«ثلاثة عشر يوما ورامى لا يبرح شاليهه فى مارينا إلا إلى الشاطىء ليلا، حيث يجلس بمفرده، عيناه على البحر فى جمود الأموات، وأذناه وقلبه مع موبايله.. اختزلت حياته كلها فى المكالمة التى ستحمل رد حبيبته!» وردت هذه السطور فى رواية «زائرة جينيف»- آخر إصدارات سلسلة «زهور» الرومانسية- لتصف أحداثا تحمل نفس أفكار الروايات الرومانسية الكلاسيكية، بصبغة عصرية. تتسلل السياسة العالمية إلى الرواية نفسها، فنجد الزوجة تقول مداعبة زوجها: « وماذا سيفعل لك بوش إذا ناديته؟ قد يستأسد على العراق.. على إيران.. لكن عندى أنا يصبح فأرا». يعلق الأستاذ حمدى مصطفى- المشرف على سلسلة روايات مصرية للجيب التى تصدر «زهور»- أن ظهور مثل هذه الأشياء طبيعى، بحكم أن الروايات-أيا كان طابعها- تعبر عن أفكار وأحداث واقعية، و(الموبايل) و(مارينا) وغيرهما أشياء حاضرة فى المجتمع وجزء من ثقافته. يؤكد حمدى مصطفى كذلك أن الطابع المادى الذى تكتسبه الحياة هو ما غيّر فى مضمون هذه الروايات وهو نفس الدافع وراء البحث عن الرومانسية المكتوبة، ذلك هو ما حقق الاستمرارية لسلسلة «زهور» التى أصدرت 105 روايات حتى الآن، وتتفوق مبيعاتها أحيانا على روايات الخيال العلمى التى اشتهرت بها «روايات مصرية للجيب». منذ العدد الأول على الغلافين الأمامى والخلفى لروايات «زهور» تكتب الدار: « السلسلة الوحيدة التى لا يجد الأب أو الأم حرجا من وجودها بالمنزل»، فيما يبدو مراهنة منها على تقديم أكبر جرعة من «الرومانسية المحافظة»، على طريقة: «قبلت كل ما فى وجهه بعينيها». القارىء الذى يستقبل فنا وثقافة لا تخلو من التعبيرات الجنسية الفجّة أحيانا لا يبدو منزعجا من بعض الإيحاءات الحسية إذا جاءت فى سياق رومانسى. فتقول هند (32سنة): من غير المفهوم أن يزعج ابنتى أن البطل قبّل حبيبته مثلا، بينما أكثر من ذلك يعرض فى التليفزيون»، رغم ذلك تتطلع هند لوجود الطابع المحافظ فى المقروء والمرئى. لكن سلسلة «عبير» تحاول –هى الأخرى- الالتزام قدر الإمكان ب«الرومانسية المحافظة»، خاصة مع ظهور طبعات منها مليئة بتفاصيل جنسية، مما جعل «عبير» تشتهر بتقديم نوع معين من «الرومانسية». وعلى أحد المنتديات المهتمة بالكتب على شبكة الإنترنت يقول حسن حمدى- مترجم عدد من روايات «عبير» -لروّاد المنتدى: «أنا ألتزم فى عملى بألا أعرض ما يتنافى مع ديننا وقيمنا، ولكننى أحاول قدر جهدى الحفاظ على الخط السردى فى الرواية دون انقطاع ». وبينما تشيع فكرة أن تداول هذه الروايات مقصور على طالبات المرحلة الثانوية، ينفى ذلك ناصر بائع الكتب، قائلا إن فتيات الثانوى يقبلن على قراءة «رجل المستحيل» وسلاسل الخيال العلمى أو المجلات بأنواعها خاصة الفنية والاجتماعية»، أما «زهور» و«عبير» فلهما زبائن أخريات كما يوضح ناصر: «تأتينى سيدات متزوجات لشراء عبير وزهور وأحلام، فالفتور العاطفى هو الدافع وراء إقبال هؤلاء على شراء روايات رومانسية». مروة (26 سنة) - إحدى قارئات «عبير»- ترى أنه من غير المفيد للشابات قراءة الروايات الرومانسية، موضحة:« أنا أقرأ هذه السلاسل منذ الثانوى، وحتى الآن بعد 3 سنوات من الزواج، أرى الفارق الواضح بين الواقع والحكايات الرومانسية التى تقوم عليها هذه الروايات». ثم تضيف:«الأفضل للفتيات ألا يتصورن أن العلاقات العاطفية قائمة على التضحية وزواج الحبيبين والنهايات السعيدة!». إنجى – 18سنة- تشاركها الرأى وتستبعد أن تكون «زهور» و«عبير» هما ما تعتمد عليه الفتيات فى تكوين تصورهن عن العلاقات العاطفية، فتقول:«ربما كانت الروايات مصدر خبرة البنات قبل 30 أو 40 عاما، أما الآن فكلنا يعرف صعوبات وإحباطات العلاقات العاطفية، من خلال تجاربنا الشخصية أو تجارب أخوتنا أو صديقاتنا، وهى أمور تتم فى سن مبكرة»، وقراءة هذه الروايات بالنسبة لمروة ليست إلا «مصدرا للتعرف على مزيد من الخبرات بالبشر». واستمرت ابتهال 24 سنة فى قراءة روايات «عبير و زهور» لأكثر من 7 سنوات حتى الآن، بدأت منذ دخولها مجال العمل، حيث تقول: «أثناء الدراسة لم يكن لدى وقت لقراءة أى روايات، لكن عندما بدأت العمل، كان مقر عملى بعيدا عن السكن فكنت أقضى المسافة بينهما فى قراءة رواية صغيرة»، ولا ترى ابتهال مجالا للمقارنة بين السلسلتين، لأن «لكل منهما متعته» كما تقول. أخوات عبير إلى جانب السلسلتين ظهرت فى السوق المصرية أعداد من سلاسل أخرى لروايات عاطفية، أبرزها «أحلام»، إضافة إلى أعداد أقل من «غادة» و«غدير»، وكلها سلاسل مترجمة عن روايات عالمية يسميها البعض«أخوات عبير!»، لكونها جميعا تحمل أسماء نسائية. رغم هذا التعدد فى المضمون والأسلوب تتشابه أغلفة هذه السلاسل، إذ يحرص رسّامو دور النشر على وجود عنصرى الرواية العاطفية «الرجل» و«المرأة» على الغلاف، سواء فى حالة وداع أو انكسار أو تقارب. ماعدا روايات «أحلام» التى يظهر على بعض أغلفتها صور فوتوغرافية لفتاة شاردة أو سعيدة. ويظل اختيار رواية عاطفية مسألة تحتاج إلى قضاء بعض الوقت أمام أكوام الروايات، كما تقول سارة (21 سنة)، التى تشير إلى طاولة أحد بائعى الكتب القديمة قائلة « اختارى أنت واحدة!»، فعناوين روايات «عبير» أحيانا تكون «حديث المشاعر- صراع المشاعر- ترويض المشاعر»، أو مركبة المعنى «صيف المطر الباكى- رائحة الحب الأول»، فضلا عن «كلاشيهات» الرومانسية «قلوب لا تعرف اليأس- قلب من ذهب- شواطىء الذكريات». فى المقابل تعبّر الكثير من عناوين روايات «زهور» عن الأحداث «لا تقل وداعا-زوجى- أحببتك فى صمت- جدار الماضى». أما سلسلة»أحلام» فتصدر رواياتها بعناوين غامضة نوعا ما- ربما بقصد التشويق- مثل «واحترق الجليد- أبعد من الحلم- الليل والنجمة- سأبكى غدا». وبعد عدة دقائق من البحث فى الروايات، تنصرف سارة إلى الكافيتريا المجاورة دون أن تشترى أيا منها!