بالنفس التى نهى عنها الدين الحنيف تأخذهم وتدفعهم إلى الثبات على الخطأ والاستمرار فى التحريض عوضا عن التراجع والاعتذار؟ فما مصير وطن لهؤلاء من ممارسى التطرف ومدعى احتكار الحقيقة المطلقة باسم الدين دور به وتأثير على سجالاته العامة إن تمادى انتشار التطرف ولم نواجهه؟ هل هكذا سنبنى مجتمعا متقدما بعد عصور الاستبداد والفساد وهل سنرى مصر الديمقراطية والعادلة اجتماعيا إن استمر استشراء وباء التطرف؟ وما هو دور الذى ينبغى على الأزهر الشريف والدعاة الحقيقيين والإعلام النزيه والقوى الوطنية الاضطلاع به لتطويق خطر التطرف؟ نقلا عن جريدة الشروق