"ميدان التحرير" و"وسط البلد" .. هو مقصد الأخبار ومنتهاها ومحورها، وأصبح مقصد العطلات العائلية في أيام الخميس، بل مقصد شعب بأكمله أيام الإجازات والجُمَع منذ أيام الثورة في يناير، حتى الآن. أثناء سيرك في ميدان التحرير والميادين المؤدية إليه، يلفت نظرك تجمعات من جميع الأطياف والأعمار؛ يتحدثون ويتناقشون حول ما يجري في مصر، وحول آرائهم إلى ما ستؤول إليه الأمور؛ فقد ترى تجمعات للتنديد بأعمال الطائفية، وآخرين يذكرون بفلسطين وليبيا وسوريا واليمن، وآخرون ينددون بالمحاكمات العسكرية للمدنيين، وغيرهم ممن يعرضون أغنياتهم وأشعارهم؛ فقد تنوعت مظاهر الثورة، والتي يؤمن البعض أنها لم تمت ولم تنتهِ بعد. من بين هؤلاء الذين يؤمنون بأن الثورة لم ولن تنتهي، شاب بسيط هوايته الشعر، ويعمل في "دراي كلين"، وبعد انتهاء دوامه في عمله، تجده عند التاسعة مساءًا في وسط ميدان "طلعت حرب" يقوم بوضع لوحات بها مقتطفات من الصحف اليومية ومقالات لكبار الكتاب والكاريكاتيرات الساخرة من رموز النظام السابق ورموز الفساد والديكتاتورية في كل الأنظمة العربية، بالإضافة إلى بعض لوحات الفن التشكيلي لأحد الفنانين، ملقيا بقصيدة من الشعر العاميّ. هكذا بادرنا "حمد إبراهيم"، صاحب المعرض المقام على أحد أرصفة ميدان "طلعت حرب" ل(بوابة الشروق) قائلا "المعرض ليس للبيع؛ بل لتوثيق الثورات العربية في كل مكان"، مضيفًا: "تلك اللوحات عبارة عن مجموعة أخبار عن منتخب (بورتو طرة) بجماهيره ولاعبيه، وأيضا أحداث (إمبابة) الأخيرة و(ماسبيرو)، وبها مقارنات بين الوضع في أغلب البلدان العربية ومصر؛ فمثلما كان لدينا (هانم) كان لديهم (أميرة أو شيخة)، والمصالحة الفلسطينية. كما لم تخلُ اللوحات من مقتل (بن لادن) والغموض الذي يحيط به". وأضاف إبراهيم: "لقد جمعت تلك الأخبار تحت عنوان كان لإحدى الصحف (مصر اللي بنحلم بيها)، والتي أحلم بها أنا أيضا، من خلال الجيش والشرطة والشعب وتعاملاتهم سويا"، موضحاً أن "هناك دلالات للون اللوحات المختار؛ فمثلا: لوحات منتخب (بورتو طرة) بالأزرق؛ تمنيًا أن يرتدوا (البدلة الزرقا)، واللوحات البيضاء يعرض عليها المصالحة الفلسطينية،وصور من الثورة. أمااللوح الصفراء فقد تم تخصيصها للقذافي، فلا يوجد مكان آخر يليق به غير (السرايا الصفرا). أما الأسود، فهو للغموض الذي يكتنف مستقبل الثورة السورية واليمنية، ويكتنف مقتل (أسامة بن لادن) وتضارب التصريحات حول جثته". كما قال "وتلك اللوحات من الفن التشكيلي لأحد أقاربي، للفنان التشكيلي المصري الراحل (حامد عبد الله)، والذي عاش مغتربا وظل يراوده الحلم القديم والذي تحقق في يناير 2011". وحول فكرة المعرض، قال إبراهيم "لقد كنت في ميدان التحرير لمدة تزيد عن الشهر، وسأستمر حتى تتحقق الثورة؛ متمنيا ألا ينسى المصريون الثورة ولا شهداءها ولا حاكميها الذين أذلونا لأكثر من 30 عاما. فأنا أعرض لوحاتي مساءًا بعد إغلاق المحلات الكبرى على الرصيف، وألقي أشعار العامية أثناء تجمع الناس". وأضاف: "كان هناك بعض المضايقات من أصحاب المحلات الكبيرة في الميدان، لذلك تحركت من أمامهم وافترشت الأرض قرب موعد إغلاقهم. وكما يحدث أن هناك من ينادي من خلف زجاج السيارات العابرة (روحوا اشتغلوا.. روحوا بيوتكم.. خلوا البلد تمشي) ولكن هؤلاء لا استمع لهم؛ لأني أخدم بلدي بعد أن أنهي دوامي في عملي، فأنا هنا كل يوم من التاسعة، إلا أيام مباريات كرة القدم، فأنا أعلم شغف المصريين بالكرة؛ فلا يمكن أن (أكلم نفسي) في تلك الأوقات". تجلس تستمع لقصة معرضه، وسط بعض الأشخاص المدفوعين بحب الاستطلاع وتسمع قصائده وسط جمهور من الأجانب والشباب والسائرين الذين استوقفهم التجمع، ويتركك؛ ليقف مرحبًا بالمستطلعين الجدد، الذين بدأوا في الازدياد، بقصيدة عامية أخرى.