النموذج الحاكم لإدارة الأعمال فى مصر هو أهم ما تغير بعد الثورة، بدلا من الاعتماد على «مَن تعرف» صار يعتمد على «ماذا تعرف»، كما يقول هشام عز العرب، رئيس البنك التجارى الدولى، موضحا أن تلك كانت إجابته على تساؤلات مستثمرين قابلهم فى أكثر من دولة أجنبية حول «ماذا تغير بعد الثورة»، مشيرا إلى أن الطريقة السابقة كانت تعتمد على معرفة أشخاص قادرين على تسهيل عمليات تأسيس وإدارة الأعمال، من خلال أنواع من الفساد، تزيد فى النهاية من التكلفة والوقت الذى يتطلبه العمل. أما الآن فالمسألة تتجه للاعتماد على الكفاءة وحدها فى إطار نظام إدارى منضبط وخاضع للمحاسبة. اعتبر عز العرب، خلال كلمته أمس فى مؤتمر اتحاد الصناعات المصرية، أن المرحلة السابقة للثورة رغم ارتفاع قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة فيها، والتى وصلت إلى نحو 13 مليار دولار، قبل الأزمة العالمية، إلا أنها لم تسهم كثيرا فى بناء مشروعات جديدة وخلق فرص عمل، لأن جزءا كبيرا منها كان عبارة عن شراء لأصول إنتاجية قائمة بالفعل، والجزء الآخر اتجه لقطاع البترول وهو قطاع لا يخلق سوى فرص عمل محدودة العدد. ويرى عز العرب أن أهم ما يحتاج إليه القطاع الخاص لينجح فى النمو وزيادة التشغيل فى الفترة المقبلة هو إصلاح التعليم والإصلاح الإدارى. «المنتج النهائى للعملية التعليمية والذى يصب فى سوق العمل جودته منخفضة، وفى تراجع مستمر على مدار السنوات السبع الماضية، رغم كثرة الحديث عن تطوير التعليم. من جهة أخرى تحكم حركة القطاع الخاص سلسلة من القوانين المعقدة التى تحتاج إلى تبسيط». وخلال مؤتمر اتحاد الصناعات، الذى رفع شعار استثمار + تشغيل = عيش + حرية + عدالة اجتماعية، فى محاولة لربط شعارات الثورة بدور القطاع الخاص فى الاقتصاد، قال نور شوقى، رئيس شركة خاصة وأحد مؤسى الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، إن «رفع مستوى معيشة المواطنين هو محور أساسى للاستثمار فى هذه المرحلة كما تتفق كثير من الآراء، إلا أن هذا لن يتحقق إلا بمشاركة حقيقية من أصحاب المصلحة فى هذه المسألة من العمال ومحدودى الدخل أنفسهم، وتحسين العلاقة السيئة القائمة بين أصحاب العمل والعمال فى مصر». ويوضح شوقى أن أصحاب الأعمال يرون أن العمال غير مهرة وغير ملتزمين، وليس لديهم مانع فى استبدالهم بعمالة آسيوية إذا كان ذلك متاحا، بينما يرى العمال أن أصحاب الأعمال يستغلونهم ولا يعطونهم حقوقهم، ولا يهمهم سوى المكسب بأى ثمن، وهذه العداوة بين الطرفين ظهرت بشكل قوى فى أعقاب الرئيس المخلوع، مع تزايد حركة الاحتجاج والاعتصام من جانب العمال، واتهام أصحاب الأعمال لهم بوقف الإنتاج من جانب آخر. «يجب أن يكون هناك تضامن بين الطرفين وشراكة يستفيد منها كل منهما، فلم يعد ممكنا أن تستمر الليبرالية المطلقة التى سادت فى السابق والتى تعطى صاحب العمل كل الحقوق. هناك طريق يجمع بين اقتصاد السوق الحرة وبين حقوق العمال» يقول شوقى موضحا أنه لا يمكن تحقيق النمو الكبير الذى يريده أصحاب الأعمال وهم يعتبرون حقوق العمال عبئا، وإنما يجب أن ينظر إليها كجزء من عملية النمو هذه، مستشهدا بتجارب الدول الأوروبية وبعض الدول النامية الناجحة كالبرازيل، التى قامت لديها نهضة اقتصادية هائلة معتمدة على نقابات عمال قوية. ويقول شوقى إن العالم نظر إلى مصر بإعجاب واعتبر أن شبابها الذى كان وقود الثورة، شبابا واعدا، وهو يغرى بالاستثمار فى هذا البلد، ومن الجدير بالملاحظة فى رأيه أن وجود تماسك وتضامن اجتماعى يعطى ثقة وأمانا يمكن أن يبنى عليه النمو الاقتصادى، مشيرا إلى أن مصر تحتاج لوضع خريطة طريق للسنوات القادمة، و»عندها سيأتى المستثمرون إلينا، ولن نحتاج للبحث عنهم». رجال الأعمال يتنافسون على الترويج لقطاعاتهم لجذب اهتمام الحكومة تنافس رجال الأعمال، خلال المؤتمر الذى نظمه اتحاد الصناعات أمس عن الاستثمار والعدالة الاجتماعية، على الترويج للقطاعات التى يعملون بها كقاطرات ممكنة لقيادة النمو إذا اهتم الرأى العام والحكومة بمساندتها، حيث أشار إلهامى الزيات، رئيس اتحاد الغرف السياحية، إلى وجود هجوم من بعض التيارات السياسية على نشاط السياحة «أوجدوا لى قطاعا بديلا يستطيع أن يشغل 3.2 مليون عامل مثل السياحة»، بحسب تعبيره. فيما أشار إبراهيم محلب، نائب رئيس اتحاد مقاولى البناء والتشييد، إلى أن قطاع الإنشاءات لعب دورا رئيسيا فى إخراج الولاياتالمتحدة من حالة الكساد فى الثلاثينيات، مطالبا بتبنى العديد من المشروعات القومية فى هذا القطاع بمصر، كتبنى نموذج مصر للاسكان الاجتماعى، وتطوير التعليم الفنى، وتطوير الطاقة المتجددة، مشيرا إلى ضرورة مضاعفة الميزانية التى اعلنت عنها الحكومة للمشروعات العامة ب40 مليار جنيه. وبالرغم من أن جلال الزوربا، رئيس اتحاد الصناعات، أكد، خلال كلمته فى افتتاح المؤتمر، أن دور الاتحاد يقتصر على المجال الاقتصادى وليس السياسى، إلا أن العديد من الكلمات الملقاة فى المؤتمر عكست الجدل السياسى الدائر فى المجتمع حالياً. ففيما طرح رجال الأعمال مشكلة غياب الأمن كتحدٍ رئيسى أمام تعافى الاقتصاد، فإن أحمد جلال، المدير التنفيذى لمنتدى البحوث الاقتصادية، اعتبر أن إحداث نقلة نوعية فى الاقتصاد فى الأجل القصير فى يد السياسيين وليس الاقتصاديين وذلك فى مجالى توفير الامن وحدوث إصلاح سياسى ذى مصداقية، معتبرا أن النموذج الاقتصادى قبل الثورة كان «عيبه الأساسى سياسيا وليس اقتصاديا». ووجه محمد المصرى، نائب رئيس اتحاد الغرف التجارية، نقدا حادا للضرائب التصاعدية، التى فرضتها الحكومة فى موازنة العام المالى القادم، معتبرا أنها جاءت فى توقيت غير مناسب «الاستثمار صفر هل يكون مناسبا أن نتحدث عن زيادة الضرائب وانا محتاج للمستثمر العربى والأجنبى، نوقف البلد الاول وبعد ذلك سنكون مستعدين لهذه الاجراءات». واشاد المصرى باستجابة المجلس الاعلى للقوات المسلحة لمطالب المستثمرين بعدم تطبيق الضرائب على توزيعات الشركات، مطالبا الحكومة بأن يكون لها موقف واضح من القطاع الخاص «هل ستستمر فى المساندة أم ستكون هناك ردة؟» بينما اعتبر جلال انه لا يوجد مصدر آخر لتوفير الموارد المالية لمصر لتحقيق النمو الاقتصادى اللازم للتنمية غير الاقتراض الدولى، منتقدا الخطوة الأخيرة للحكومة بالتراجع عن الاقتراض من صندوق النقد الدولى «الحكومة اقترضت بما فيه الكفاية من البنوك المحلية، الدين العام الداخلى هو الخطر الحقيقى، وطبع النقود له آثار تضخمية، بينما معدل الدين الخارجى ليس مرتفعا وأسعار القروض دوليا منخفضة هذه الأيام والسيولة متوفرة». وقد شهدت الجلسة الثانية للمؤتمر اعتراضات صاخبة من الحضور على اقتراح طرحه جمال أبو ضيف، شاب تم تقديمه على انه من شباب الثورة، بإصدار مرسوم بقانون باسقاط جرائم المال العام التى ارتكبت قبل الثورة، بعد إتاحة مدة زمنية ثلاثة اشهر لتقديم كل البلاغات فى هذا المجال، لتوفير الاستقرار اللازم للاقتصاد، وطالب ابو ضيف ايضا بتوفير الضمانات والضوابط للمسئولين الحكوميين التى تجعلهم اكثر جرأة على إصدار القرارات دون الخوف من توجيه الاتهام. القلق من اتهام رجال الاعمال والمسئولين الحكوميين كان واضحا ايضا فى كلمة المصرى الذى طالب المجلس العسكرى بعدم النظر فى الشكاوى الكيدية ضد رجال الاعمال، مشيرا إلى أن العديد من مسئولى الحكومة يترددون كثيرا قبل الإمضاء على أى مستند خشية توجيه الاتهام.