"وبعدما ألقيت آخر حفنة فوق التراب من التراب/ ولم يعد في القبر غير جمالها العاري/ رأيت فراشة في الضوء تخفق فاتبعت جناحها بين القبور"، هكذا تضم المختارات الشعرية "نجوم في المجرة"، الصادرة عن هيئة قصورالثقافة، للشاعر اللبناني الجنوبي محمد علي شمس الدين، رائحة الموت والحرب الأهلية، لكنها تنتصر للروح الجميلة المتمثلة في الفراشة التي تسعى بين القبور، تنتصر للحياة على الموت. ففي قصيدة "خماسية الطيور"، يقول الشاعر: "من جهة الشرق مآذن من دمع ودماء/ وشمالا ريح هوجاء/ ورصاص/ ر .. ص .. ا .. ص"، لكنه أبدا لن ينتصر في فضاء الشعر لصوت الرصاص. ويقول في قصيدة "الهزيع الأخير لطير السماوات": "كلما صوبت نيراني إلى طير السماوات أتاني عاتبا يسألني: أين يطير؟"، وفي الأسئلة لدى شمس الدين طزاجة الدهشة وألمها الإنساني. ويبدو الموت يوميا في نصه الشعري، حيث يقول في قصيدة "دخان القرى": "قال لي: أنت لا تعرف الأرض والآخرين/ قلت: أمي نهتني عن الموت إلا على صدرها/ قال: خذ رقم قبري/ وغاب/ ولما التقينا بكينا معا فوق صدر التراب". ويوضح الشاعر حلمي سالم، في مقدمته للمختارات، أن شمس الدين ارتفع بجنوبه (اللبناني) إلى مستوى رموز العذاب، من عذاب الجنوب في لبنان إلى عذاب البلاد العربية إلى عذاب الإنسانية بأسرها، مشيرا إلى أن شاعرنا الجنوب لبناني أصدر ديوانه الأول في ذروة الحرب الأهلية عام 1975، حيث نشأت ظاهرة الأدب المقاوم. و يشير في هذا الصدد، إلى تأثر شمس الدين وتواصله مع التراث العربي، من خلال استدعاء التجربة الكربلائية، والقصص الديني والإنساني، لافتا إلى نزعته الصوفية باستدعاء تجارب الحلاج والشيرازي.