بدأ رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى احتكاكه بالسوق فى سن 19 عاما، عندما تولى منصبا صغيرا فى إدارة المحاسبة بشركة المقاولات المملوكة لوالده، رجل الأعمال السكندرى الشهير، وصاحب الرصيد السياسى والاجتماعى باعتباره نائبا برلمانيا لأكثر من دورة. عند التحاقه بالجامعة، دفعه والده لدراسة التجارة بدلا من الهندسة، استجاب دون اعتراض وفور تخرجه تولى منصبا أكثر أهمية فى شركة والده، وأصبح يباشر أعمال المقاولات بنفسه تارة، ويساهم فى إجراء الصفقات مع المؤسسات الأجنبية تارة أخرى، وأطلق عليه العاملون فى الشركة آنذاك لقب «وش الخير»، بعدما أسهم بشكل فعال فى تحقيق أكبر فائض ربح فى تاريخ سوق المقاولات المصرية حتى عام 1986، مقدرا بنحو 30 مليون جنيه إسترلينى، بعد عملية مشتركة مع شركة إنجليزية لإنشاء مجمع سكنى بالإسكندرية. كانت هذه الصفقة نقطة التحول فى حياة هشام، ففى ظرف سنوات قليلة تالية أصبح العضو المنتدب للشركة التى تحولت إلى مجموعة للمقاولات والبناء، وفور توليه المنصب دعا لأن تخرج المجموعة باستثماراتها إلى الصحارى والمدن الجديدة، فبدأ فى تنفيذ مشروع مدينة الرحاب السكنى الضخم، على 10 مراحل منذ عام 2000، على مساحة 9.8 مليون متر مربع، وتستوعب أكثر من 120 ألف إلى 160 ألف نسمة. هشام اشترى متر الأرض من الحكومة فى الرحاب ب10 جنيهات فقط، وهو يقدر حاليا بما يزيد عن 3000 جنيه، وفى فترة البيع المباشر للملاك لم يكن يقل عن 2500 جنيه، وهو ما حقق للمجموعة فائضا ربحيا تخطى حاجز 4 مليارات جنيه، إذا علمنا أن المدينة تضم أكثر من 37 ألف وحدة سكنية. الرحاب لم تكن مجرد مشروع جرىء خيب آمال المنافسين الذين توقعوا له الفشل الذريع، بل كان نقطة انطلاق لبرنامج مجموعة طلعت مصطفى الخاص بإقامة مدن سكنية على الطراز الأمريكى، ترضى طموح ورغبة شريحة من المجتمع المصرى، تجمع بين أعلى هرم الطبقة المتوسطة وما يسمى بالأرستقراطية الجديدة الناشئة، ويلاحظ أن المجموعة لم تقدم فى أى مرحلة خلال عملها والتصاقها بالسلطة ودوائر الحزب الحاكم، لم تقدم أبدا على تنفيذ مشاريع للإسكان المتوسط أو الشعبى، رغم الحاجة الماسة لذلك فى سوق العقار المصرى. «الرحاب» كانت فى البداية مملوكة بالكامل للمجموعة، التى اضطرت للتخلى عن معظم الأسهم فى وقت لاحق، مع احتفاظها بحق الإدارة، مقابل الدخول فى مشاريع أكبر وأعلى ربحية، خاصة بعدما التقت أهداف هشام طلعت بخطة الأمير الوليد بن طلال لغزو السوق المصرية عقاريا وسياحيا، وفى ظرف 5 سنوات أصبح الأمير يملك مع مستثمرين عرب وأجانب آخرين 49% من أسهم المجموعة، مع العلم بأن إجمالى الأصول المالية للمجموعة تتجاوز 16 مليار جنيه مصرى، منها 3 مليارات على الأقل قروض من بنوك مصرية. تعاونت المجموعة مع الوليد فى إنشاء فنادق الفورسيزونز فئة السبع نجوم فى القاهرة وشرم الشيخ، قبل أن تبدأ فى عدد آخر من مشروعات الرفاهية السكنية اللا محدودة، مثل النيل بلازا والربوة وماى فير، وكللت المجموعة جهودها فى هذا المجال بمشروع «مدينتى» الذى يعتبر الأضخم فى تاريخ العقار المصرى، على مساحة 8 آلاف فدان، وتتسع لنحو 600 ألف نسمة فى 80 ألف وحدة سكنية مرتفعة ومتوسطة القيمة السعرية. ووصلت القيمة الاستثمارية لمشروعات المجموعة بحسب مراقبين، إلى 70 مليار جنيه مصرى، علما بأن هشام طلعت لم ينف أبدا ما اتهمه به نواب معارضون فى مجلس الشعب، بأنه اشترى متر الأرض فى «مدينتى» من الحكومة بأقل من جنيه واحد، وتحديدا ما بين 25 و45 قرشا بدون مرافق وخدمات. ورغم دخول هشام طلعت فى مواجهات وخصومات ثأرية اقتصادية، مع كثير من رجال الأعمال، إلا أنه حافظ على مركزه السوقى المتميز، وظهر ذلك جليا فى الارتفاع المطرد فى الطلب على أسهم مجموعته الاقتصادية، منذ بداية العام الماضى 2008 وحتى اندلاع أزمة سوزان تميم. كان طبيعيا أن تجذب أضواء السياسة هشام طلعت مصطفى، شاء أم أبى، حيث وجد نفسه فى خضم اللعبة الحزبية، ومطالبا بالتعامل مع خصوم ومنافسين أكثر ضراوة ممن تعود عليهم فى سوق العقارات، فعلى العكس من والده الذى احتفظ فى دائرته بالإسكندرية بعلاقات طيبة مع الجميع، سلطة وإخوان ومستقلين وأحزاب معارضة، اقترب هشام بشكل لافت من لجنة السياسات فى الحزب الوطنى. ودارت فى الأوساط السياسية شائعات كثيرة عن علاقة أسرة طلعت مصطفى بالإخوان، البعض يؤكد أنه كان عضوا فى الجماعة فى شبابه، وأن هذا انعكس على أسلوب تربيته المحافظ لأولاده وعلى رأسهم هشام. والأخير كان خارج تشكيلات الحزب الوطنى تماما قبل عام 2003، وشأنه شأن منافسه وأمين التنظيم لاحقا أحمد عز، تم تصعيد هشام طلعت بشكل يتناسب مع تبرعاته السنوية للحزب، لا مع نشاطه أو التزامه، وهى سياسة تكاد تكون موحدة، وناجحة فى ذات الوقت، تجاه رجال أعمال الصف الأول الذين يشغلون فجأة مناصب قيادية بالحزب. وثمة 4 مشاهد تستحق التأمل تعكس علاقة هشام طلعت القوية بجمال مبارك ومؤسسة الرئاسة بشكل عام، فقبل عامين بالتمام والكمال زار الرئيس مبارك لأول مرة مدينة سكنية خاصة، هى الرحاب، وأشاد مرارا عبر وسائل الإعلام الحكومية بالمشروع، ووصفه بالأفضل والأجرأ فى تاريخ مصر العقارى. وفى 2007 تناولت صحف خليجية بشىء من التفصيل الصراع بين هشام طلعت ومحمد العبار رئيس شركة إعمار الإماراتية، على امتياز استثمار منطقتى سيدى عبد الرحمن بالساحل الشمالى، وجنوب مدينة الغردقة، وهو ما انتهى بتجميد الحكومة لعمليتى البيع، وفسر المراقبون القرار بمحاباة هشام طلعت على حساب العبار، وكاد الأمر يتطور سلبيا بعدما هدد الأخير بسحب استثماراته من مصر. المشهد الثالث يتعلق بالدرجة الأولى بشقيق هشام، رئيس مجلس إدارة المجموعة الجديد، المهندس طارق طلعت، فالأخير حل كبديل لشقيقه أيضا كعضو فى أمانة المهنيين بالحزب الوطنى، حيث رفض هشام تولى أى منصب قيادى عام بالحزب، رغم أن مصادر فى الأمانة العامة تؤكد أن مبارك الابن عرض عليه قبل عامين منصب أمين قطاع الأعمال، الذى يشغله حاليا الدكتور حسام بدراوى. واسم طارق طلعت يتردد بقوة داخل أروقة الحزب حاليا، كمرشح فوق العادة لدخول لجنة السياسات، وتولى منصب أمين المهنيين بدلا من الدكتور محمد حسن الحفناوى، وهو مشهد يفسر حالة التقارب الواضحة بين العائلة والنظام. أما آخر المشاهد، فهو ظهور هشام طلعت على شاشة التليفزيون الحكومى، وتحديدا فى إحدى فقرات برنامج «صباح الخير يا مصر» فى اليوم التالى لقرار حظر النشر فى قضية سوزان تميم، وحصوله على فرصة ذهبية لتبرئة ساحته وتلميع سمعته، حتى إنه طالب -كنائب برلماني- بسن قانون لمعاقبة مروجى الشائعات، وكانت النتيجة المباشرة للظهور الصباحى، انتعاش الطلب مرة أخرى على سهم مجموعة طلعت مصطفى. لم يكن غريبا إذن، أن يصبح هشام عضوا بمجلس الشورى وهو لم يكمل عامه 47 بدعم مباشر من جمال مبارك، الذى زكاه أيضا كرئيس للجنة الإسكان بالمجلس، ولم يعكر صفو الصورة إلا النزاع الخفى بين هشام وأحمد عز على عدة أصعدة، أهمها احتكار الأخير للحديد والانعكاسات السلبية لذلك على سوق العقار وهامش الربح الذى أكد هشام أنه على وشك التقلص إلى 60%، إلى جانب ما يصفه مراقبون وقياديون بالحزب الوطنى بالصراع على خيوط اللعبة الحزبية بين أكثر من شخص ومجموعة.