هناك نوعان كبيران من الثورات: ثورات راديكالية هادرة (بغض النظر عن كونها عنيفة أو غير عنيفة) مثل الثورة الفرنسية أو الإيرانية أو حتى ثورة 1952 التى بدأت انقلابا عسكريا ثم احتضنها الشعب. والثورة الإصلاحية الهادئة على نمط ثورة البرتغال 1974 أو ثورات أوروبا الشرقية وآخرها الجورجية والأوكرانية التى كان مثلها فى تاريخنا ثورة 1919. تتسم الثورات الراديكالية الهادرة بخاصيتين: أولا قيادات الثورة تصل إلى الحكم عبر آليات ثورية، وتكتسب شرعيتها من رفض أسس الشرعية السابقة، ولهذا تسمى شرعية ثورية. وثانيا أنها تبدأ فى اتخاذ قرارات راديكالية حادة بعد أن تعطل جميع آليات العمل القانونى والدستورى التى كانت قائمة، وإيجاد ما تسميه الأدبيات «ديكتاتورية ثورية جديدة». وهذا ما حدث مع مجلس قيادة ثورة 1952 الذى قرر طرد الملك ووقف العمل بالدستور وإعلان الجمهورية ووضع حدود على ملكية الأرض الزراعية والسيطرة التامة على أجهزة الإعلام والصحافة، فضلا عن إعلان الأحكام العرفية ثم تشكيل الأجندة الوطنية بما يخدم أهداف الثورة التى يتصرف الجميع بمنطق أنها هى الأهداف المشروعة وكل من يخالفها هو من القوى الرجعية وعميل للإمبريالية ومعادٍ لمصالح الشعب الكادح. فى المقابل، هناك الثورات الإصلاحية الهادئة على نمط ثورة 1919 التى لها عادة خاصيتان: أولا هى ثورة تعترف قيادتها بشرعية النظم القانونية القائمة وتسعى لضبطها وتوجيهها نحو التخلص من آفات القديم ولكن عبر آلياته القانونية؛ فلم تستهدف ثورة 1919 التخلص من الملك، وإنما وضع قيود على حركته وقراراته من خلال الدستور. ثانيا، وبالتبعية، حركتها أبطأ لأنها تريد أن تدير الأمور من خلال «الشرعية الديمقراطية». ولهذا لم يكن مستغربا أن ثورة 1919 أنتجت دستورها بعد 4 سنوات وأول حكومة منتخبة (أى حكومة الثورة الفعلية، حكومة الوفد) بعد ذلك بسنة. فى حين أن معظم القرارات الثورية المشار إليها فى حالة ثورة يوليو كانت خلال 6 أشهر من قيام الثورة. أى ثورة تلك التى أنتجها المصريون فى 2011؟ هى حالة وسط بين الطرفين السابقين. هى ثورة أسرع فى فترتها الانتقالية من ثورة 1919، لأن انتخاباتها التشريعية ستكون خلال 9 أشهر من اندلاعها. ومع هذا هى أكثر راديكالية من ثورة 1919 فى الشق الخاص بمحاكمات النظام السابق، والاستعداد لتبنى نظام مغاير تماما لما كان سائدا. وهى كذلك ثورة أبطأ من ثورة 1952 فى إيقاعها لأن السلطة القابضة على الدولة (المجلس العسكرى) لا يريدها ثورة راديكالية مثل 1952 من ناحية القوانين الاستثنائية فى محاكمة رموز النظام السابق أو من ناحية تشكيل لجنة لوضع الدستور دونما عودة للشعب فى اختيار من يمثله فى اللجنة التأسيسية للدستور الجديد كما أخذت بذلك العديد من دول العالم الديمقراطية، وهو خروج على التقاليد المصرية منذ دستور عام 1866 الذى كان يتعامل مع الدستور وكأنه منحة من الحاكم للشعب. أما فى حالتنا هذه، فالشعب سيختار من يريد فى البرلمان، ثم يختار البرلمان من يصوغ الدستور فى لجنة تأسيسية، ثم تقدم اللجنة التأسيسية نتاجا وصلت إليه إلى الشعب كى يقول رأيه مرة أخرى. إذن هى ثورة تسير فى منطقة وسط بين ثورة 1919 الإصلاحية وبين ثورة 1952 الراديكالية، وأظن أن هذا هو الأفضل لمصر على المدى الطويل.