لم تكن المواجهات العنيفة التى شهدتها الحدود الإسرائيلية يوم الأحد الماضى لتقع لولا تضافر عدد من الأسباب السياسية والإقليمية. السبب الأول للمواجهات هو تصاعد الإحساس أن «الشعب قادر على التغيير» والإيمان بقوة الجماهير العزل على التغلب على الحكام الديكتاتوريين. ويبدو أن «الصدور العارية» للمحتجين هى السلاح الجديد غير التقليدى لجمهور الشباب اليائس والعاطل عن العمل، والذى لا يقدر النظام على مواجهته. ولقد استخدم التونسيون والمصريون واليمنيون والسوريون هذا السلاح ضد حكامهم، وحاليا يستخدمه الفلسطينيون ضد إسرائيل. أما السبب الثانى فيكمن فى بروز قدرة الفيسبوك والتوتير على الالتفاف على قمع النظام وعلى تنظيم حركات الاحتجاج وتعبئة الجماهير. ولعبت وسائل الاتصال الاجتماعى دورا مهما فى أحداث يوم السبت الماضى. وبرز التطور الثالث فى مشاركة النظامين السورى واللبنانى فى الأحداث، إذ لم يكن ممكنا أن تصل الحافلات التى أقلت الجماهير الفلسطينية الغاضبة إلى الحدود الإسرائيلية من دون علم الحكومتين وموافقتهما ورغبتهما فى تحويل الأنظار عن مشكلاتهما الداخلية فى اتجاه إسرائيل. العامل الرابع هو الصلة الإيرانية بسوريا ولبنان وغزة، فهذه الساحات الثلاث واقعة تحت تأثير آيات الله، وليس هناك من تاريخ أفضل يمكن استخدامه من أجل تحميل إسرائيل مغبة ما يحدث فى الشرق الأوسط من تاريخ النكبة 15 مايو. لكن علينا ألا نهمل العامل الإسرائيلى الذى له أهمية كبيرة بالنسبة إلى العرب الذين اعتقدوا طوال الأعوام الماضية أن إسرائيل لا تتنازل إلا تحت الضغط الخارجى. فحزب الليكود الذى كان تاريخيا من معارضى قيام دولة فلسطينية بات اليوم مستعدا للموافقة على نشوئها. كما أن القدس الموحدة التى كانت موضع إجماع إسرائيلى طوال أعوام عديدة أصبحت اليوم موضع انقسام، وحتى حق «عودة» اللاجئين الفلسطينيين الذى كان رفضه محل إجماع بين مختلف الأطياف الإسرائيلية هو اليوم قيد إعادة النظر من جانب بعض سياسيى اليسار الإسرائيلى. لدى مشاهدة أعداء إسرائيل التنازلات التى قدمتها فى أمور أساسية تحت الضغط الخارجى، أصبحوا يدركون ألا مغزى حقيقيا «لخطوطها الحمر» ويعتقدون أن تزايد الضغوط عليها سيدفعها إلى تقديم المزيد من التنازلات، وأن الضغوط القوية من جانب اللاجئين الفلسطينيين من شأنها أن تنهك الإسرائيليين وتدفعهم إلى تقديم تنازلات فى هذا الموضوع أيضا. وعلى الرغم من حرب لبنان الثانية سنة 2006، وعملية الرصاص المسبوك ضد غزة سنة 2008، فإن صورة إسرائيل اليوم هى صورة الدولة الضعيفة الجبانة التى يمكن النيل منها من خلال تقرير جولدستون مثلا. وتعتقد الدول المجاورة لإسرائيل ان المجتمع الإسرائيلى لاسيما النخبة الإسرائيلية هى نخبة مسالمة مستعدة لأن تتنازل عن كل شىء مقابل عودة الهدوء إلى حياتها المرفهة وأنها فقدت رغبتها فى القتال. الأحداث التى شهدناها يوم السبت هى بداية مسار وسط دينامية تصاعدية يمر بها الشرق الأوسط لذا، على إسرائيل أن تدرس خطواتها جيدا من أجل مواجهة الواقع الجديد، وأن تكون حازمة على الصعيد الدبلوماسى وصارمة على الصعيد العسكرى، كما أنها يجب فى الوقت نفسه أن تمارس ضبط النفس لأن تصاعد عمليات القتل سيزيد من تعقيد الوضع.