من الثابت في السياسة الأمريكية أن فئات المصالح الخاصة تستثمر مبالغ هائلة في المرشحين وآلية الانتخابات، بما فيها استطلاعات الرأي، لإحداث تغييرات عميقة مرضية في نتائجها، على حساب المصالح العامة الكبرى. كانت وسائل الإعلام الأمريكية أبرزت في بداية الشهر الحالى نتائج استطلاع تفيد بأن المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة "ميت رومني" يتفوق على الرئيس باراك أوباما بنسبة 49 % مقابل 46 % من أصوات الناخبين في حال إجراء الانتخابات في الفترة الراهنة، مما أعاد تسليط الأضواء على السباق الرئاسي، خاصة وأن ما بدا سباقا غير ملهم للكثيرين قبل بضعة أسابيع أضحى حافزا للناخبين المؤيدين للحزب الجمهوري. وعليه، فقد انضم مرشحان آخران رسميا هذا الأسبوع للحلبة، "ميت رومني" و "ريك سانتورم"، بينما انتهجت المرشحة لنائب الرئيس سابقا "ساره بيلين" رحلة استشعار في حافلة لمناطق الساحل الشمال الشرقي للولايات المتحدة، بعد حملة دعاية مكثفة لذلك، وأعلنت عضو الكونجرس "ميشيل باكمان" عن نيتها الترشح أيضا. ولتسهيل مهمة المتابعة للعديد من المرشحين، فإن الدكتور منذر سليمان محلل شئون الأمن القومى بمركز الدراسات الأمريكية والعربية - المرصد الفكرى/البحثى قام بتقسيمهم إلى ثلاث مجموعات.. الأولى لمن يمتلك قاعدة صلبة داخل الحزب الجمهوري (ميت رومني وساره بيلين وتيم بولنتي وهيرمان كين).. والثانية لمرشحين كسبوا اهتمام الرأي العام (ميشيل باكمان ونيوت جينجريتش وريك بيري وريك سانتورم).. والمجموعة الثالثة للمرشحين على الأرجح لن يحالفهم الحظ في الفوز، إلا أن بعضهم تتردد أسماؤهم كمرشحين لمنصب نائب الرئيس. وشكلت نتيجة استطلاع الرأي المذكور ل "ميت رومني" دفعة قوية بإمكانية فوزه على الرئيس أوباما، بالرغم من تحفظات زعامات عدة من الحزب الجمهوري على سياساته أثناء شغله منصب حاكم ولاية "ماساتشوستس"، وباستثناء شهرة شخصيته بين الجمهوريين، فان والده سبقه في منصب حاكم ولاية "متشيجان" وترشح للانتخابات الرئاسية أيضا عام 1968. وبالرغم من خسارته ترشيح الحزب عام 2008 لصالح جون ماكين، إلا انه يعتبر حاليا من بين أقوى المرشحين الجمهوريين، لكنه لم يستطع الهام وإقناع القاعدة الشعبية للجمهوريين، خاصة وأن تصنيفه بين أتباعه يضعه في مصاف الليبراليين بين الجمهوريين. ومن بين السياسات التي اتبعها وتؤرق القاعدة الانتخابية، وضعه نظام رعاية صحية على مستوى ولاية "ماساتشوستس"، الذي ينظر اليه على أنه يشبه إلى حد كبير برنامج أوباما للرعاية الصحية الشاملة، وعدم حماسته لتأييد حيازة وحمل السلاح الذي تؤيده القاعدة العريضة من الجمهوريين، ودعوته إلى الحذر من ظاهرة الاحتباس الحراري بأنها من صنع الإنسان مما يضعه على نقيض مع معظم القاعدة من الجمهوريين، وأخيرا انتماءه الديني لطائفة المورمن التي يزدريها معظم الجمهوريون.. وبالمقابل يتمتع رومني ببعض نقاط القوة كسجله الناجح بين رجال الأعمال وشعبيته في عدد من الولاياتالغربية ذات النسبة الكبيرة لطائفة المورمن. ويستحق رومني أن يزهو بنجاحاته المرحلية وتبوء المنصب الأول بين المرشحين، إذ لديه حملة منظمة لترشيحه وباستطاعته الاعتماد على مخزون هائل من الدعم المالي، مما يجعل من الصعب تجاهله في السباق الرئاسي. أما ساره بيلين، فقد دشنت حملتها الانتخابية بجولة في مركبة في بعض الولاياتالشرقية من أمريكا، مستهدفة المرور على بعض المراكز التي تعد تاريخية في الولاياتالمتحدة، مثل جرس الحرية في فيلادلفيا، وذلك بالرغم من عدم إعلانها رسميا نيتها الترشح للانتخابات. وستعمد بيلين إلى تحسين صورتها التي تضررت كثيرا في السابق بسبب شح ثقافتها السياسية عبر تسويق فيلم يروي قصتها وسيرتها لمدة ساعتين، والذي ينتظر نزوله قريبا إلى الأسواق.. ومن المرجح أن تترك أثرا ايجابيا بين الناخبين حين تعلن رسميا ترشحها للانتخابات، خاصة بين صفوف الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري، وقد يؤثر دخولها على قدرة استمرارية بعض المرشحين الآخرين، مثل "باكمان" و "كين". وتجدر الإشارة إلى أن بيلين لا تمتلك حاليا نفوذا منظما في معظم الولايات، مما يتعين عليها معه بذل جهود سريعة لبناء نواة حملتها الانتخابية، خاصة وأن معظم كبار المتخصصين فى مجال الانتخابات قد تم توظيفهم في حملات المرشحين الآخرين، مما يقود إلى الاستنتاج بأنها ربما لم تصل إلى مرحلة اتخاذ القرار بالترشح.. وربما هذا هو المقصود من حملتها الاستكشافية عبر حافلة والفيلم المرتقب، التي سيقرر مدى حماس الناخبين ما إذا كانت ستدخل حلبة السباق من عدمه. ولم يكن "هيرمان كين" معروفا لمعظم الناخبين قبل بضعة أشهر لحين إجراء استطلاع للرأي في ولايته أريزونا الذي أتت نتائجه مشجعة له بنسبة 51 % كمرشح مفضل لخوض الانتخابات الرئاسية.. و "كين" رجل أعمال أسود ناجح عمل سابقا كرئيس لمجموعة "العراب" لفطيرة البيتزا ونائب رئيس لشركة "بيلزبيري" للمعجنات.. كما عمل كباحث في مجال الرياضيات للقذائف البالستية لسلاح البحرية الامريكي، وكمعلق سياسي في شبكة "فوكس" التليفزيونية. وأصبح أحد المتحدثين المفضلين الدائمين لنشاطات "حزب الشاي"، مما قضى على اعتراضات البعض باتهام حزب الشاي بالعنصرية.. ومن باب الإنصاف، فان خلفيته متواضعة، إذ عمل والده كسائق سيارة ووالدته خادمة في البيوت، وبخلاف أوباما فقد عاش التمييز العنصري في الولاياتالمتحدة في سنواته الأولى. ومن بين الميزات التي يمتلكها كين ثروته المالية الهائلة، كما أنه مفوه خطابي من ذوي البعد التبشيري الذي اشتهرت به كنائس السود، ومعتقداته المحافظة التي تلهم العديد من الناخبين من الجمهوريين، وبشرته السوداء التي يستغلها الحزب الجمهوري لدرء اتهاماته بالعنصرية، بالرغم من أن تلك الميزة لن تلعب دورا كبيرا للتأثير على جمهور السود من الديمقراطيين.. ويعتقد أن نسبة نجاحه في الترشيح تعتمد على طبيعة أدائه في الانتخابات التمهيدية في منافسة "باكمان" و "بيلين". أما تيم بولنتى، المجهول لمعظم الناخبين، فقد أدت مثابرته إلى صعوده سريعا إلى مسرح المرشحين الجمهوريين، لكنه يفتقد إلى الحيوية التي تميز قاعدة "بيلين" و"كين" الانتخابية.. أما سجله في الانجازات التي حققها كحاكم لولاية "مينيسوتا" (الديمقراطية تاريخيا) قد يشفع له، خاصة وأنه التزم بمبادئ الحزب الجمهوري وبرنامجه السياسي طيلة فترة ولايته، والأهم أنه استطاع القضاء على العجز في ميزانية الولاية عبر مزيج من إجراءات تخفيض الإنفاق وعدم رفع الضرائب.. وجاء ترتيبه الثالث بين المرشحين الجمهوريين بعد "رومني" و "بيلين". ومن بين ميزاته.. دعم عدد لا يستهان به من الناخبين الديمقراطيين والمستقلين في ولاية مينيسوتا، الذي يعد ضروريا في بعض الولايات الغير محسومة تقليديا لأي من الحزبين.. وخدم أبان حملة "جون ماكين" الانتخابية كنائب رئيس للحملة مما دفع البعض إلى توقع ترشيحه كنائب رئيس لماكين آنذاك.. وفي حال تراجعت "بيلين" عن الترشح، قد يحظى "بولنتي" بدعم صامت من "ماكين". يشغل "ريك بيري" حاليا منصب حاكم ولاية تكساس، وقد أعلن عن عدم نيته الترشح للرئاسة إلا بعد انقضاء دورة المجلس التشريعي لولايته.. وإن مضى في ترشيح نفسه، سينضم إلى عدد من الرؤساء القادمين من تكساس، وهم ايزنهاور وجونسون وبوش الأب وبوش الابن. وتجدر الإشارة إلى أن "بيري" بدأ مشواره السياسي كعضو في الحزب الديمقراطي عام 1984، وكان من أبرز الداعمين لحملة آل جور للترشح للرئاسة عام 1988.. ونقل ولاءه للحزب الجمهوري عام 1989. وناصب "بيري" العداء العلني للرئيس أوباما منتقدا سياساته الاقتصادية ورافضا تلقي الدعم المركزي لولاية تكساس تحت بند حوافز اقتصادية، وفي المقابل أعطى تطمينات للشركات الكبرى لزيادة استثماراتها في الولاية، مما دفع بالبعض إلى القول إن ولاية تكساس تشهد فرص عمل تعادل النسبة العامة لكافة مناطق الولاياتالمتحدة الأخرى. ويلقى سجله وسياسته المحافظة دعما واسعا بين قواعد الحزب المحافظة، علاوة على أن سجله الاقتصادي في ولاية تكساس سيخدم حملته الانتخابية أعلى بكثير من أقرانه الآخرين.. وتربط "بيري" علاقة حميمية مع "سارة بيلين" وقد يفضل البقاء خارج الحلبة إن قررت "بيلين" الترشح، وإلا سيدخل حلبة الترشيح للرئاسة. أما ريك سانتورم، فهو عضو سابق في مجلس الشيوخ عن ولاية بنسلفانيا، ويعد أحد أقطاب المحافظين الاجتماعيين - الوصف الذي ابتدعه جورج بوش الأب في حملته الانتخابية ضد كلينتون للتدليل على قسوة البرنامج الجمهوري. وكان سانتورم أحد اثنين ممن صوتوا ضد ترشيح "روبرت جيتس" لمنصب وزير الدفاع بسبب سياسته الداعية لإشراك إيران وسوريا في العملية السياسية لمواجهة التحديات، معللا ذلك بأن السعي لمخاطبة "الإسلام الراديكالي" سيكون خطأ. وبالرغم من سجله السطحي في الكونجرس، إلا أنه لا يعتبر مرشحا جادا بإمكانه الفوز على مرشح ديمقراطي؛ إلا أنه من المرجح أن تتحكم ديناميكية ولاية بنسلفانيا كولاية ضرورية لفوز الجمهوريين بترشيحه كنائب للرئيس، وما عدا ذلك فلا يمكن المراهنة على أهليته أو جديته. أما بالنسبة للمرشحين الآخرين، فقد شغل "جون هنتسمان" منصب سفير الولاياتالمتحدة في الصين في إدارة أوباما، وحاكما سابقا لولاية "يوتاه"، ولديه خبرة واسعة في السياسة الخارجية أبان فترة رئاستي بوش الأب وبوش الابن، ويعد من ابرز الخبراء في العلاقات الخارجية في منطقة شرقي آسيا، إلى جانب عمله كمفاوض تجاري في قطر. وبالرغم من سجله الناصع في مجال السياسة الخارجية ، إلا أن قربه من الرئيس أوباما سيضره، علاوة على انتمائه لمذهب المورمن، أى أن قاعدته الانتخابية سترجح ترشيح "رومني"، لكن "هنتسمان" قد يكون أحد المرشحين لمنصب نائب الرئيس خاصة إن توقف الاختيار على مرشح رئاسي ضئيل الخبرة في الشئون الخارجية. و "رودى جوليانى" هو المرشح السابق للانتخابات الرئاسية وعمدة مدينة نيويورك الذي انطلقت شهرته صعودا مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر.. ويحسب "جولياني" على الجناح الليبرالي في الحزب، وإضافة إلى علاقاته النسائية الواسعة فانه لا يحظى بدعم قطاعات واسعة من قاعدة الجمهوريين وقد يفضله البعض على "رومني" الذي ترافقه أثقال عدة تعيق تقدمه سريعا.. وإن تعثر "رومني" في السباق ووقع الاختيار على مرشح محافظ لمنصب الرئيس، قد يلجأ وسطيو وليبراليو الحزب الجمهوري إلى "جولياني" لحثه على منصب نائب الرئيس. وللمرة الرابعة على التوالي يعلن "رون بول" عن ترشيحه للانتخابات الرئاسية، وبالرغم من أنه لا يشكل تهديدا حقيقيا للآخرين، لكن آراءه الليبرالية وقاعدته الجماهيرية النشطة تجعله مرشحا لا يمكن تجاهله. ومعروف عن "رون بول" تفضيله لحجم حكومي مقلص ودعوته لعدم التدخل العسكري خارجيا، مما يؤهله دعم نحو 10 % من الناخبين في طول وعرض الولاياتالمتحدة.. ولا ينبغي الاستهانة بهذه النسبة التي قد تلعب دورا محوريا في حملة انتخابات شرسة.. وتبقى حظوظه محدودة نسبيا للفوز بترشيح الحزب الجمهوري أو لاختياره كنائب للرئيس. وباستثناء "رومني" و "باكمان"، فإن المرشحين في المجموعة الأولى يفتقدون للخبرة السياسية بشكل عام، إلا أنهما يفتقدان العمق الأيديولوجي لشغل منصب الخبير في الشئون الخارجية. وأصبح من المسلم به أن المرشح لمنصب نائب الرئيس ينبغي أن يحظى بخبرة وافية في شئون السياسة الخارجية.. ومن هذا المنظار فان "هنتسمان" يبقى المرشح الأكبر احتمالا لهذا المنصب. ومن بعض الخيارات الأخرى لهذا المنصب قد يبرز "جون بولتون" أو "كونداليسا رايس"، مع الأخذ بعين الاعتبار أن "بولتون" قد أفصح عن نيته الترشح لمنصب الرئيس وهو الذي يلقى دعما لا يستهان به بين قطاع المحافظين المتشددين في الحزب لقضايا السياسة الخارجية.