«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمرو موسى: الحلم العربى أصبح أغنية وليس واقعًا سياسيًّا
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 02 - 2009

التقت «الشروق» بالأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى ، فى ظل وضع عربى متردٍ.. حرب ال22 يومًا الإسرائيلية على غزة، بكل ما شملته من عنف متوحش وجرائم حرب، لم توحد العرب بل زادتهم انقسامًا، مسفرة عن معسكرين متعارضين ومتراشقين، كل بروابطه خارج النظام العربى.
الجيران الإقليميون، وخصوصًا إيران وتركيا، يزدادون نفوذًا على حساب القوى العربية التقليدية ، ويكتسب زعماؤهم شعبية كبيرة بين الشعوب العربية نفسها، خصمًا من حساب القيادات العربية ، عمرو موسى نفسه لم يسلم من آثار ما وصفه هو بحالة من الاضطراب الشديد فى الوضع العربى. ففي ظل معارك بات الرمز فيها يحتل أهمية أكبر من الوقائع على الأرض، اتخذ انسحاب رئيس الوزراء التركي من ندوة فى منتدى دافوس ، واستنكاف عمرو موسى عن مصاحبته حجمًا هائلًا، وأثار زوبعة من النقد للأمين العام للجامعة العربية، لم تنته بعد.
فيما يلي نص الحوار:
الشروق: نبدأ بسؤال حول الوضع العام للنظام الإقليمى العربي ، المشهد يبدو قاتمًا للغاية: اجتماعات عربية تضم البعض وتقاطع من البعض الآخر ، انقسام صريح إلى معسكري «اعتدال» و«ممانعة»، الجيران الإقليميون ، تحديدا إيران وتركيا ، يتحدون نفوذ القيادات التقليدية للنظام العربي، خصوصا مصر والسعودية.. هل نشهد سكرات موت النظام العربي، هل هو في «العناية المركزة»؟
عمرو موسى: أشكرك على أنك بدأت حديثك بهذا السؤال المهم.. إن هذا السؤال عميق ويطرح عددًا من عناصر التغيير التي نشاهدها الآن في الشرق الأوسط ، وهي تغيّرات حادثة، حتى وإن اختار البعض ألا ينظر إليها أو يقول إنه لا يشاهدها.
العالم بأسره دخل بالفعل فى مرحلة التغيير وهو ما أظهر الفجوة الكبيرة جدا بين حال الإنسان فى العالم العربي ، وحال غيره فى أماكن مختلفة من العالم.
لا تستطيع أن تعيش مع الفجوة الواسعة بين النظام العربي والنظام العالمي ، مهما كان الأمر من استمساك أو تمسك بنظام معين والإصرار عليه فما هو قادم قادم.
وهذا عندي هو الفصل الأول من قصة التحول الحادث فى الاقليم.
فى الفصل الثاني أقول لك إن النظام العربى كما عرفناه وعشناه فى السابق لم يتمكن من تحقيق الحلم العربي، الذي أصبح أغنية دون أن يصبح واقعًا سياسيًا.
وخلال السنوات الثماني الماضية التي قضيتها أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية حاولت باستمرار تطوير النظام العربي من خلال خلق آليات من شأنها أن ترفع من فاعليته، مثل البرلمان العربي، ومحكمة الاستثمار العربية، ومن خلال إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص فى النقاش والقرارات حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية، ومن خلال جعل كل قرارات العمل العربي المشترك قرارات علنية يستطيع أي مواطن الاطلاع عليها.
واختارت الجامعة العربية فى سعيها لتفعيل آليات النظام العربي المشترك أن تتبنى مواقف متقدمة في التعامل مع قضايا دولية مهمة مثل حوار الحضارات وأن يكون لها دور بارز فى القضايا الاقتصادية ، حيث تمكننا بالفعل من إدخال منطقة التجارة العربية الحرة حيز النفاذ فى عام 2005، ونعمل الآن على أن يتحقق الاتحاد الجمركي العربي فى عام 2015، ونعمل في الوقت نفسه في العديد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تحقق الصالح العام للمواطن العربي فى كل مكان من العالم العربي.
غير أن كل هذا الجهد لم يكن كافيًا لتحقيق الحلم العربي والسبب هو الانقسامات السياسية التي يعيشها العالم العربي.
نخلص من هذا كله إلى أن النظام العربي غير قادر على تحديد الأولويات والالتزام بها، وهو أيضًا غير قادر على التعامل مع الصدمات وامتصاصها، بل الأسوأ من ذلك أنه غير قادر على التعامل بجدية وندية مع التحديات التي تفرض عليه.
فى المجمل ما رأيناه غير مطمئن على الإطلاق، خصوصًا عندما نرى أن المشكلات السياسية الجسيمة يتم استخدامها هنا أو هناك فى مشاكسات.
وبصفتي أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية التي تمثل هذا النظام العربي أستطيع القول إننى لست مطمئناً على الإطلاق ، بل أحيانا أشارف مرحلة اليأس ، لأنني أنظر فأرى أن كل الجهود التي تبذل للملمة الأوضاع لا تحقق ما نتمناه، وإننا نتقدم للأمام خطوة ثم نعود فنرجع للوراء خطوات وهذا وضع لا يستقيم.
ولكن لننتقل إلى الفصل الثالث من حديث التغيير، وفي هذا الفصل أقول لك إننا لا نزال غير قادرين على فهم النظام العالمي الذي أصبح يقوم بالأساس على التكتلات، ونحن لا نزال غير قادرين بعد على أن ندرك بالفعل أن العالم العربي لا يمكن له ولا يجب له أن يكون الاستثناء على هذه القاعدة.
وأنا عندما أتحدث عن التكتلات فإنني أتحدث عن تكتلات في أرجاء العالم ، في أوروبا كما في أمريكا الجنوبية وفي آسيا وأيضًا في أفريقيا . ولكن هذا ليس حال العالم العربي . فنحن لا نتفق طويلاً ، وما إن نبدأ في الاتفاق والحركة حتى نعود وبسرعة للوراء . فأصبحنا مثل سيزيف ، بل أصبحت أنا شخصيا مثل سيزيف ، أحمل الصخر نحو قمة الجبل ، فيتدحرج وأعود لأحمله ثانية ولقد حانت اللحظة التي ينبغي أن نقول فيها كفى لهذا العبث.
الشروق: ولكن هل هناك أمل فى الإنقاذ؟
عمرو موسى: بالتأكيد يجب أن نعمل على إبقاء الأمل، وأن ندرك أنه بنفس حتمية التغيير، فهناك أيضًا حتمية أن نعمل لتحقيق طموحات الشعوب وأولها أن نحسن التعامل مع الأزمات.
الشروق: ولكن ، معالى الأمين العام.. أنا في الواقع أسأل عن الأمل فى الحفاظ على هوية النظام العربي ، وأسأل إذا ما كان النظام العربي يستطيع أن يكون وأن يبقى بدون الفكرة القومية العربية؟
عمرو موسى: هذا سؤال جيد ، أيهما سيكون وسيبقى النظام القومي العربي أم النظام الإقليمي ؟ في الإجابة عن هذا السؤال يجب أن أبدأ بالقول بأن النظام القومي العربي اليوم لا ينبغي بالضرورة أن يكون على غرار النظام القومي العربي كما عرفناه في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، بل ولا حتى كما تم طرحه في الأربعينيات من نفس القرن عند نشأة جامعة الدول العربية.
إن النظام القومي العربي يجب أن يبقى ولكنه يجب أيضًا أن يتطور. يجب أن نعمل على الخروج بالقومية العربية من تفسيرها الأولي والبسيط إلى تفسير أكثر شمولاً وأكثر نضجًا.
ويجب علينا أن نحقق هذه النقلة مع الأخذ فى الاعتبار أن العالم العربي ليس مقصورًا على العرب وحدهم، بل إن به أكرادًا وأمازيغ وأفارقة ، وإن هذا العالم العربي به أديان مختلفة ومذاهب متعددة وثقافات متنوعة ، فكما أن الثقافة العربية سائدة في كل بلدان العالم العربي ، فإنها تمتزج بالثقافة الفرنسية فى المغرب العربي وبالثقافة الإنجليزية في أنحاء من المشرق، والثقافة الأمريكية أخذت بدورها تستقر وتؤكد وجودها . ولكن علينا أن ندرك أن كل هذه خيوط يجب نسجها معًا.
أما عندما نتحدث عن منطقة الشرق الأوسط فعلينا أن نأخذ فى الاعتبار أن الامة العربية، وإن كانت جزءًا من العالم العربي وليست كله، فهي العماد الأساسي لهذا العالم العربي ، في الوقت نفسه فإن العالم العربي يوجد في هذه المنطقة مع تركيا وإيران ثم أتت بعد ذلك إسرائيل. ولكن يبقى العالم العربي هو العماد الأساسي للإقليم.
لدينا وسائل متعددة لجمع العالم العربي، فالعالم العربي يمكن أن يجتمع حول المصلحة المشتركة، فالحديث عن الشعور القومي، أو القومية العربية ينبغى أن يوضع فى المكان الصحيح وبالنسبة الصحيحة.
ونحن نحقق نجاحات فى هذا الاطار ونرسي قواعد جديدة من الاهتمامات، وعلى سبيل المثال فإن قمة الكويت التنموية استمرت لأربعة أيام، خصص منها يومان للقطاع الخاص والمجتمع المدني، ثم عقب ذلك تم تخصيص يومين للقمة. وكان جدول الأعمال واحدا فى الحالتين، وكانت المشاركة واسعة من قبل المجتمع المدني،حيث كان هناك ما يزيد على 1000 شخص، ولولا الحرب على غزة لكانت المشاركة أوسع والوقع أقوى.
الشروق: ولكن فى المحصلة النهائية ماذا حققت قمة الكويت، من حيث الإسهام فى تحقيق التضامن العربي أو المصلحة العربية المشتركة؟
عمرو موسى: لقد ناقشت قمة الكويت الكثير من الموضوعات، وإن لم يكن بنفس الدرجة التي كنت أتمناها، ولكن المناقشات كانت واسعة وكذلك الإسهامات من قبل المجتمع المدني ، حيث استمعنا إلى فتاة من تونس تتحدث عن مطالب الشباب العربي وطموحاته ، واستمعنا إلى سيدة من الأردن تتحدث عن المجتمع المدني فى العالم العربي ، وما يمكن أن يسهم به وما يأمل أن تقدمه له الحكومات ، كما استمعنا أيضاً إلى رئيس الغرفة التجارية الكويتية يتحدث عن مطالب الغرف التجارية فى العالم العربي والإسهامات المتوقعة منها.
وهذا النهج الجديد هو في رأيى نهج إيجابي ،لأنه يرسي قاعدة المشاركة فى النقاش، وهذه القاعدة يجب تأكيدها والبناء عليها خصوصًا عندما يكون الحديث، كما كان في الكويت، عن المصلحة العربية المشتركة، فتكون نتيجة هذا الحديث اتفاقا على مشروعات بعينها، وهو ما حدث خلال قمة الكويت التنموية حيث اتفقنا على مشروعات من أهمها فى رأيي تلك المتعلقة بالطرق الرابطة بين العالم العربي ، فما أسهل أن نبنى طرقاً أو للدقة نستكمل بناء طرق تربط بلدان العالم العربي جميعها، ليستطيع المواطن العربي أن يستقل سيارته مع أسرته فى طريق يبدأ من موريتانيا ويصل إلى سلطنة عمان.
الشروق: ولكنك تفترض معالي الأمين العام أننا فى وضع لا يطالب فيه المواطن العربى بتأشيرات دخول للتحرك بين الدول العربية.
عمرو موسى: سأرد على هذه النقطة، ولكننى أود أن أضيف أننا أيضًا فى الكويت اتفقنا على توسيع مجال الربط الكهربائى العربى الموجود حاليا بين مصر والأردن وسوريا ولبنان. فالخبرات المطلوبة لذلك متوافرة والأموال، كذلك لدينا مشروعات فيما يتعلق بمجالات التكامل فى الأمن الغذائى والمنظمات العربية المتخصصة موجودة وفاعلة.
وهذا يأخذنى بالتحديد للإجابة عن سؤالك المتعلق بالقيود على تحركات المواطن العربى،وفى هذا لدى نقطتان؛ الأولى: أنه فى حال بناء كل هذه الروابط والمصالح المشتركة فإن القيود مرشحة للسقوط، بل إنها ستصبح الاستثناء، وهذا ما أعمل عليه وأحرص على أن تدفع به الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
فى الوقت نفسه فإن القيود الحالية ليست مستحيلة، لأننا ومع هذه القيود لدينا حركة بينية عربية بالنسبة للأفراد والعمال والخدمات والسياحة فوق ال50 بالمائة من مجمل الحركة العربية فى هذه المجالات، وهذا أكثر بكثير من ال14 بالمائة التى تحققها التجارة البينية العربية من مجمل التجارة العربية.
ولكن دعنى أعود إلى السؤال الرئيسى الذى طرحته حول طبيعة النظام العربى وآفاقه لأضيف فصلًا ثالثا فى الإجابة وهذا الفصل متعلق بعلاقة العالم العربى بمن حوله ومن معه فى هذا الإقليم. وفى هذا فنحن جميعا نعلم أن هناك الكثير من التصورات، بل قل: السيناريوهات، التى يتم تداولها، بعضها يخص العلاقة مع تركيا ومع إيران وهذا مبحث، والبعض الآخر يتعلق بإسرائيل ومصير الصراع العربى الإسرائيلى وما إذا كان السلام سيتحقق وهذا مبحث آخر.
وفى كل الأحوال فإن هذه التصورات لا تزال قيد الدراسة والصياغة. وكلها يرتبط بصورة أو بأخرى بفرص تحقيق السلام العربى الإسرائيلى، لأنه فى حال عدم تحقيق هذا السلام فيجب استثناء إسرائيل من أى نظام إقليمى شامل، وبالتالى أى حديث مرتبط بإسرائيل يجب أن تكون نقطة البداية والنهاية فيه مرتبطة بتحقيق السلام وإقامة الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الاسرائيلى للأراضى العربية.
ولكن دعنى أتحدث عن تركيا، فالعالم العربى لديه الكثير من الروابط مع تركيا والحكم الحالى فى تركيا يقترب منا ونقترب منه.
أما إذا تحدثت عن إيران فسأجد بالعكس الكثير من الاختلافات، ويبدو لى أن هذه الخلافات تتصاعد بصورة تقارب العداء، وأنا لا أرى أن هذا العداء الضخم والمتصاعد ذو جذور عميقة، لأننا فى واقع الأمر نعيش فى القرن الواحد والعشرين ولا نستطيع أن نتحدث عن العرب ضد الفرس وما إلى ذلك.
واقع الأمر أن إيران دولة قائمة فى المنطقة وستبقى كذلك، فهى ليست دولة تمر بالمنطقة كما كان الحال بالنسبة لفرنسا وبريطانيا فى القرن الماضى، وإيران دولة كبرى فى المنطقة ولكنها ليست أكبر دولة فإيران ليست أكبر من مصر وهى ليست أكبر من تركيا، ومن منظور القوى فإن هذه الدول تتقارب، وبالتالى علينا أن نعمل على النظر فى الخلافات من منطلق يقوم على الحوار وليس على الصدام.
فى الوقت نفسه علينا أن نعمل مقتضيات الفكر السياسى وألا ننسى أن الولايات المتحدة وكذلك أوروبا تتجهان للحوار مع إيران.
الشروق: ولكن المفارقة أن أمريكا وأوروبا تتجهان للحوار مع إيران فى حين نتوجه نحن...
عمرو موسى: نعم هناك مفارقة ما.
الشروق: اجتماع وزراء الخارجية العرب الذى عقد الأسبوع الماضى فى الإمارات العربية المتحدة أعلن العداء الصريح لإيران..
عمرو موسى أنا لا أرى ذلك. أنا أرى أن الحوار مع إيران يجب أن يتم، ويمكن أن يبدأ بوقف التراشق الإعلامى، الذى أصبح فى عصرنا هذا يمثل نوعًا من السياسة العنيفة أو hard policy، فى حين أن السياسة القائمة على التفاهم والحوار أو soft policy هى المطلوبة فى هذه الحالة.
نستطيع أن نقول: يكفى هذا القدر من الحدة، ولنبدأ الحديث ولنتصارح ونقول إن لدينا خلافات تتعلق بجزر الامارات التى تحتلها إيران، وبمفهوم الأمن الاقليمى من المنظور العربى ومن المنظور الإيرانى، وكذلك بالنسبة للقضية الفلسطينية وسبل التعامل معها.
يجب أن نتحدث مع إيران وأن نسمع وجهة نظرها كما يجب أن تستمع إيران إلى وجهة النظر العربية، وهذه بدورها يجب أن تكون جماعية.
إن رياح التغيير قادمة إلى المنطقة، وهذه الرياح ستحمل معها الكثير من الأتربة التى يجب تفاديها، وهذا لن يحدث إلا إذا استطاع العالم العربى أن يحمى نفسه من هذا الانقسام الخطير، بل الخطير جدًا، ويجب فى الوقت نفسه ضبط مؤشرات التغيير القادم إقليميًا، وهذا يتطلب التخاطب على موائد للحوار بين التيارات المختلفة.
وبين العرب وتركيا هناك باب مفتوح، وبين العرب وإيران يجب أن يكون الحوار صريحا،ً أما مع إسرائيل فلا باب يمكن طرقه إلا من خلال تحقيق السلام.
الشروق: ولكن كيف يمكن لنا أن نتحدث عن التغلب على الانقسام العربى فى الوقت الذى يبدو هذا الانقسام وقد اتخذ طابعًا استراتيجيًا، خصوصا مع الفكرة الإسلامية التى تطرح نفسها اليوم أيضًا باعتبارها فكرة المقاومة؟
عمرو موسى: دعنى أبدأ بإقرار قاعدة أن الارتباط بالثوابت لا يجب أن يحول دون تطوير هذه الثوابت. وعلى سبيل المثال انظر إلى تجربة رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان (المنتمى إلى حزب سياسى إسلامى فى بلد له حكم علمانى).
فى الوقت نفسه فلا يجب أن نظن أن تغيير الثوابت أو استبدالها هو أمر سهل؛ لأنه إذا حدث فإنه لا يتم سوى عبر قرون، وبالتالى فأنت عندما تصوغ سياستك يجب أن تصوغ هذه السياسة على أساس من الثوابت دون أن تسمح لهذه الثوابت أن تتحول إلى جلاميد.
وبالتالى فأنت عليك أن تتعامل مع الموروث الثقافى والعناصر القائمة، وأن تفعل ذلك من خلال مساحة تربط الجميع مع النظر إلى المستقبل.
ولكن دعنى أقول لك إن الانقسام العربى ليس مقصورًا على النقطة التى يشير إليها سؤالك. فالانقسام العربى أوسع من ذلك وأسبابه متعددة، وأنا أراه جليًا وحاولت مراجعته واحتواءه، وأخشى انعكاسه على اجتماع وزراء الخارجية العرب المقبل (فى مطلع مارس)، والقمة العربية المقبلة، إذا لم يتم التعامل معه بحسم خلال الشهرين المقبلين.
وفى هذه المرحلة فإننى آخذ خطوة أو اثنتين للوراء حتى أستطيع أن أرى الصورة بكل وضوح وبجميع تفاصيلها خصوصًا أن الكثير مما حدث خلال الأسابيع القليلة الماضية يشير إلى اضطراب كبير.
الشروق: وهو ما يطرح الجدل الحاد الدائر حول عدم انسحابك من الندوة التى انسحب منها رئيس الوزراء التركى فى منتدى دافوس.
عمرو موسى: نعم التعامل مع هذه الواقعة والرمزية فى عدم انسحاب الأمين العام لجامعة الدول العربية من ندوة انسحب منها رئيس الوزراء التركى لأسباب إدارية وليس للاحتجاج على مداخلة شيمون بيريز، وإلا لكان انسحب بمجرد ادلاء بيريز بالمداخلة، يدل على توتر كبير وعلى اضطراب كبير.
إننى أكن احترامًا وتقديرًا بالغين لأردوغان، وأتفق معه فى قراره الانسحاب لعدم منحه الفرصة الكافية من قبل مدير الندوة لإنهاء ملاحظاته، وأنا لم انسحب لأننى رأيت أن انسحاب أردوغان لم يكن سياسيًا، ولو كان لاشتركت معه، ولأننى أردت ألا أمنح بيريز سعادة أن يقول مايريد بدون أن يكون هناك من يدحض مغالطته من البداية وحتى النهاية.
ومع هذا فأنا أفهم المشاعر وأفهم الرمزية، ولكننى لا أفهم أن يقال لنا لا تشاركوا فى ندوات يوجد فيها مسئولون إسرائيليون، خصوصًا عندما تكون تلك على مستوى منتدى دافوس، الذى تحضر فيه النخبة السياسية والاقتصادية فى العالم لتتابع مختلف التطورات.
المسئولون الإسرائيليون يودون ألا نشارك، حتى تترك لهم الساحة بالكامل ليكرروا مغالطتهم التى يبرعون فى الترويج لها، ولكننا نحن الذين نحتاج لدحض هذه الأكاذيب، وعلينا نحن أن نطارد أكاذيبهم حتى تصل الامور إلى مرحلة يتفادون هم الوجود معنا، وليس العكس.
الشروق: وماذا عن قضايا الأمن الإقليمى فى ضوء كل هذا؟
عمرو موسى: مسألة حل النزاع العربى الإسرائيلى، أو عدمه مسألة مهمة بالنسبة لترتيبات الأمن الإقليمى. وفى هذا فإن الاتفاق الأمنى الإسرائيلى الأمريكى الأخير يجب أن ينظر إليه بصورة متفحصة، لنقرر ما إذا كان هذا الاتفاق هو اتفاقا تم وفق معطيات لحظة معينة، أم أنه يرمى إلى ترتيبات أمنية إقليمية قادمة تؤثر على المصالح الأمنية العربية.
علينا أن نتابع كيفية تعامل الحكومة الإسرائيلية مع هذا الاتفاق، وبالتأكيد كيف ستتعامل معه الإدارة الأمريكية المقبلة.
ولقد سعدت بما قاله الرئيس حسنى مبارك فى خطابه يوم الأربعاء، من أن هذا الاتفاق لا يلزم مصر فى أى شىء، وأنا أشدد أن هذا ينبغى أن يكون الموقف العربى الجماعى. إن ترتيبات الأمن الإقليمى يجب أن تقام وفقا لمصالح جماعية، تأخذ فى الاعتبار الوزن النسبى للعالم العربى،الذى يمثل سكانه 350 مليونًا من مجمل ال500 مليون مواطن فى الإقليم، كما يجب أن تدخل فيه إيران وتركيا.
الشروق: وماذا عن أوباما وإدارته، وعن تصوراتك بالنسبة للسياسة الأمريكية إزاء منطقة الشرق الاوسط تحت الادارة الجديدة، ولعلى أيضا أسألك عن موقفك قبل إجراء الانتخابات الأمريكية، وإذا ما كنت فضلت أوباما؟
عمرو موسى: بالتأكيد كنت مع أوباما لأسباب متعددة، منها معرفتى الجيدة بالمرشح الآخر، وكنت قد التقيته فى أكثر من مناسبة، ولكن أيضًا لما أبداه أوباما من منطق فيما طرحه خلال حملته الانتخابية خصوصا ما أكده عن ضرورة التغيير وما أبداه من فهم للقضايا الاقتصادية.
وأنا أفهم مثلما تفهم أنت أن أوباما لم يكن له أن يذهب بعيدًا فى حديثه عن قضايا الشرق الاوسط خلال الحملة الانتخابية لأسباب تتعلق بدوائر النفوذ التى نعلمها جميعا.
ولكننى مع هذا أرى أن قدوم أوباما مؤشر لبداية مرحلة جديدة أرى فيها نافذة تفتح لانخراط أمريكى فى الشرق الأوسط أرجو أن يكون إيجابيا وغير منحاز. وبصفة مبدئية يمكن القول إن أوباما اختار أن يتحرك إزاء المنطقة بعد سبعة أيام من دخوله البيت الأبيض، فى حين أن الأمر استغرق الرئيس السابق بوش سبع سنوات.
كذلك يمكننى أن أقول إن أوباما أحسن اختيار مبعوثه للشرق الأوسط، جورج ميتشل.
فميتشل، الذى التقيته خلال زيارته الأولى للمنطقة كمبعوث لأوباما، هو سياسى واسع الأفق وملم بالقضايا، ويمكن له أن يمارس دور الوسيط النزيه بكفاءة.
وفى المجمل يمكن القول إن الحركة بدأت بصورة واضحة ولكن يبقى أن نرى السياسات الفعلية وأن نقيمها.
الشروق: وماذا عن الانتخابات الإسرائيلية؟
عمرو موسى: أمامنا أيام قليلة لنرى ما ستسفر عنه، والمؤشرات تشير إلى (زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو)، ولكن يبدو أن تقدمه يحقق بعض التراجع لصالح قوى أكثر إمعانا فى اليمينية، وليس لصالح كاديما الذى مارس سياسة جمعت بين الكلام الناعم والأفعال الخشنة، وما بينهما كانت دوائر مفرغة من تحركات لا تؤدى إلى شىء وإنما تعبر عن عملية خداع كبرى.
وبالتالى فإننا أمام وضع قد يأتى فيه اليمين الصريح أو اليسار المرواغ، وفى كلتا الحالتين يجب أن نكون واعين لخطورة إفراغ القضية الفلسطينية، وتخليق حالة كاذبة من الارتياح فى وقت يستمر فيه الاستيطان فى الاستيلاء على الأرض.
الشروق: وماذا يمكن لأوباما أن يفعل فى حالة تشكيل اليمين الإسرائيلى المتشدد للحكومة
عمرو موسى: هذا يتوقف على ما سيحاوله وكيف سيحاول. فوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس كانت تبلغ الإسرائيليين فى الأسابيع الاخيرة من إدارة بوش أن عليهم التحرك، ولكنها لم تفعل شيئًا إزاء تجاهلهم لما تقوله. والسؤال الآن هو ما إذا كان أوباما سيستبدل مثل هذه السياسات بسياسات أكثر جدية؟ السؤال يتعلق بقدرته واستعداده لأن يقول للإسرائيليين افعلوا هذا.
الشروق: شكرا معالى الأمين العام.
عمرو موسى: شكرا لك. وأرجو أن تقبل تهنئتى بصدور جريدتكم، التى آمل أن تقدم لنا مساحة متنوعة من الأخبار والمقالات التحليلية والتغطية الثقافية لتحقق الإسهام المرجو منها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.